على حماس تغيير قواعد اللعبة لتخرج من الشرَِك إلى التحرير

على #حماس #تغيير #قواعد_اللعبة لتخرج من الشرَِك إلى التحرير

#فؤاد_البطاينة

رغم أن الطوفان غيّر المزاج العالمي كله وأحدث تغييرات في المواقف والمفاهيم السياسية للشعوب إزاء الصهيونية وكيانها، وجعل من فظائعها في غزة معياراً للشعوب في التفريق بين الخير والشر، والجيد والسيء، وأسقط دور الضحية عن اليهود وأعطاه للفلسطينيين، إلا أن هذا التغيير لم يطال صانعيه. ففي حين استجاب له العدو بمشروع خبيث، لا نرى مشروعا مقابلاً أو جاهزاً لما بعد الحرب. وما لم تجنح المقاومة الى التغيير فإنها ستدمل كل النتائج السياسية المترتبة على النصر العسكري الإعجازي، وتدمل على الأخص الزخم العالمي المناصر للحق الفلسطيني والرافض والمجرِّم لكيان الإحتلال، في رمال غزة.
فالعدو الهاجم علناً على الشعب الفلسطيني وقضيته، وعلى كل قيم السماء والأرض، ومحوره “أمريكا والكيان ودولة عربية خليجية ” أتحفظ كعربي وكمسلم على طبيعة وجودها، أقول عندما قام بوقف حربه المفتوحة واستبدالها بحرب بالقطعة، فإنه تبنى مشروع استثمار هذا الوقت في التآمر والضغوطات لتحقيق هدفه في القضاء على المقاومة وتصفية القضية بعد أن عجزت آلته العسكرية عن ذلك. فهو الآن يتصرف كالمنتصر ويتحدث الأمريكي “منفرداً” باسم الكيان بمجالس حكم ومجالس استقرار وقوات دولية ويخاطب المقاومة بفوقية، وهو يعلم بأن هذا ليس من جنس النتائج ولا ارضية له في غزة. وهنا تكمن الخطورة فيما إذا جنحت المقاومة أو قيادتها السياسية الى حصر نفسها باستراتيجية التعامل مع سلوك العدو هذا ومشروعه التصفوي بمنطق التطنيش والدفاع وردود الفعل الباهتة، وكأنها في أزمة، بدلاً عن صنع الفعل والانقلاب على سلوكيات هذا العدو ومشروعه.

من الواضح أن العدو يُغير لعبته للظفر بهدفه ويحاول فرضها على المقاومة، بينما أن تعامل المقاومة مع هذه اللعبة يجافي الحكمة، ولا بد من الرد الحكيم بتغيير قواعد لعبتها بفعل يدمل فعله ويحاكي عقول ومفاهيم العالم وجماهيره ويصيب جذر المشكلة، ويفرضه على العدو لإفشاله والوصول الى الهدف. وذلك بأن تطرح مشروعها المقابل بلا تأخير من منظور نتائج الحرب التي يحاول العدو اختطافها. فهذا الظرف سياسي ترتب على وقف أعظم حرب في التاريخ وقعت بين الكفر والإيمان وبين الظلم والعدل دون أفق سياسي. ونريد للقضية الفلسطينية وللمقاومة ودماء مئات ألوف الشهداء الفلسطينيين أن يكونوا هم التالي، وليس تآمر العرب والمتأسلمين ولا الصهيونية اليهودية، شيطان الإنس ومخططه.
ولا بد لمثل هذا المشروع أن يأخذ بعين الاعتبار الأرضية التي تقف عليها القضية الفلسطينية الآن كمحصلة لتفاعلها مائة عام. وهي أنه (باستثناء أقل من عدد اصابع اليد الواحدة) نجد كل انظمة وحكومات العالم ومنظمة الأمم المتحدة كأكبر منظمة حكومية دولية وأمانتها العامة والدول العربية والإسلامية والشارع العالمي بمثقفيه، كلهم يعلمون بأن اسرائيل قامت على احتلال وطن، ولكن ليس فيهم من يطعن بشرعية هذا الإحتلال أو يقف مع إزالة كيانه. **
إلّا أنهم وبالمقابل كلهم يعترفون رسمياً بأن الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان أراض محتلة في عام 67 ولا يفعلون شيئا لإزالة الإحتلال، أو بموجب الميثاق رغم أن الفصل السابع كتب لمثل هذه الحالة. بمعنى أن العالم يريد للفلسطينيين البقاء في الضفة والقطاع لكنه لن يكون مستعداً لمنع الكيان من ضم وبسط سيادته عليهما. والنتيجة المستخلصة من هذه المعادلة هي أن هذا العالم المتعب يتقبل ويدعم أي حل لا يتضمن طرد اليهود أو الفلسطينيين من فلسطين.

وفي هذا، ولهذا كان حل الدولتين هو المطروح الوحيد، رغم أن الكل يعلم باستحالة دولتين على أرض فلسطين كونهما وليدين لقضيتين متناقضتين هما قضية احتلال لوطن وشعبه، وقضية مشرورع صهيوني متمدد. ولو وافق أو أجبر الطرفان اسرائيل والفلسطينيين على حل الدولتين جدلاً، فلا يُمكن لهذا الحل أن يؤدي لسلام واستقرار. وكل الذين ينادون بحل الدولتين يدركون بأنه حل اللا حل ومأزوم، وهاجسهم هو من قبيل العجز والهروب من العجز، أو التآمر لمنح الكيان فرصة التهويد. وقد فصّلت عبثية هذا الحل في مقال سابق.
أما المشروع المقترح، فمن المفترض أن تتبناه وتطرحه المقاومة الفلسطينية بعد التشاور، على العالم، تعبر فيه عن حضور القضية، وحضورها كمقاومة هادفة تمثل نبض الشعب الفلسطيني. على أن يكون بمواصفات تجتمع فيه كل الظروف السلبية المزمنة والإيجابية الجديدة لتشكل فرصة تاريخية سانحة تفتح جبهة مع العدو وسعها العالم تلحق بنتائج الطوفان لتحرير فلسطين كاملة ويهيئ الظرف الواقعي لتنفيذ حق العودة. وتُسعف به الشارع الجماهيري العالمي وتعطيه الحجة الدامغة لاستمرار مسيرته، مشروع تهيأت له ظروفه ولا يستطيع عدو رفضه ولا يتخلف صديق عن دعمه، يربك العدو ومخططاته ويجعل من القضية الفلسطينية قضية العالم كله. ولقد سبق وطرحته وأطرحه الآن بطريقة محدثة بظرف تبدو فيه المقاومة تاركة زمام المبادرة لغيرها. وأرى هذا المشروع في ان تخرج المقاومة من علِ، على ركام العز في غزة ببيان سياسي وتوضيحي للعالم بالإحتلال، تجنح فيه لطرح القضية الفلسطينية كقضية مواجهة مع نظام فصل عنصري يجب استئصاله برمته وبكل متعلقاته لصالح دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة”.
واخيراً، نتساءل سوياً، إذا تعذر الوصول الى الهدف بالخط المستقيم أو كان صعبا، وكان هناك خط منحني أو ملتوي متوفراً وآمناً يصله، فلم لا؟ لتتفضل المقاومة بوضع كل ما ذكر اعلاه من واقع نشهده على الأرض وحقائق او عناصر كالمسلمات، في بوتقة كمقدمة لمعادلة منطقية أو علمية وتناقشها، فإن كانت النتيجة صالحة وممكنة لتحقيق سلامة المسيرة والوصول للهدف، فلتفعل، وإن كان لديها بديل ممكن وأفضل للوصول الى الهدف لتفعل وتخرج من حالة السكون.
كاتب عربي اردني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى