علامات المدرسة ليست مقياسا للنجاح والفشل / شروق طومار

علامات المدرسة ليست مقياسا للنجاح والفشل

شروق جعفر طومار

ما يزال معظمنا ينظر إلى علامات أبنائه في امتحانات المدرسة على أنها المؤشر الأول وأحيانا الوحيد لنجاح أبنائه أو فشلهم في الدراسة، ويشعر كثيرون بالخيبة حال تحصيل أبنائهم علامات سيئة في إحدى المواد أو بعضها.
وفي أحيان كثيرة ينقلب شعور الخيبة إلى إحساس بالتقصير والذنب تجاه الأبناء، ويتطور الأمر لدى البعض إلى تأنيب الأطفال الذين لم يتجاوزوا سنوات عمرهم الأولى على إخفاقهم، ما يؤدي إلى عزلتهم وإحساسهم بالاكتئاب وقتل أي مواهب أو جوانب إبداعية قد تتوفر لديهم في نواح أخرى.
المشكلة أن هذه الثقافة ليست محصورة لدى أولياء الأمور فقط، بل إنها للأسف الشديد موجودة لدى الكثير من المعلمين، ويزيد من تكريسها النظام التعليمي الذي ما يزال يعتمد علامات الطلبة في الامتحانات كأسلوب وحيد لتقييمهم.
نظامنا التعليمي لم يستطع حتى اليوم تبني آلية للتقييم تؤدي إلى فرز الطلبة وفقا لمستوياتهم وقدراتهم المختلفة، ومحاكاة ذكاءاتهم المتعددة وتحفيزها، واكتشاف المواهب الفردية وزوايا التميز الخاصة لدى كل طفل ليتم بعد ذلك تطويرها وتوجيهها والبناء عليها.
التاريخ يتضمن الكثير من الشواهد التي تثبت أن التفوق في الدراسة ليس الأساس الوحيد لإبداع الأفراد. فالعديد من العلماء والعظماء والمشاهير كانوا فاشلين في دروسهم المدرسية لكنهم استطاعوا تعويض ذلك بالاعتماد على نقاط القوة الفردية التي يمتلكونها وتمكنوا من تحقيق انجازات فذة خدمت البشرية وما يزال العالم يعتمد عليها حتى اليوم.
يؤكد علماء النفس وخبراء التربية على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيا لدى كل فرد، ويشبه البعض عملية التعلم لدى كل طفل بـ “بصمة الإصبع” في إشارة إلى أن لكل طفل أسلوبا متفردا في التعلم والتقبل، ومجالا يختلف عن غيره في التميز والابداع.
هذه الأمور تهملها للأسف الامتحانات التقليدية لدينا المعتمدة في أغلبها على تفريغ نصوص يحفظها الطالب، أو القيام ببعض العمليات الحسابية، وبالتالي فإن عدم قدرة الطالب على تحصيل علامات مرتفعة في مادة أو أكثر لا يعني فشله، أو فشل الوالدين في تقديم المساعدة اللازمة له، وإنما هو فشل الامتحانات نفسها في تقييم القدرات المختلفة لدى الأطفال.
على الآباء والأمهات إدراك ذلك جيدا وإبقاؤه في الاعتبار عند التعامل مع أبنائهم، ولكن بالتأكيد ينبغي الحذر من أن يؤدي ذلك إلى خلق حالة من عدم الاكتراث لدى الطفل نتيجة فقدان الثقة بآلية التقييم.
في الوقت نفسه، يجب الانتباه جيدا إلى تحذيرات التربويين من معاقبة الطفل أو تأنيبه حال إخفاقه في الامتحانات المدرسية، فحصول الطفل على علامة متدنية هو عقاب بحد ذاته، ويمكن أن يؤثر سلبا على ثقة الطفل بنفسه، ومن الممكن لذلك الأثر أن يلازم الفرد طيلة حياته إذا لم يتم تعزيز ثقة الطفل بنفسه، والتأكيد له أنه مبدع ومتميز عن أقرانه في نواح أخرى لا يستطيع كثيرون مجاراته بها.
يجب على الآباء والمدرسين أن يبحثوا دائما عن جوانب التميز والإبداع لدى الأطفال، وتطويرها ضمن الإمكانيات المتاحة، والاهتمام بتعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال بتشجيعهم ومدحهم على أي تميز يحققونه، وأن يتشبع الآباء والمدرسون بفكرة أن النجاح الفعلي للفرد ليس مرتهنا فقط بعلاماته المدرسية.
نحتاج حقا إلى تغيير جذري في ثقافتنا وفهمنا لهذا الأمر، فالنظرة الضيقة التي حددت طريقتنا في التعامل مع أبنائنا على أساس علاماتهم في امتحاناتهم المدرسية لسنوات، ربما كانت أحد أهم الأسباب في شح المواهب والأشخاص المبدعين والمتميزين في مجتمعنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى