عبر من التاريخ

عبر من التاريخ

د. #هاشم_غرايبه

أغلبنا لا يعرف من معلومات عن حيثيات سقوط الأندلس، إلا قصة بكاء “أبو عبدالله الصغير”، وقول أمه له: ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال.
ما حدث قبل ذلك من أحداث، وما أدى الى ذلك،هوالمهم أن نعرفه، لأن فيه عبرة ودروس لما نحن فيه الآن.
السبب الرئيس كان التناحر بين طالبي السلطة على الاستئثار بالحكم، فتراكض هؤلاء الى عقد تحالفات مع الزاحفين على الديار لاجتثاث المسلمين منها، لأجل التخلص من منافسيهم والبقاء في الحكم، بدل التعاون فيما بينهم على العدو الرئيس الواضحة أهدافه بالقضاء على الجميع، مما أدى الى الشرذمة والفرقة، فسهل ذلك الأمور على أعدائهم.
لكن أكثر ما ساعد في الوصول الى النتيجة المؤلمة، هو الرهط من شيوخ السلاطين المحيطين بأبي عبدالله، فقد زين هؤلاء له عقد اتفاقية سلام مع العدو، بحجة حقن دماء المسلمين التي ستهدر لو جرى قتال، وكانت ذريعتهم فقه المصالح ودرأ المفاسد والانتظار لحين اعداد القوة .. وما الى ذلك من مصطلحات تبرر التخاذل عن الجهاد، ولطمأنته الى سلامة مقصدهم، قدموا له مسودة اتفاقية تتعهد فيها أيزابيلا وزوجها، بالحفاظ على حياة المواطنين المسلمين وأملاكهم والمساجد وحرية ممارستهم للعبادة، ولم يغفلوا ادق التفاصيل، فبلغت ثمانين بندا.
وظل أبو عبدالله مترددا، فقالوا إنهم سيطلبون موافقة الملكة وزوجها وقسمهاعلى الإنجيل على الالتزام بكل البنود، وبحضور شهود من ملوك الفرنجة، وبتوقيع البابا وتعهده شخصيا بضمان الالتزام بالاتفاقية.
بعد استسلام غرناطة في الشهر الأول من عام 1492، كان أول ما فعلته “أيزابيلا” هو مراسلتها للبابا ليحلها من قسمها، والذي أجابها فورا، وقال إنه سيدافع عنها عن حنثها بالقسم وسيتحمل عنها الوزر.
عندها ابتدأت أبشع مجازر على خلفية دينية عرفها التاريخ، وتم تصفية كل من كان مسلما، وتخفى الكثيرون هربا بأرواحهم، ولكشفهم نشرت أحقر كذبة بأنه في أول شهر نيسان سيتم تجهيز مراكب لنقل من يريد من المسلمين الهجرة الى المغرب، ولما تجمعوا تم قتلهم جميعا.
وهذه هي أصل كذبة نيسان التي يحتفل بها العالم سنويا بصفاقة متناسيا أنها ذكرى أسوأ جريمة إبادة جماعية.
بالطبع طالما أن الجريمة مارسها أوروبيون، فالتزوير التاريخي الغربي المعتاد يتجاوزها، ولما لا يمكن إنكارها، فتقيد ضد مجهول، وبما أن الضحايا مسلمون، فلا يكلف المؤرخون الغربيون أنفسهم بإدانتها، بل يعتبرونها مجرد حدث مأساوي كالكوارث الطبيعية.
قد يقول البعض ان ذلك من التاريخ الغابر، وقد تغير الأوروبيون بعدها، فأصبحوا ديموقراطيين ويحترمون حقوق الإنسان، لكننا شاهدنا ذلك يتكرر حديثا، فبعد أن سلمت المقاومة الفلسطينية التي نفيت الى لبنان سلاحها، تمت مجازر صبرا وشاتيلا، وسكت عنها الغرب مثلما سكت سابقا على جرائم محاكم التفتيش، دلالة على موافقته الضمنية عليها.
الآن تعلو أصوات هؤلاء المثبطين والمرجفين، الداعين لإخوانهم ومشاكليهم من دعاة التطبيع مع العدو، بالدعوة ذاتها الى الانخراط مع العدو في تحالف يحفظ السلطة لأمراء الطوائف الحاليين، وتسميتهم المعاصرة (الأنظمة العربية).
وهؤلاء هم الامتداد التاريخي للمنافقين في فجر الدعوة الذين كشفهم لنا الله تعالى بقوله: “قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا” [الأحزاب:18].
عندما كسر أبطال المقاومة الإسلامية في #السابع_من_اكتوبر #حاجز_الخوف الذي صنعته الأنظمة لتبرير انبطاحها للعدو وقعودها عن مناجزته، سكت هؤلاء رهبة وخوفا من ردة فعل الجماهير التي اتقدت فيها العزيمة من جديد.
فسكتت تلك الأنظمة مرغمة، ولم تجرؤ على المجاهرة بعدائها للمقاومين، واكتفت بتحريض العدوعليهم في الغرف المغلقة، وانكفأت أفاعيها السامة (المنافقين من القائلين بفقه المصلحة) الى جحورها مؤقتا.
بعد أن فشل العدو بتحقيق مآربه في القضاء على الروح الجهادية في الأمة وفرض الاستسلام عليها، استعاد الاستعانة من جديد بهذه الأفاعي، فأصبحنا نشهد تعالي فحيحها بتقزيم انجازات المجاهدين، ومطالبتهم بالاستجابة الطوعية بتسليم أسلحتهم بذريعة أن ذلك للحفاظ على حياة المدنيين ووصول الطعام لهم.
لكنهم كاذبون وخائنون لدينهم لأنهم يساعدون عمليا في حصارهم وتجويعهم.
وفور تخلي المقاومة عن منهجها الجهادي لن تختلف الوقائع عما حدث في الأندلس، وبعدها في لبنان.
مصداقا لقوله تعالى: “وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً” [النساء:102].

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى