على شفا جرف هارٍ – المشكلات والحلول
م. أنس معابرة
تطالعنا #الأخبار يومياً بأحداث مأساوية، #جرائم #قتل شنيعة، وتصرفات إجتماعية غير لائقة، وإنحدار أخلاقي عال المستوى، وشذوذ وإدمان من #شباب بعمر الورد، كانت الآمال معقودة عليهم في بناء #الوطن، وحمل الراية.
قد يستغرب جيل الآباء والأجداد من تلك التصرفات التي لا تمت الى #الشرع والدين و #الأخلاق والعادات والتقاليد بصِلة، والتي لم يجدوها بينهم، حيث كانت الأخلاق هي سيدة الموقف. ولكنني أقول أن تلك التصرفات المنحرفة، والخروج عن العُرف الأخلاقي والديني، شيءٌ كان متوقعاً.
ماذا تتوقعون من جيل إستيقظ ليجد أمة ممزقة، تُنهش من أبناء جلدتها، قبل أن تتداعى عليها الأكلة كما تتداعى الى قصعتها، ويُسفك فيها دماء عشرات الآلاف، ويُشرد الملايين في سبيل الحفاظ على كرسي الزعامة.
ما تتوقعون من جيل وجد ملاذه في تطور الغرب الحضاري، فعكف على تقليدهم تقليداً أعمى، في اللباس والتصرفات والحماقات، حتى لو أنهم دخلوا جحر ضب؛ لتبعوهم.
ماذا تتوقعون من جيل وجد أن الراقصة قد أصبحت أماً مثالية، بينما الأمهات “خنساوات العصر” اللواتي يقدمن كوكبة من الشهداء، يرقدون في غياهب الظلمات، ولا تجد من يجبر خاطرها.
غابت عن شاشاتنا المسلسلات الدينية والتاريخية والإجتماعية والمواعظ الدينية، وأستُبدلت بدراما إباحية، مليئة بالمشاهد الخليعة، التي تحيي الشهوات، وتقتل المروءة، وتهدم الاخلاق.
حتى البرامج الثقافية والأدبية والرياضية التي كانت تزخر بها شاشاتنا، تم إستبدالها اليوم ببرامج مخصصة لإستضافة الفنانين والفنانات، وبات هنالك العشرات منها، وتم إقصاء جميع البرامج التوعوية الهادفة.
بل إمتد الخطر ليصل الى برامج الأطفال، بعد أن كانت تهدف الى التعليم والثقافة، أصبحت اليوم تحث على العنف والقتل والخيانة والخداع، بل وأصبح عدد منها يتناول موضوع المثليين الشواذ بكل بساطة، لترسيخ ذلك في عقول أبناءنا.
إذا كنت تستغرب من جرائم القتل البشعة وحوادث الإنتقام التي تهز المجتمع، وإن تعرضت يوماً لأعمال البلطجة وفرض الأتاوات، وأن كنت شاهداً على حالات الشذوذ الجنسي، فلا بد أن تتذكر بأنها قد أصبحت عادات طيبة يعيش عليها الأبطال في المسلسلات والأفلام التي تغرق بها منازلنا.
إقتصرت التصاريح الرسمية اليوم على الحفلات الصاخبة للفنانين، والتي يتسابق عشرات الآلاف لشراء تذاكرها بأسعار خيالية، في حين يتم التضييق على الأندية القرآنية، ونشاطات المساجد والنوادي الصيفية، ووصفها بالإرهاب والتطرف، وربطها بشخصيات وأطراف غير مرغوب بها، لدرجة أن إقامة فعالية دينية أو ثقافية، أصبح من المستحيلات.
“العرب لديهم مواهب”، و”الصوت”، و”صوت الأطفال”، و”صوتك أقوى”؛ كلها برامج تتنافس لجذب شبابنا وفتياتنا الى الإنحلال الأخلاقي والعريّ، وتقنن الإختلاط، وتبرر كل هذا بالحرية والإنفتاح.
ماذا تتوقعون من جيل وجد الدكتوراه الفخرية تُهدى ل “محمد رمضان” وإتخذوه قدوة، وعاشوا نجاحه الزائف، وعملوا على تقليده في لباسه ومشيته وقصة شعره، وسيشهدون على تضوره جوعاً، ولكن للأسف بعد فوات الأوان، وبعد أن يتسبب في إنحراف الملايين من شباب الأمة.
حتى كلمات الأغاني التي كان يطرب لها الآباء والأجداد تم إستبدالها، وأصبحت أغاني موطني، وإسلام الفدا، والحلم العربي من التراث، وتصدرت اليوم “مفيش صاحب بيتصاحب ومفيش راجل بقى راجل، وأمك صاحبتي وأختك بترقص على مطوتي”.
حتى الزواج والخِطبة؛ بعد أن كانت الكلمة لشيخ العائلة وكبيرها، أصبح طلب الفتاة يتم على الأرصفة وفي المولات أمام الجميع، في تعدٍ سافر على كرامة المرأة، وضرب للأعراف والعادات والتقاليد بعرض الحائط.
إن خيبات الأمل المتوالية لا تبشر بخير، وتدعونا الى التفكير العميق في الأسباب التي أوصلتنا الى هذه الحال.
إن أول خطوة في إيجاد الحلول لمشاكل الشباب اليوم؛ هو البحث عن الأسباب التي أدت الى تردي أوضاعهم اليوم، ومحاولة معالجة تلك الأسباب، من خلال خلق الأجواء والظروف الإيجابية التي نفتقر اليها، والقضاء على السلبية منها.
وإذا حاولنا البحث عن الأسباب التي أدت الى ذلك التردي العميق؛ نجدها تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: ضعف الوازع الديني:
وفي نظري هو من أهم الأسباب، فالوازع الديني هو ما يدعو الإنسان الى الإلتزام بالتعاليم الربانية، حتى في غياب الرقابة عليه، وهو ما كان سبباً في صلاح العديد من المفكرين والأئمة عبر التاريخ. فما الذي يدفع الإنسان الى الصوم مثلاً وتكبّد مشقة الجوع والعطش، وبإمكانه الأكل والشرب دون أن يعلم به أحد غير الوازع الديني؟ وما الذي يمنع الإنسان من السرقة أو التطاول على الحُرمات غير الوازع الديني؟ وما الذي يدفعه الى الإلتزام بالصلاة وقراءة القرآن غيره؟
يتمثل الوازع الديني من خلال إستحضار عظمة الخالق عز وجل، والخوف منه وخشيته، وعبادته حق العبادة، وطلب التوفيق منه.
ويتحقق الوازع الديني من خلال الدفع بالأبناء الى الأجواء الإيمانية المتمثلة في المساجد ودور تحفيظ القرآن، أو شرح بعض الآيات لهم في المنزل يومياً، أو قراءة حديث نبوي وتدارسه معهم بشكل شبه يومي، والتأكيد على المبادئ الدينية الرفيعة.
ثانياً: ضعف الدور الأسري:
طالما أكدنا بأن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وإذا صلُحت؛ صلُح المجتمع كله، ويترتب على فسدها؛ فساد المجتمع بالكامل.
للأسف ضعُف اليوم التواصل بين أفراد الأسرة، وإقتصر على بعض الأحاديث البسيطة فقط، فالوالدان يهتمان بالدراسة والتحصيل العلمي فقط، ويتناسيان دورهما المهم في توجيه الأولاد نحو جادة الصواب، ويهملان الجوانب الأخلاقية والدينية في التربية.
فربما يكون مجلس ديني يجمعك بأطفالك اسبوعياً؛ سبباً في صلاحهم وتقواهم، وربما تكون محادثة بسيطة في السيارة خلال الطريق الى المدرسة سبباً في نزع فكرة سلبية من رؤوسهم، وإستبدالها بأخرى إيجابية، وربما نقاش بسيط بين الأم وأبنتها خلال العمل في المنزل سبباً في تغيير تفكير الفتاة، وحسن سلوكها مستقبلاً.
لا يسأل الوالدان عن الصلاة بقدر سؤالهم عن الدراسة، ولا يدفعون الأبناء لصيام النوافل وإغتنام النفحات الإيمانية بقدر إهتمامهم بفترة الإمتحانات. لو أنك أيها المربي تابعت أبناءك خلال شهر رمضان أو عشر ذي الحجة في صلاتهم وصيامهم كما تتابعهم خلال فترة الإمتحانات؛ لأخرجت الى المجتمع جيلاً صالحاً.
كما إقتصر دور الأب على الرعاية فقط، فإعتقد أن وظيفته تتمثل في تأمين المأكل والملبس فقط، وهو ما يفعله الإنسان لحيوان أليف إقتناه، وترك وظيفته الأهم في التربية والتوجيه للأم أو المدرسة أو المجتمع، وترك الأولاد عُرضة لإكتساب العادات السلبية التي تملأ المجتمعات اليوم.
كما أهملت الأم دورها في التوجيه والتربية والرقابة، فهي بصبحة الأولاد في المنزل طوال اليوم، ولكنهم في غرفهم الخاصة وراء الأبواب المقفلة، يعبثون بهواتفهم، ويتواصلون مع الغرباء دون حسيب أو رقيب.
وكنت قد أشرت في مقال سابق “إدمان مبكّر” الى ضرورة مراقبة هواتف الأطفال، ووضّحت الطريقة المناسبة لذلك، والتخلّف عن ذلك الدور قد يؤدي الى إنحراف الأطفال تدريجياً، الى أن يصلوا الى نقطة اللاعودة الى طرق الصلاح.
ثالثاً: غياب القدوة
القدوة حاضرة في أيامنا هذه، ولكنها للأسف قدوة سلبية، فبعد أن إقتدى من قبلنا بالصحابة والتابعين والفاتحين والأبطال، أو بأحد الأقرباء الصالحين أو الوالدين؛ أصبحت القدوة اليوم تتمثل في أحد الفنانين أو الفنانات، ودرجوا على تقليدهم في الملبس والشكل والتصرفات.
ويتمثل دور الأسرة والمجتمع بكشف حقيقة هؤلاء لجيل الشباب، وكشف الجوانب السلبية الكثيرة في حياتهم، وألا يغرهم أضواء المسرح والمعجبين والمعجبات الذين يتهافتون عليهم، وفشلهم الذريع في تربية أولادهم، أو في تكوين أسرة أو في إكتساب محبة الناس من حولهم، فعلى الرغم من النجاح الزائف والسعادة الكاذبة والغنى المؤقت، هنالك الكثير من الفشل والبؤس في حياتهم، قد تدفع بعضهم الى الإدمان والإكتئاب والإنتحار، وعلينا كشف ذلك لأبنائنا، وتحذيرهم من السير على خطاهم.
وعلى الجانب الآخر؛ لا بد من تذكير الأبناء بالعديد من الصحابة والتابعين والأبطال والناجحين، وتدارس سيرهم، وضرورة الإلتفات الى تفاصيل حياتهم وكيفية نجاحهم، وإتخاذ بعضهم قدوة صالحة.
رابعاً: تحسين الرقابة المجتمعية.
لقد كان للمجتمع دور كبير وفعّال في الماضي، فيجد الأب نفسه مسؤولاً عن صلاح أهله وأسرته وأقاربه وأبناء جيرانه، وزملاءه في العمل، أما اليوم؛ فيكتفي الواحد منهم بنفسه فقط، ولا يتكبد عناء صلاح الآخرين.
لقد كان للعائلة والعشيرة دور كبير في صلاح أبناءهم، بل ويتابعون تصرفاتهم، يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويتبادلون النصائح فيما بينهم. ولكن غابت للأسف تلك العادات الحميدة، وأصبح اليوم الجار لا يعرف جاره، ولا يلتفت الى حال أبناءه من الأساس.
ولكن الخطر الأكبر يكمن في أن فساد أبناء جيرانك قد يكون سبباً في فساد أبناءك أنت، فهم يرافقونهم في المدرسة أو الحي، ويتأثرون بشكل كبير بتصرفاتهم، وسيقودونهم الى ذات طريقهم، إن كان خيراً فأحمد الله، وإن كان شراً؛ فجزء من اللوم يقع عليك.
تخيل أن يتعاون الجيران فيما بينهم لصلاح أبناءهم، يدفعون أبناءهم الى مرافقة الصالحين والإقتداء بهم، والإبتعاد عن الطالحين وأصحاب العادات السيئة والنفور منهم، عندها سيصنعون جواً إيجابياً مناسباً للأطفال، يحافظون فيه على أخلاقهم الحسنة، ويجنبونهم العادات السيئة وأصحابها.
إذا ذكر جارك عيوب أحد أبناءك أو تصرف سلبي له؛ لا تنهره أو تنفر منه، بل حاول أن تتقبل النصيحة، وتأخذها بعين الإعتبار، وبدل أن تلوم جارك على التدخل في حياتك وحياة أسرتك؛ إعمل على إصلاح الخلل في أخلاق ابناءك، فربما يكون ناصحاً أميناً.
يجب أن تتأكد بأن صلاح أبناءك وحسن أخلاقهم؛ لن يتوفر إلا من خلال إيجاد بيئة حسنة طيبة، فيجب عليك أن تمد يد العون الى الجيران والأهل والأصحاب والزملاء، وأن تتعاونوا فيما بينكم لتحقيق الهدف الكبير المتمثل بصلاح أبناءكم جميعاً.
خامساً: تشديد رقابة الدولة.
يقع على الدولة مسؤولية كبيرة في هذا المجال، تتلخص في الرقابة على وسائل الإعلام المختلفة، كالتلفاز والإذاعة والصحف ووسائل التواصل الإجتماعي، وألا تسمح لمجموعة من الفاشلين التافهين في تصدر الشاشات وصفحات الجرائد، والبرامج التلفزيونية والإذاعية.
لا بد من المراجعة الأخلاقية لجميع البرامج والمسلسلات والأفلام، والتأكد من إلتزامها بتعاليم الدين الحنيف، والعادات والتقاليد المجتمعية، ولسنا بحاجة الى الإعتراض على مسلسل أو فيلم أو برنامج ليتم وقف عرضه على الشاشات، بل لا بد من إتخاذ الدولة خطوات جادة في هذا المجال لمنع عرضه أو تصويره من الأساس..
تسعى الكثير من المحطات التلفزيونية، وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي الى جني الأرباح من خلال زيادة المشاهدات والدعايات والإعلانات، وذلك من خلال لجوؤهم الى مواضيع متطرفة، وشخصيات جدلية، وحوارات ساخنة، وإيحاءات جنسية، وهنا يكمن دور الدولة في وقف تلك المهازل ومنعها والإعتراض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن إخراجها للمجتمع.
الأفلام والمسلسلات تخضع للرقابة، في الماضي كانت رقابة أخلاقية، تمنع المشاهد الساخنة والقبلات والأحضان، ولكنها اليوم أصبحت سياسية، تهدف الى عدم التعرض للشخصيات أو الإشارة الى فسادهم، وتغاضت للأسف عن الكثير من الإباحية والشذوذ والإيحاءات الجنسية، التي تثير غرائز الشباب، وتتسبب في إنحرافهم، لدرجة تصريح أحد الفنانين الى ضرورة زيادة المشاهد الساخنة في الأفلام، لدفع الناس الى مشاهدتها والإقبال عليها، وبالتالي جني المزيد من الأرباح، على حساب فساد أخلاق جيل بأكمله.
بإمكان الدولة إحكام رقابتها الأخلاقية على الأفلام والمسلسلات، وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي؛ فكما نعرف جميعاً بأنها قادرة على التوصل الى شخص أساء الى أحد المسؤولين في منشور عبر شبكات التواصل، وملاحقته أمنياً وقضائياً، وبالتالي فهي لديها من الإمكانيات ما يؤهلها الى المراقبة الأخلاقية، وتبقى لديها الشروع في ذلك.
إذا قصّرت الدولة في دورها الرقابي، لا بد أن ننشط نحن في الدفاع عن مستقبل أبناءنا وصلاحهم، من خلال إيصال اصواتنا للمسؤولين بضرورة تشديد الرقابة الأخلاقية، وعدم المتاجرة في مستقبل أولادنا على حساب الأرباح التي تتدفق الى جيوب المنتجين والمخرجين لتلك البرامج والمسلسلات والأفلام، والعمل على إنذار وإغلاق القنوات والصفحات التي تتجاوز الحدود الأخلاقية للدين والعادات المجتمعية.
وإذا فشلت جميع الجهود السابقة في تشديد الرقابة، وخذلنا المسؤولون عنها؛ نعود الى المربع الأول في ضرورة الرقابة الأسرية على ما يشاهده الأبناء عبر التلفاز، أو من خلال برامج اليوتيوب او صفحات التواصل، من خلال برامج الرقابة الأسرية التي أشرت لها سابقاً، أو من خلال المتابعة المباشرة لما يشاهدونه، والجلوس معهم خلال فترات المشاهدة، وتحذيرهم من بعض الممثلين والمشاهير المنحرفين.