كتب … علي سعادة
تخصص بالكوميديا السياسية الساخرة التي تنتقد #الواقع #السياسي و #الاجتماعي بمرارة. مثل غالبية #الفنانين الأردنيين كان #المسرح شغفه وبيته الذي كان يشعر من خلاله بالفرح لقربه الجمهور، وربما يكون انجازه الشخصي الأكثر وضوحا من خلال المسرح ونجاحه في تحريض المشاهد على الضحك رغم ظروفه الحياتية الصعبة.
استحوذ #التمثيل على #موسى_حجازين، المولود في قرية السماكية بمحافظة الكرك عام 1955، لكنه لم يجد الفرصة لتقديم نفسه في هذا المجال، ولم يتمكن أيضا من دراسة التمثيل فاتجه إلى الموسيقى بعد أن اجتاز امتحان القدرات في وزارة التربية والتعليم لدراسة الموسيقى في مصر، وفي جامعة حلوان تتلمذ على يد أحمد فؤاد حسن قائد “الفرقة الماسية” الشهيرة، وعاد بعد 5 سنوات بشهادة الموسيقى، فعمل مدرسا للموسيقى في المدارس الأرثوذكسية.
بدأ حياته الفنية عضوا في فرقة الفحيص للفنون الشعبية، وهو عازف متمكن على آلة العود، ويغني بصوت حزين لكنه جميل ومؤثر فيمن يسمعه.
خلال سنوات الدراسة وعمله في التدريس بقي متعلقا بالتمثيل حتى جاءته الفرصة في ظهوره الأول في مسلسل “حارة أبو عواد” عام 1981، والأجزاء اللاحقة من المسلسل، ثم مسلسل “الشريكان” عام 1984، ومسلسل “العلم نور” عام 1984 .
عرفت “حارة أبو عواد” انطلاقته الفنية الأولى بعد أن شارك كضيف بواسطة الكاتب محمود الزيودي الذي عرفه بالراحل نيبل المشيني (أبو عواد بالمسلسل) ومن خلال هذه الحارة عرف بشخصية “سمعه” التي شكلت الجزء الأخر من التوأم الفني له وهو الفنان الراحل حسن إبراهيم “مرزوق”، وحسن إبراهيم ممثل يمتلك قدرات مذهلة في الكوميديا ومعظم الأشعار في “حارة أبو عواد” كانت من تأليفه، ويقول من عرفوه بأنه كان محبا لزملائه الفنانين، رحل مبكرا ولم يأخذ حقه في الدراما الأردنية رغم نبوغه وموهبته .
ثم تواصلت أعمال حجازين الفنية فقدم مسلسل “وادي الجرف” 1985، “النص بالنص” 1985، ومسلسل “الدنيا هيك” عام 1994 ثم مسلسل “لا تجيبوا سيرة” عام 2001.
كما خاض تجربه في عالم الرسوم الكرتونية من خلال أول عمل درامي كرتوني في الأردن.
حضوره على المسرح كان لافتا، وربما كان الأبرز في مسيرته الفنية، فقدم على خشبة المسرح عدد من المسرحيات السياسية الناقدة من بينها “شي غاد” 1985، “زمان الشقلبة”1991، “سمعة في أمريكا”، “حاضر سيدي” 2006، “ابتسم أنت عربي”، “هاي مواطن” 1995، “هاي أميركا” 1996، “إلى من يهمه الأمر” 1999، “مواطن حسب الطلب” 1997، “الآن فهمتكم” عام 2011 للكاتب أحمد حسن الزعبي.
تتناول “الآن فهمتكم” العديد من القضايا السياسية المحلية والعربية، ومنها الخصخصة والفساد. وكانت إحدى الرسائل القوية التي ترددت بين الأردنيين بعد المسرحية هي عبارة “باعوها”، والتي تكررت طوال المسرحية.
ويعطي الزعبي صوتا على المسرح لنقاد الحكومة الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بمحاربة الفساد السياسي والدعوة إلى الإصلاح، وبالإضافة إلى النص المكتوب بحرفية الزعبي المعهودة، فقد كتبت وعرضت المسرحية على وقع أحداث الربيع العربي، لذلك اعتبر الزعبي أن المسرحية كتبها 300 مليون عربي وليس هو وحده.
وحضر أحدى عروض المسرحية الملك والملكة ولم يخفيا إعجابهما بها بعد أن شارك، الملك والملكة، الجمهور العريض الضحك على حوارات المسرحية اللاذعة.
كان الكاتب محمد الشواقفة حاضرا في غالبية مسرحيات حجازين، وشكل ثنائيا معه، وهو ما أضاف لمسه خاصة على أعمال حجازين مع الشواقفه.
وبدا موقفه من التضامن مع الفلسطينيين في مدينة القدس وأهالي حي الشيخ جراح، استكمالا لمسيرة فنية ووطنية عامرة بالجمال والأصالة الفنية، ورغم أن أمنيته كانت أن يعرض مسرحياته للجمهور الفلسطيني الذي أحبه في التلفزيون وفي المسرح في فلسطين المحتلة، لكن حجازين لم يتقبل أن يختم جواز سفره بالختم الإسرائيلي، قائلا :”هذا لا يشرفني” ورفض “سمعة” أو “أبو صقر” عرضا للتطبيع مع الاحتلال عام 1999 مقابل ربع مليون دولار لكي يقدم 40 عرضا في فلسطين المحتلة عام 1948، وهو مبلغ ضخم في القيمة السوقية له في ذلك الوقت .
وأمعن حجازين في فضح جرائم الاحتلال عبر فيديو يوضح فيه الآلية التي اتبعها الاحتلال في محاولة السيطرة على حي الشيخ جراح في القدس العربية، عبر تسلسل زمني استمر لعقود منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم. وحمل الفيديو عنوان “أبو صقر: لن نرحل … לא נעזוב” باللغتين العربية والعبرية.
موسى حجازين الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في حقل الفنون (مجال التمثيل)، وعلى جوائز تقديرية عدة، يؤلمه الحال الذي وصل إليه بعض الفنانين الأردنيين وفي مقدمتهم صديقة ومعلمه ربيع شهاب، وكثيرا ما عبر عن غضبه من عدم حضور الفنانين جنازات من يرحلون عنا من نجوم الدراما الأردنية، أو من يتركون فريسة للمرض أو لا يجدون أدوارا مناسبة، يقول: “كلنا نعرف بتهوفن وأعماله لكننا لا نعرف اسم أي مسؤول على زمنه”.
لا ينكر فضل نجوم “حارة أبو عواد” عليه في بدايته الفنية من خلال دعمه ومساندته، وفيهم نبيل المشيني وعبير عيسى وربيع شهاب ورشيدة الدجاني، لكن “مرزوق” لا يغيب أبدا عن باله، وهذا وفاء يستحقه نجوم الدراما الأردنية الذين حفروا في الصخر ليصنعوا أفضل دراما في الوطن العربي في حقبة السبعينيات والثمانينيات.
موسى حجازين، رجل تغلبه دموعه دائما في المواقف المؤثرة كما الحال حين بكى الشهيد معاذ الكساسبة، وحين يبكي من وقفوا معه في بداية حياته، كما خنقته الدمعة في رثاء معلمه الفنان نبيل المشيني، يقول “تختنق دموعي قبل أن أقول لروحك الطاهرة، وداعا، وداعا، يا أبا طارق.
كنت الأب والمعلم والقدوة. فتحت قلبك لنا جميعا في حارة أبو عواد حين أمسكت بيدي في دروب الفن والدراما الملتزمة الهادفة. لن أنسى فضلك الجليل علي بعد فضل الله، لن أنسى طيبتك ومعاملتك لي وافتخارك الدائم بي.” والرجل الذي ينهزم أمام دموعه، يعول عليه ويوثق به، فقلبه أبيض وروحه صافية كبياض الثلج، وموسى حجازين رجل لم ينتصر يوما في معركته أمام دموعه.