
عمان الأصيلة والأصلية
مع بداية الوعي يحفظ المرء معلوماته الشخصية: اسمه وعمره وعائلته ووطنه و»يكرجها» كرجاً كالمحفوظات التي لا تحتاج إلى سؤال، بل يباهي الأطفال وآباؤهم إذا أظهر أبناؤهم نبوغاً جغرافياً فحفظوا أسماء الدول وعواصمها.
وفي الثمانينيات قامت شركة منتجات غذائية في بلدنا بالبناء على هذه الفكرة وتعزيزها بتقديم غذاء للعقل والجسم في آن واحد فقدمت مسابقة لجمع أعلام البلدان في دفتر وكان على اسم كل علم معلومات أساسية تضم اسم البلد والعاصمة في درس جغرافي عظيم أوسع من الكتاب الدراسي والصف المدرسي!… نعم تعتبر المعلومات عن الوطن من المعرفة الأساسية التي تزرع في اللاوعي بداية كشيء لصيق من حياة الإنسان لذا يعاني الأطفال من الاضطرابات النفسية في حال فقدان أوطانهم دون أن يدركوا المعاني المعقدة للجذور والتاريخ والامتداد والاستقرار، ثم تترسخ المفاهيم وتتجذر بالتعليم وبحسب المرحلة العمرية فيتسامى معنى الوطن ليجمع بين الرمزية والمادية وبين المكان على الأرض والمكان في القلب ولولا محبة الأوطان وارتباطها بالإيمان لما ضحى البشر بأرواحهم ودمائهم مقابل عزتها ومنعتها ونصرتها.
عمانيون نحن نشأنا بفخر لا ننكره أننا أبناء العاصمة ولكن العاصمة حيث المظلة الأكبر علمتنا الانتماء لكل تراب الأردن ببواديه ومدنه وحواضره، عمانيون نحن عشنا في عمان وهي تزهو بالتقدم غير أننا نحفظ تاريخها الذي يعود إلى أكثر من 7000 سنة قبل الميلاد بكل الحضارات التي مرت عليها واستوطنتها تفضيلاً لها عن غيرها لما حباه الله بها من فرادة في المكان والثروات والسكان فما من حضارة بشرية مزدهرة إلا ومرت بها وتركت بصماتها في لوحة إنسانية تاريخية جعلت منها متحفاً للمكتشفين وعبرة للدارسين ومطمعاً للتواقين إلى السلطة.
نشأت المدينة في الوديان بين الجبال أولاً فضاقت على سكانها، فارتقوا سفوحها واستمروا في الاتساع عبر قممها حتى انتشرت المدينة بأطرافها فوق 20 جبلاً كلما ضاقت وسعها أهلها دون ان يتحولوا عنها أو يروا لها بديلا فكيف بها الآن وقد بلغت أشدها واستوت على سوقها وسار العالم بخبرها أيظن البعض أن أهل البلد يرضون عنها نسخاً وبدائل! هل تجري مقاييس الزمكان من قدم وجدة وسعة وضيق على مدينة وجدت قبل التأريخ المعروف وما زالت تتطور محتفظة بروح أصالتها وتراثها؟ وهل نقامر بالمعاني التي تحفظ التاريخ مقابل المباني والماديات المؤقتة التي تزول بزوالها؟
عمان ليست طارئة لنتجاوزها وليست مرحلة لنبني بعدها ومن يقلل من الأبعاد الوجدانية التي تحملها العواصم والأماكن في قلوب أهلها فليذكر أن التاريخ لعن نيرون عندما أحرق روما فتخلد ذكره في الغابرين وبقيت روما يستلهمها الشعراء قصيدة جديدة كل يوم:
نيرون مات… ولم تمت روما… بعينيها تقاتل
كتب المقدسي عن عمان في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» أن مدينة عمّان هي واحدة من ضمن ثلاث مدن تشبه مكة، حيث يقول: «رأيت لها ثلاث نظائر: عمّان بالشام، واصطخر بفارس، وقرية الحمراء بخراسان».
نحن قوم لا نغير مكّتنا ولا نقبل بتغير أختها عمان ولا باستنساخها بل نريدها أصيلة أصلية كما فتحنا عيوننا عليها و ورثناها عن أجدادنا
عمان التي حفظناها أهزوجة في الصغر فأنشدنا:
عمان يا عمان يا زينة البلدان
حبك في فؤادي على مدى الزمان
عاصمة الأردن أرض الهنا و الحسن
هذه العمان لا تضيق ولم تضق حتى وإن ضاقت أخلاق بعض من يرون لها بديلا!