عناصر تحصين الجبهة الداخلية / مروان المعشر

عناصر تحصين الجبهة الداخلية

اصبح الحديث عن ضرورة تحصين الجبهة الداخلية اشبه بالأسطوانة المشروخة، يتم استخدامه من قبل الكثير من القوى و الأشخاص الراغبة في الإصلاح و غير الراضية عن غياب سياسات واضحة في هذا الاتجاه، كما يتم تجاهله من السلطة التنفيذية باعتباره في رأيها مجرد رغبات نخبوية لا تعبر عن المزاج العام.

أما في ضوء ما يتعرض له الأردن من تحولات في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين، و من تداعيات ما يدعى بصفقة القرن على الساحة الداخلية الاردنية، لم تعد الدعوة لتحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا ان كانت يوما كذلك، بل ضرورة وطنية لإسناد الموقف الأردني الرافض لهذه الصفقة و نتائجها الكارثية على البلاد. و إذا أخذنا بعين الاعتبار امكانات الأردن المحدودة سياسيا و اقتصاديا، فاقل الإيمان ان تكون الجبهة الداخلية متماسكة و موحدة، ليس فقط لمواجهة مثل هذه المشاريع، بل أيضا لوضع البلاد على سكة الاستقرار و الازدهار المستقبلين.

يتطلب تحصين الجبهة الداخلية العديد من الإجراءات. هناك حاجة لوجود مطبخ سياسي وطني يمثل اتجاهات متعددة من اصحاب الخبرة السياسية يساند جلالة الملك و يساهم في دراسة كل التبعات بموضوعية و حكمة، و لا يتوانى عن تقديم النصيحة المجردة من الاعتبارات الوظيفية أو المصالح الشخصية. ان التغيرات الخارجية و الداخلية التي يمر بها الأردن تستدعي وجود مثل هذا الجسم الاستشاري الذي قد يتضمن عناصر من الحكومة و لكنه لا يتوقف عندها، و الذي يستطيع تجميع الخبرات السياسية الغنية لدينا و يوظفها للتقييم المستمر للسياسات الاردنية و كيفية تعاملها مع المستجدات.

مقالات ذات صلة

من احدى مهام هذا المطبخ اعادة تقييم العلاقة الاردنية الاسرائيلية، بكل موضوعية و بعيدا عن العواطف، ضمن إطار المصلحة الاردنية العليا و ما تقتضيه وفقا للمستجدات. ان العلاقة مع إسرائيل قررت سابقا وفقا للاعتقاد انها ستساهم في إنهاء الاحتلال الاسرائيلي و إقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني، ووفقا لقرار عربي ذهب بموجبه الأردن إلى مدريد إلى جانب الفلسطينيين و سوريا و لبنان. أما و قد اصبح واضحا ان ليس هناك نية اسرائيلية لإنهاء الاحتلال و إقامة الدولة الفلسطينية، فلا يجوز ان تبقى المقاربة الاردنية معتمدة على معطيات سابقة استنفذت، خاصة و نحن نشهد سياسة اسرائيلية تصب مباشرة ضد المصلحة الاردنية العليا إذا ما تم وأد حل الدولتين و بالتالي حل النزاع على حساب الأردن. من الضروري بمكان ان يخضع التقارب مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاقية الغاز، لإعادة تقييم جذرية.

من الضروري أيضا اعادة تقييم الاعتقاد ان الأردن لا يستطيع رفض أي طلب أمريكي بسبب علاقته مع الولايات المتحدة بما في ذلك حضور ورشة البحرين. يثبت التاريخ انه في المرات التي شعر فيها الأردن بتهديد وجودي، لم يتوانى عن رفض الطلبات الاميركية، و ما حرب الخليج الأولى الا واحدة من الشواهد العديدة على ذلك.

و فوق كل ذلك، لا بد من تقييم جاد لأثر التشدد في فتح الفضاء السياسي و فيما إذا حقق أو سيحقق الاستقرار المنشود. غني عن القول ان تحصين الجبهة الداخلية لن يتحقق دون البدء باصلاح سياسي حقيقي يشعر المواطن انه شريك حقيقي في صنع القرار، و لن تستطيع مثل هذه الجبهة دعم موقف جلالة الملك من صفقة القرن بفاعلية الا من خلال تقوية المؤسسة التشريعية و الإسراع في الوصول لحكومات تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية. للأسف، فان كل تصريحات السلطة التنفيذية لا تشير إلى إيلاء هذا الموضوع أي اهتمام حقيقي، و كأننا لسنا في أزمة على الإطلاق.

لا يجوز ان يبقى تحصين الجبهة الداخلية شعارا نرفعه للاستهلاك الداخلي. فالوضع الداخلي لم يعد يحتمل الشعارات، بل هو في حاجة ماسة لعمل جاد و مستدام. هكذا فقط نحمي هذا البلد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى