السياسة الأمريكية عام 2018 / كمال الزغول

السياسة الأمريكية عام 2018 من فوضى الشخوص الى مرحلة النهوض المؤسسي

بعد فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وتولّي مسؤولياته داخل البيت الأبيض في 20 يناير 2017، أصبحت الولايات المتحدة في نقطة تحول سياسي في المسائل المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية، حيث بدأ الرئيس في تبني نوع من السياسة على أساس الوعود التي قدمها خلال حملته الانتخابية، وبالتأكيد، فإن هذا النوع من السياسة يعطي مؤشرا واضحاً على غياب القرار المؤسسي الذي كانت الولايات المتحدة تتبناه خلال العقود الماضية. بعد تنصيب الرئيس، بدأت المصالح الشخصية في الحفاظ على وجودها في بلد مثل أمريكا التي طالما تغنت بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ومن أجل أن يكون قادراً على إدارة وتوجيه الملفات السياسية الأمريكية، عين دونالد ترامب جنرالات خدموا في مناطق النزاعات في جميع أنحاء العالم لمساعدته على القيام بعمله ولأنه لم يكن لديه تجارب في الجيش ولم يخدم في المواقع السياسية الحساسة قام بتعيين الجنرال جيمس ماتيس كوزير للدفاع، والجنرال مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي ،الذي بدوره استقال من منصبه فيما بعد، ليتم تعيين الفريق هيربيرت ريموند ماكماستر بدلاً منه. ومن الواضح أن سياسة التعويض المعرفي بدأت في اليوم الذي افتتح فيه دونالد ترامب البيت الابيض. و مع ذلك، لم يحدد ترامب رؤية سياسية واضحة مما أسهم في ايجاد نقاط ضعف داخل وحدة القيادة الامريكية.
الفوضى الاستراتيجية التي تبنتها امريكا في العقد الأخيرأطالت عمر الصراعات في الشرق الاوسط، واوجدت حواضن لصراعات اخرى ، حيث اثبتت تلك الفوضى وجود جمهور خفي من المليشيات والحركات يعمل بضوء سياسي للدول العظمى والذي اضعف عملية السلام وبانت هشاشتها عندما تم اصدار اوامر تنفيذية بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس والذي بدوره يسهم في سحب الدور الامريكي من رعاية عملية السلام لأنها تساند تشكيل دولة طائفية في المحيط العربي ،وبلا شك ان ذلك سيعزز عودة المنطقة الى الراديكالية المتشددة بناءً على النية الطائفية الدينية لليهود في اعتماد يهودية الدولة.
ولكي نُبدد مخاوف الإقليم والعالم من هذه الفوضى، يجب ان لا نحلل سياسة أمريكا على اساس شخصية الرئيس ترامب، وهنا تجدر الاشارة الى اعتماد الوضع المستقبلي للسياسة الأمريكية في عام 2018 ومحاولة قراءة نهوض القرار في النظام السياسي الأمريكي لأثبات نقاط التحول المستقبلية في ادارة الحكومة الفدرالية الأمريكية ، وتاليا التقديرات السياسية التي تُنبيء بالسياسات الأمريكية خلال العقد القادم وذلك اذا تم استغلال الاحداث من قبل الديمقراطيين بتوعية الشعب الأمريكي بالشكل المناسب:
اولا:يوم الثلاثاء بعد أول يوم اثنين من شهر نوفمبر من عام 2018، سيشهد انتخابات منتصف الفترة الرئاسية والتي ستشمل انتخابات مجلس النواب وانتخابات ثلث مجلس الأعيان بالاضافة الى انتخابات استثنائية لبعض حكام الولايات و مئات المقاعد التشريعية والمعيّنة في المكاتب المحلية داخل هذه الولايات مما سيسهم في تغيير المنحنى التوافقي السياسي لأغلبية الجمهوريين في الكونغرس وداخل الولايات.
ثانيا: انتخابات منتصف الفترة الرئاسية ستحدد السياسة الأمريكية لمدة عشر سنوات على الأقل لأن من يفُز من حكام الولايات ومن الأعيان في هذه الانتخابات سيخدم أربع سنوات و حتماً سيكون مؤثراً في هذه الفترة في نوعية السياسة المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثا: بعد اربع سنوات من خدمة الفائزين وصولا لعام 2022، هؤلاء الفائزون سيكونون قد شاركوا في اعادة رسم الخارطة الانتخابية في مدن الولايات بناء على توسّعِها وزيادة عدد السكان، وذلك لزيادة نسبة التمثيل في المدن والولايات ، هذه الخارطة الانتخابية ينتهي مفعولها كل عشر سنوات حسب النظام الداخلي الأمريكي، مما يعني ان سياسة وتأثير الفائزين ستستمر لغاية 2030 على الأقل.
كمحصلة لكل هذه المعطيات ، وخاصة بعد صدور كتاب ” النار والغضب ” للكاتب مايكل وولف عن الرئيس الأمريكي الحالي ترامب ودائرته الضيقة، والذي سيؤثر سلبا على شعبية الجمهوريين في انتخابات منتصف الفترة الرئاسية والتي ستجري في نوفمبر عام 2018، يصبح لدينا تصور عن حجم خسارة الجمهوريين في هذه الانتخابات اذا قام الديمقراطيون بدورهم المناسب في تغطية وتقييم اداء الرئيس ترامب واقناع الشعب الامريكي بضعف سياسته ضمن استفتاءات موثقة ، لكي يحصدوا معظم المقاعد في هذه الانتخابات ليصبحوا هم الأغلبية في الكونغرس، ليقولوا للعالم جملة واحدة: “المؤسسات هي من تقرر وليس شخص الرئيس الامريكي” وعليه ستنتقل امريكا من مرحلة فوضى الشخوص والمصالح الشخصية الى مرحلة النهوض المؤسسي بالقرارات اعتماداً على ما ستؤول اليه الأمور بين الحاكم والمحكوم، ولا أعتقد ان الديمقراطيين سيتركون هذه الفرصة بالاضافة الى شريحة كبرى من المجتمع الأمريكي المحبط سياسيا!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى