عروس بقفلة / د . ديمة طهبوب

عروس بقفلة
ما زلت أذكر ذلك الاصرار المحموم من احدى قريباتي ممن لهن علي حق الاحترام والسمع بأن أزيل القفلة بين حاجبي، بالرغم اني لا اراها ظاهرة أو منفرة، لمزيد من الجمال وبتلك الحجة التي تبدو أنها تبيح المحظورات وتحلل كل شيء وهي: أنت عروس!!
لم أكن من جيل التزم بالدين وراثة من أهله، ولا اكتسبه دروشة ولا تجليات روحانية بل أزعم ان كثيرا من بنات جيلي عرفن معنى أن تكوني امرأة مسلمة تحاولين التميز بالتزامك في عصر التحديات والتنازلات والفتاوى التي تشترى وتباع حسب العرض والطلب فأصبح تمثيل الالتزام مهمة ثقيلة ومحببة في نفس الوقت تلزمك بالعلم والتعلم والبحث ثم محاولة تطبيق ذلك بأفضل ما تستطيعين.
زاد التحدي فأحضرت لي قريبتي اراء وفتاوى تجيز ازالة القفلة كدت أقتنع بها لولا اني حاورت نفسي واستفتيت قلبي الذي حاورني محاورة عسيرة جادة فراجعني فيما أعرفه من الأحكام وحدودها والزينة الظاهرة ومقاصدها ثم أخذني على جنب لا يطلع عليه الا الله ليسألني: من خالق الجمال؟ لماذا ولمن تريدين ان تتجملي؟ أليس زارع المحبة ونازعها بين الناس أجمعين والأزواج خصوصا هو الله؟ هل تبتدئين حياتك بشيء فيه شبهة او رأي غريب لم تعتادي عليه؟ أليست التقوى هو التمسك عندما تسول لك نفسك بالتراجع ولو خطوة؟ كان حوارا عسيرا ودخل الهوى ليفاقم المشكلة لولا ان الله سلم وأظنه سبحانه وتعالى بارك ورزقني زوجا لا كأي رجل رحمه الله وزففت اليه عروسا بقفلة!!
كان لا بد من هذه المقدمة الشخصية تقديما لنقاش غريب اشتعل على الفيس بوك في جواز المكياج والزينة الظاهرة للنساء في العلن وما قدمه البعض من اراء محدثة لشيوخ ومفتين يحللون ويأتون بغريب الاراء والمدارس ويستشهدون بها على ان الاصل! وطبعا تقديم هذه الاراء لجيل لا يستند على قاعدة شرعية وقناعة اصيلة وتطبيق مطرد يصبح كارثة وزيادة في اختلال توازنهم المختل اصلا الذي لا يفرق احيانا بين العقل والنقل وبين ما يُعمل فيه العقل وبين ما يعتنق فريضة ايمانا بحكمة المشرع وفضائل التشريع، جيل يظن أن كل شيء خاضع للتساؤل وبعضه يزعم الاخذ بالقراءن وترك السيرة!!
و أرى أن الحسم في نفوس وقلوب النساء بعد معرفة الاحكام تقتضي المصارحة والمكاشفة مع النفس: لماذا أرتدي الحجاب؟ ما الحكمة من مشروعيته؟ ما هي المقاصد منه؟ كيف أريد أن أظهر للناس؟ ما هي الرسائل التي يراها الناظر لي؟ هل أرتديه لأبدو أجمل؟ هل الحجاب لاظهار الجمال ام محاولة تحييده؟ لماذا أضع المساحيق(المكياج) على وجهي؟ تجميلا ام تحسينا ام اخفاء لعيب؟! هل أريد ان يعاملني الناس على أنني أنثى وما يلزمها من صفات الجمال والرقة وغيرها ام اريدهم ان ينظروا الى عقلي ومؤهلاتي؟ هل من ضير أن أكون مرتبة؟ ولكن الترتيب معنى واسع فضفاض لا حد له ويدخل في تعريفه التصور والذوق والرؤية الشخصية وخاضع للمبالغة بلا سقف! فقد تكون النظافة ترتيبا وقد تكون الالوان الاساسية ترتيبا وقد يرى البعض الوان الطيف السبعة ترتيبا!
اذن القضية ليست في ألوان الحجاب ولا شكل الجلباب ولا نوع الزينة فالدين جعل لها شروطا وليس اشكالا وأضاف غلالة من التقوى فوق الاحكام يعرفها اصحاب النفوس الشفافة فجاء في الحديث « البر ما اطمأنت اليه النفس والاثم ما حاك في نفسك» فقد تجد فتوى تحليلية الا أن نفس العزائم فيك تقول دعي هذا لما هو أكرم وانبل ورحم الله من كانوا يتركون ثلاثة أرباع الحلال مخافة ان يقعوا في شيء من الحرام.
القضية ليست في الألوان والاشكال فهذه تختلف بين الدول والمجتمعات والازمان، القضية في النية واتباع الشروط وأخذها بعزيمة التطبيق لا ارتهانا للاهواء وهذه تحتاج الى فحص ومراجعة كلما وقفت أمام المرآة لمطالعة ذلك الوجه الذي خلقه الله في أحسن تقويم، ما لم يصبه حادث، وارتديت ذلك القماش على الرأس والجسد الذي ينبأ عن باطنك ويعرف الناس بظاهرك وهويتك
أما اولئك الذين يجادلون أن العالم بلغ القمر ونحن ما زلنا مختلفين على زينة النساء فيبدو انهم غير مطلعين على التجبيش الذي يحتوش الشباب ويختطفهم الى الرذائل عن طريق التركيز على الجسد وشهواته.
ان الدين وضع المبادىء ليتحقق الصفو والسلام الداخلي والنفسي للرجال والنساء وتستقر القواعد فننطلق على بينة لاكتشاف ايات الله في الكون والتحرر من كل ما يلصقنا بالطين ولكن ما نراه في واقع المجتمع يلزمنا ان نعود الى المربعات الأولى التي يجب ان تثبت حتى نستطيع الانطلاق الى ما بعدها فالعلم كل العلم والتفوق كل التفوق في اتباع شرع الله « ويرى الذين اوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد».
كتبت الشابة جمانة جودت تعليقا على النقاش» مؤلم جدا ان يتوازى تحقيق المرأة المسلمة لذاتها مع عدم التزامها بشرع الله. ما أجمل وأرقى اللواتي يصلن للتأثير والنجاح بدون نتفة كحلة ولا بودرة وجه وهذه ليست متطلبات النجاح ان كان النجاح هو الهدف».
الحرص على الجمال في عين المولى سيجملنا في عين البشر.. فقط لو فقهنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى