على غرة العام الجديد قف واتعظ

على #غرة_العام_الجديد قف واتعظ

مصعب البدور
بعد ساعات قليلة يطلع علينا العام الجديد، ولا ندري ما يحمل لنا من خبايا، وللبعض صيحات في قافية العام، فمرة حافة ديسمبر ومرة على مشارف كانون، ولقد عجّت أيام عامنا المحتضر بالأحداث فلقد تغيّر رؤساء وسقطت عواصم، وثارت أعاصير بعثت الخوف وأرهقت الاقتصاد، ونشبت حرائق وثارت براكين وهُجّر جموع من الناس، ودفع العالم فاتورة باهضة تقدّر ب250 مليار دولار نتيجة هذا الحشد من الأحداث، وغيب الموت مشاهير وفنانين، وتراجعت حركة كثير من الأسواق، وفي هذا السياق لن أشكوَ ألوان الموت ورائحته المتصاعدة، إنما أريد القول أن للمرئ من كل شيء خبرة، ومن كل حدث نصيب ليتعلم من التجارب وليغير في حياته.
مشاهدات في شارعنا العربي في نهاية كل عام
جرت عادة الناس في الحياة أن النهايات دائما متبوعة بتلاوم، أو بتفاخر، وكذلك يوجد اجترار لكل الماضي بعد النهايات وإعادة دون طائل، أو تكرار بغرض ملء الفراغ الكبير، فلربما ساعدتنا هذه الأحاديث المكرورة على إشغال أنفسنا بها لتقضي على الملل الذي يملأ حياتنا، فمِنَ النّاس مَنْ يكرر الأحاديث ليلبي حاجة نفسيّة في داخله؛ فهم يحبون أن يمتدحوا بكل ما قاموا به أو ما ادعوا أنهم قاموا به، والبعض يحب أن يكرر ما جرى ليحوره متنصلا من مسؤولياته، وليلقي نتائج أعماله على جهة أخرى، والبعض همه الانتقاد أو التجريح لأنه لا يتقن غيره.
إن ما يثير الحفيظة في شارعنا العربي أن النهايات لا تتلوها مراجعات حقيقية، ولا تقييمات حقيقية من شأنها أن تؤهل لبداية جديدة، والعجيب في الموضوع أنّ كل نهاية مشابهة لنهاية قبلها وكل بداية منسوخة من بداية سابقة، وملخص القول أن الشارع العربي يكرر نفسه مع اختلاف بعض الأحداث والأشخاص، فالمكان هو المكان والحدث هو الحدث ذاته، والبطولات كما هي لم تتغير، والأدوار ثابتة لا تتزحزح.
ففي كل نهاية عام لا نرى إلا تراشقات فتاوى الاحتفالات برأس السنة، وبرامج تلفزيونية، وسهرات، وانتظار للحظة الصفر حتى يبدأ عام جديد، ثم بعدها يبدأ المواطن العربي عامه الجديد بإجازة يومٍ ينام فيها إلى ما بعد منتصف النهار، كغيرها من الإجازات وكعادة المواطن العربي في كل بداية لسنة جديدة.
استطلاع صادم
دائما ما تدور في ذهني تساؤلات عدة أحد أهم هذه التساؤلات (ما الفرق بين سنة ذاهبة وسنة مقبلة؟) و( من الذي يصنع الفرق أصلا؟ )و (ما المفروض أن ننجزه لنجعل عامنا مختلفا عن غيره؟)
وفي محاولة للإجابة على تساؤلاتي استعنت بالناس لنجيب عن هذه الأسئلة، ولكن المثير للاهتمام أن الاجابات كانت مجموعة من الأسئلة، فهناك من أجاب قائلا:”من قال لك أنني خلقت لأنجز ؟ أو أن أبهرك بإنجازاتي؟” ومن الردود المتكررة ” هل من وظيفتي أن أشرح لك بدهيات الحياة” ومن الردود الصادمة حقا ” أنت ما الذي يشغلك بهذه السفسطات ؟ والأسئلة السخيفة؟” وكانت هناك بعض الإجابات غير المتوقعة مثل “يزم عيش يومك وفكك من هالسوالف” ومنها
“الحياة يوم واحد ألم تسمع الناس يقولون الحياة قصيرة هذا يعني أن الحياة يوم واحد” وقد وجدت إجابة متفردة من نوعها قال صاحبها “لا يلزم أن يكون هناك فرق بين السنوات؟ هذه السنة وسابقتها ولاحقتها لهنّ نمط واحد يُلَخَّصُ في :عمل ونوم ومديونية كبرى للدولة ومديونية صغرى للمواطن، وهذا ملخص الحياة” ومن الإجابات اللافتة “إن حياة المواطن العربي صارت روتينا لدرجة أن تتوقع ما سيحدث غدا بكل سهولة”
ولربما كانت حالنا القائمة التي نعانيها في شارعنا العربي تعود لشيء لا نلتفت له، هو أننا ولا نعرف على أي أرضية نقف، ولا نتأمل حياتنا ولا نراجعها.
