
#عمان… المدينة التي تحوّلت إلى #متحف للمخالفات المرورية!
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة
هل أصبحت #المخالفات_المرورية في عمّان البقرة الحلوب الوحيدة التي ترضع منها #أمانة_العاصمة؟!
فها نحن نقرأ بفخرٍ عجيبٍ في وسائل الإعلام أن الأمانة ستزرع شوارعنا بـ 3000 كاميرا هذا العام، و2500 أخرى العام القادم، وكأن العاصمة تحوّلت إلى مختبر لتجارب المراقبة، أو إلى “عاصمة المراقبة العربية الكبرى”!
يا جماعة الخير، من الواضح أن الأمانة اكتشفت أخيراً كنزاً جديداً اسمه جيب المواطن، وقررت أن تستثمر فيه حتى آخر فلس. فبدلاً من أن تنشغل بتجميل المدينة أو معالجة أزماتها الخانقة، قررت أن “تتجمّل” بمزيد من العدسات والعيون الإلكترونية التي تراقبنا ليل نهار، لا حباً بالنظام، بل حباً بالإيصال المالي!
أليس من المدهش أن الأمانة التي تغرقنا بالرسوم والتراخيص والضرائب واليافطات، وتحصّل الملايين من جيوب كل ساكن وزائر لعمان، لا تزال غارقة بالديون التي تجاوزت المليار دينار؟!
أين ذهبت كل تلك الإيرادات؟ رسوم الرخص، ومخالفات المحلات، وضريبة اليافطات، وتصاريح البناء، ورسوم مواقف السيارات، وكل “ابتكار مالي” يخطر في بالهم!
ومع ذلك، تُصر الأمانة على أن توازن ميزانيتها ليست بإنشاء مشاريع إنتاجية أو بتحسين كفاءة إدارتها، بل بإضافة “كاميرا جديدة” في كل زاوية، و”مخالفة جديدة” في كل شارع. وكأن المخالفات أصبحت موردها الاستراتيجي، والمواطن أصبح النفط البديل!
يتساءل المرء إن كانت الأمانة فعلاً موجودة في العاصمة، أم أنها غادرتها منذ زمن بعيد.
فلو كانت هنا، لرأت بأمّ عينها الحفر التي تحوّلت إلى بحيرات مصغّرة، والأنفاق التي تغرق كل شتاء، والازدحامات التي تبتلع ساعات أعمارنا، والشوارع التي تئنّ تحت وطأة الإهمال.
لكن الأمانة – فيما يبدو – ترى كل شيء عبر عدسات كاميراتها فقط!
هي لا ترى أزمة المرور، بل ترى “مخالفة”.
لا ترى شارعاً مكسوراً، بل “موقع تصوير جديداً” لكاميرا ذكية.
ولا ترى المواطن المرهق، بل “مُنتجاً محتملاً لإيصال جديد”.
يا سادة الأمانة، ابحثوا عن مصادر دخل تليق بعاصمة، لا عن فواتير تليق بسوق غرامات.
طوّروا النقل العام، جذّبوا الاستثمار، استغلّوا أملاك الأمانة المهملة، أعيدوا التفكير في إدارة النفايات والطاقة والمياه… كلها مجالات تدر دخلاً مستداماً.
أما الاعتماد على المخالفات فهو مثل من يملأ دلوه بالثقوب… مهما جمع، سيخسر في النهاية.
وعليكم أن تبحثوا عن فرص ومشاريع ابتكارية تساهم في مواجهة المديونية المتراكمة بعيداً عن جيوب المواطنين المنهكة.
فالإبداع الإداري لا يكون في زيادة الغرامات، بل في إطلاق مبادرات اقتصادية خلاقة، وشراكات مع القطاع الخاص، ومشاريع استثمارية مدروسة يمكن أن تدر دخلاً دون أن تثقل كاهل المواطن الذي أصبح يشعر أنه يعيش في مدينة الضرائب والمخالفات.
كما أدعو مجلس النواب إلى أن يتحمّل مسؤوليته التشريعية والرقابية، وأن يعيد النظر في قانون السير حتى لا يتحول إلى سيفٍ مسلّطٍ على رقاب الناس، فالقانون وُضع لتنظيم الحياة لا لتعذيب المواطنين أو تحويلهم إلى مصدر تمويل للموازنات.
أقول للمواطنين والزائرين:
احذروا من زيارة العاصمة بسياراتكم إن استطعتم!
وإن اضطررتم، فشدّوا الأحزمة، لا خوفاً من الحوادث، بل من “اللقطات”!
احفظوا القانون عن ظهر قلب، فالكاميرات لا ترحم، وهي أسرع من البرق في تسجيل “أخطائكم المالية”.
أما أنتم يا سكان عمّان، فأنتم أصحاب البيت والمسؤولون عن سلوكياتكم، فلتكن شوارعكم نظيفة، وقيادتكم هادئة، ولتكن رسالتكم للأمانة:
“نحن لسنا مصدر دخل، نحن شركاء في المدينة.”
أتمنى من أمانة عمّان أن تُبدّل زاوية النظر:
بدلاً من أن تُحدّق فينا من خلف العدسات، لتنظر إلينا بعيون المسؤولية.
بدلاً من ملاحقة السائقين، لتلاحق المشاريع الراكدة.
وبدلاً من رصد “المخالفات”، فلتبدأ برصد الأولويات.
فالعاصمة اليوم تحتاج إلى فكر إداري ناضج لا إلى كاميرات جديدة.
تحتاج إلى شبكة تصريف مياه تسبق المطر لا تلحقه، وإلى تخطيط مرور يقلّل الزحام لا يضاعفه، وإلى رؤية ترى في المواطن عنصراً من الحلّ لا مصدر دخل.
وحتى يحدث ذلك، يا أحبّتي،
احذروا من “الابتسامة” أمام الكاميرات… فقد تُكلّفكم مخالفة!




