
إنعاش الذاكرة
د. هاشم غرايبه
عندما صدر قرار مجلس الأمن بحصار العراق عام 1990 بموجب الفصل السابع، بسبب دخول قوات غازية من العراق لاحتلال الكويت، كان ذلك من المرات النادرة التي يستعمل فيها هذا البند، رغم أنه حدث مثل ذلك الغزو مرات عديدة، ليس آخرها غزو العدو الصهيوني لبنان واحتلاله عاصمتها، ولم ينتصر مجلس الأمن لمبدأ عدم جواز احتلال أراضي الغير إلا في هذه المرة .
ليس من حاجة الى تفسير هذا الحماس غير المسبوق، فعندما يتعلق الأمر بأمتنا العربية الإسلامية، يهب كل أشرار العالم، ويتفق كل المتعادين منهم على النيل منها.
هل العرب أمة شريرة طامعة في نهب خيرات غيرها، مثل قبائل الهون أو المغول، حتى يجتمع عليهم كل الخصوم ويتحالف لصد خطرها الأضداد؟.
هم مسالمون ظلوا يبحثون عن رزقهم في ديارهم، ولم يغزوا في تاريخهم الطويل أمة أخرى، بل ظلوا منعزلين في جزيرتهم، كافّين عن العالم خيرهم وشرهم، مع أن أطرافهم الشمالية (العراق وبلاد الشام)، والجنوبية (اليمن) هي التي ظلت عرضة للغزو من قبل الأمم الطامعة كالإغريق والروم والفرس والأحباش.
فما الذي تغير فيهم حتى أصبح الغرب والشرق يجتمع على الكيد لهم؟.
ما تغير فيهم هو أن الله اختارهم لحمل رسالته الخاتمة الى البشرية، فأصبحوا دعاة الى الدين الذي اراد الله البشر أن يتبعوه، فخرجوا من منعزلهم ليُبلّغوا الأمم الأخرى ما أمرهم الله بتبليغه، ولما لم يكن ليستمع لهم أحد لو لم تحمهم القوة، لذلك كانت تحرسهم الجيوش، والتي لم تكن لتحتل أو تقتل أو تنهب كما تفعل جيوش ذلك الزمان، فما قاتلت إلا من رفض أن يستمع، أومنع الدعاة من إيصال رسالتهم، والدليل هي وصية أبو بكر لأول جيش خرج من المدينة، والتي ما زالت إلى اليوم تمثل أعلى الأخلاقيات العسكرية، والتي لم يلتزم بها غيرهم: “لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”.
ولو أن العرب تخلوا عن ما اختيروا له لما عاداهم الأقوياء، ولما اكترث بهم أحد إن علوا أو تخلفوا، ولبقوا مث العديد من الأمم الهامشية الأخرى في امريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، قانعة بتبعيتها للأمم القوية.
لكن ما كانوا ليعودوا عن هذا الإختيار لأنه رفع قدرهم فأصبحوا معلمين لغيرهم وقادة بدل أن يكونوا أتباعا، لذلك استعدوا كل معادي المنهج الإلهي عليهم، وهم كثر، ورغم عدائهم بعضهم بعضا بسبب تضارب المصالح، إلا أنهم يلتقون من كل الملل والنحل جميعا: الملحدون المعادون لما يجهلون، والكافرون من ذوي الأطماع الخائفون أن يقلص الدين امتيازاتهم، والمؤمنون بعقيدة شركية مريحة لهم لأنها تؤملهم بثواب الله مجانا، ومن غير بذل جهد ولا دفع كلفة، لكن ينقضها الإسلام، لذا يرفضونه…كل هؤلاء لا تجمعهم عقيدة ولا يربطهم غير العداء لهذا المنهج.، لذا تجدهم جميعا يسارعون الى الإنخراط في أية حرب تشن على دار الإسلام.
فرأينا في كل الحروب التي شنت على العراق وأفغانستان والصومال واليمن وليبيا وسوريا، كيف انتظمت دول عديدة في مشارق الأرض ومغاربها في حلف واحد، لم تجتمع قبلا في أية حرب على قطر محدد، ولن تجتمع معا لو كان المستهدف غير إسلامي، وتحت شعار همجي حاقد : سندمر حضارة هذه المنطقة، ونعيدها الى العصر الحجري.
لقد رأينا كيف نسي المعسكر الغربي والشرقي عداءهما المستحكم، وتجاوزت دول المحور والحلفاء ثاراتها التاريخية العميقة، حتى الدول التي يحظر عليها تشكيل جيوش بموجب اتفاقية استسلامها (اليابان وألمانيا)، والدول الإسكندنافية التي تنص دساتيرها على عدم المشاركة في حروب خارج حدودها…جميعها شاركت بقوات ولو رمزية، رغم أنه ليس من حاجة لها ولا لغيرها، فالقوة الأمريكية الطاغية كافية لوحدها لتدمير قارة بأكملها.
هل حدث مثل ذلك في أية حالة أخرى في العالم!؟.
ألا يدفع هذا الأمر من كانوا يتهمون الإسلام بعداء الآخر للتفكير؟.
أليس الأمر الأمر صورة ساطعة للصراع التاريخي بين الحق والباطل!؟.