أمنيات على أبواب العام الجديد
بعد استطلاع صادم، تشكلت لوحة من الأمنيات لصورة مشرقة للمواطن العربي، الذي يتحدث عن الفرق بين عامه الماضي وعامه الحالي وعن خططه لعام مقبل، والذي يشرح لنا وقفة تأمل ومراجعة لما قدمه من إنجاز وما قام به من أعمال خلال عامه المنصرم وصوته يخترق جمود الوطن العربي كتبت بحثا وقرأت كذا وكذا كتابا، وألفت رواية أو كتبت شعرا، أو افتتحت مشروعا أو طورت من ذاتي طوعا، أوحصلت على ما سعيت له أو طبقت ما خططت له.
خبرات من واقع 2021
تعلمنا من 2021 أن نقوم بعد كل وقعة، فالسنة 2020أغلقت أبواب الأرض ونوافذ السماء وهُجِرَتْ الشواطئ وظنت الطيور والحيوانات أن البشر هجروا الكوكب بسبب الجائحة ، فجاء 2021 ليفتح نافذة الأمل فحمل في ثناياه حملة المطاعيم، فكانت انطلاقة جديدة ، وعنوانا جديدا(( العثرة تتبدد بالنهوض))، فالصفر في 2020 جعل الوجود جمادات ساكنة ومختبئة في بيوتها جاءه الواحد في 2021 ليكسر هذا الجمود وليعيد الحياة، ويعلن أننا سننبثق مهما كانت الظروف فتعلمنا من عامنا المحتضر أن الانبثاق والتجدد هي عمارة الأرض وهي مهمة الإنسان الحقيقية.
تعلمنا في 2021 أن الألم الذي يسببه الخوف من الخطر القادم أشد من ألم المخاطر نفسها، فالأعاصير التي أغلقنا أبوابنا خوفنا منها مرتّ وانتهت ثمّ خرجنا ننفض آثارها ونعود إلى دورة الحياة من جديد، وتعلمنا من 2021 أن الخوف من الفقد أشد بكثير من مصيبة الفقد، فعرفنا أن السعي للمحافظة على أحبائنا خير بألف مرة من أن نعيش ألمين واحد منها خوف والثاني رحيل مقيم، ففهمنا أن الحزن والنواح لا يردان فقيداً، ووعينا أن الانطلاق إلى الحياة خير مخرج من رائحة الفقد المتصاعد.
وتعلمنا من 2021 أن الانجازات أبقى من الأشخاص، وأن الأفكار قادرة على الخلود أكثر من المفكرين، فكم فقدنا من مشاهير وقامات مؤثرة سرعان ما نسيناهم، لكننا للآن نطالع ونشاهد إنجازاتهم ونقرأ أفكارهم .
وتعلمنا من 2021 أن توقّف مواقع التواصل الاجتماعي عن العمل لساعات قليلة أعاد للعائلة رونقها واجتماعها وضحكاتها، فتأكدنا أن التواصل الحقيقي هو الحياة التي لا يغيرها فلتر ولا تزورها صورة معزولة.
تعلمنا من 2021 أن نتجدد دائما وألّا نكرر أنفسنا فالمتجدد قادر على الاستمرار وقادر على خلق الخطة البديلة وتطبيقها .
وتعلمنا من 2021 أن شعائر الله روح فبعد أن أغلقت المساجد ودور العبادة في عام الجائحة كانت تكبيرات الصلوات هي شعار عام 2021.
وتعلمنا من 2021 أن المستقبل يحتاج إلى إعداد وفهم واجتماع كلمة وتعلمنا أن النجاة قرار جماعي ولا يختص بواحد دون غيره، وتعلمنا أن الظلم والفساد جائحة أشد فتكا من أي جائحة.
وتعلمنا من 2021 أن الأحلام لا تصنع مجدا ولا تنجب بطلا، وأن الأمنيات المطوّحة من حافة ديسمبر إلى مجهول يناير ربما تأخذها أمطار الشتاء وتذهبها بعيدا وتسقطنا في قاع موحل، فالحياة بالعمل لا بالتمني، وبالإنجازات لا بالمكذوب من البطولات، هكذا تكون البدايات وليدة النهايات .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى