عدم الالتِزَام بالفَوترة.. مَوقِف خَطير
سلامة الدرعاوي
مِن الحالات النادرة أن تقوم نقابة أو غُرفة اقتصاديّة أو جمعية بدعوة مُنتسبيها لِعدم تطبيق نظام هو جزء لا يتجزأ من قانون ساريّ المفعول، كما حَدَث في التعميم الذي أصدرته نقابة المحامين لِمُنتسبيها بعدم تنفيذ الالتِزَامَ بنظام الفَوتَرة الذي هو احد ركائز الإصلاح الضريبيّ الذي تم بموجب القانون الأخير، والذي يعد هذا النظام حق أصيل لِكُلّ مواطن يتلقى خدمة من أيّ جهة كانت.
قبل ذلك كان هناك دعوة على شكل بيان صحافيّ صادر عن غرفة تجارة عمّان يطالب الحُكومة بتأجيل العمل بنظام الفَوتَرة الذي بدأ العمل به رسميّاً في الأول من الشهر الجاريّ، لكن دعوة الغرفة لم تلق أيّ أذان صاغية من الحُكومة التي اعتبرتها لا تخرج من إطار الخطاب الشعبويّ، وأنها قد تكون جزء من رد ماء وجه الغرفة التي أوقعت نفسها في الكثير من المواجهات الإعلاميّة مع الحُكومة حول عدد من القضايا والتي خرجت من جميعها خالية الوفاض كما هو الحال في تعويضات تجّار البلد وموقفها بإعادة النظر في قوانين الضَريبة والمستأجرين، وكُلّها جميعا لم تحظى -بيانات الغرفة- بأيّ أذان صاغية من الحُكومة.
لكن موقف نقابة المحامين هذه المرّة صريح بالدعوة إلى عدم الالتِزَام بِنِظام الفَوتَرة، والحقيقة أن النقابة قد تكون أوقعت مُنتسبيها بِورطة كبيرة مع المواطنين الذين هم أول من طالبوا بحقوقهم في استلام فاتورة رسميّة من أيّ جهة يتلقى منها خدمة من جهة، ومشكلة كبيرة مع بين المحامين كأشخاص مع مقدريّ الضَريبة وقت تقديمهم لإقرارهم الضريبيّ في بداية العام المُقبل، فالمحامي لن يستطيع الاستناد إلى تعميم نقابته في عدم إصدار فاتورة، فدائرة الضريبة لا تعترف بذلك التعميم أبداً، وهو ليس له أيّة صفة قانونيّة، ولا يُعتبر أيّ شيء وقت الإقرار الضريبيّ، عندها سيكون القانون هو سيد الموقف، وفي حال عدم تمكّن المحامي من تقديم فواتير سيستحق عليه تطبيق البنود العقابيّة من غرامات وما إلى ذلك.
يرى البعض أن ما قامت به كُلّ من غرفة تجارة عمّان وأن كانت قد رضخت للتعليمات ونظام الفَوتَرة وبعدها نقابة المحامين، يمثل تجاوز على الدور المطلوب من تلك الغرف والنقابات، فالأمر لا يتطلب شعوبيّة في تطبيق القانون، بل يحتاج إلى تفعيل دورهما في زيادة الوعيّ لِمُنتسبيهما وتطوير فهمهم وقدرتهم الإداريّة على التعاطي مع القوانين والأنظمة، أما الدعوة للتأجيل كما حدث من قبل غرفة تجارة عمّان أو بالدعوة لعدم الالتِزَام بنظام الفَوتَرة من قبل المحامين قد يرى فيها البعض على أنها قد تُشكّل جريمة في الدعوة للحث على عدم تطبيق القانون، وهذا يُعرضهما للمساءلة إذا أرادت الدولة تصعيد الأمر معهما.
اغرب شيء في تعميم نقابة المحامين لِمُنتسبيها بعدم الالتِزَام بنظام الفَوتَرة هو انه صادر من النقابة المعنية بتطبيق القانون في الدفاع عن حقوق المواطنين، ويرى البعض أن تعميم النقابة المسؤول عن أنفاذ القانون هو بمثابة عدم الالتِزَام بالقانون مما يطرح التساؤل الشرعيّ أين سيادة القانون!!
جميع دول العالم المُتحضر الذي يرتبط الأردن معه باتفاقيات تعاون اقتصاديّ تخضع تعاملاتها الاقتصاديّة بلا استثناء إلى نظام فَوتَرة، واضح وقانونيّ، ولا يمكن أن تحدث أيّة عملية في أيّ نشاط هُناك دون حصول المستهلك أو المشتريّ على فاتورة مُحاسبيّة حقيقيّة وقانونيّة، تضمن معرفة كاملة بعمليات الشراء، ويستطيع أن يُقدمها إلى أيّ جهة كانت، وتكون مُعتمدة رسميّاً لدى الجهات الرسميّة المُختلفة في تلك الدول.
في الأردن لدينا عمليات تهرّب ضريبيّ واضحة من مُختلف القطاعات، وهذا تشوه واضح، فالتقديرات الأوليّة تُشير إلى أن قيمة التهرّب الضريبيّ في المملكة من مختلف القطاعات يقارب من الـ600 مليون دينار على أقل تقدير، وهذا مبلغ كبير جداً يُعادل عجز الموازنة بعد المُساعدات.
نظام الفَوتَرة الجديد هو احد الوسائل الفاعلة للتهرّب الضريبيّ الذي يُمارس من قطاعات تعتقد نفسها أنها خارج إطار دولة القانون، لا بل أن البعض لا يعترف بحقوق الطرف الآخر في الحصول على فاتورة لقاء الخدمة التي تلقاها، مُستغلاً بذلك ضعف الإطار التشريعيّ الذي يحمي المستهلك بهذا الخصوص، ومُستغلاً كذلك قدرته المعرفيّة في الالتفاف على القانون في التجنب الضريبيّ.
من حق كُلّ مواطن أن يحصل على فاتورة علاجه أو فاتورة توكيله لِمُحامي أو لمهندس أو حتى حصوله على أيّة خِدمة من تاجر وصانع وغيرهم من الفاعلين في الاقتصاد ولديهم أنشطة يتم بموجبها بيع سلع أو خدمة.