#عاطل عن #الأمل
م. #انس_معابرة
تلقيتُ خلال شهر رمضان الفضيل الكثير من الدعوات للصداقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من محدودية نشاطي خلال الشهر، وعادة ما أقوم بتقليب حساب الشخص، وبعدها أقرر أن أقبل صداقته أو أرفضها، طبقاً لحقيقة حسابه من وهميته، وطبيعة منشوراته؛ أتناسبني أم لا.
ولفت إنتباهي وجود ظاهرة غريبة على مجتمعنا، أدركتها حديثاً؛ ولكن عند بحثي في الموضوع وجدت أن لها جذوراً عميقة، وأنها مستمرة منذ فترة ليست بالبسيطة.
يجلس شاب غالباً ما يكون عاطلاً عن العمل، فاقداً للأمل، الى مكتبه الذي هو عبارة عن سيارته، أو تحت شجرة زيتون على قارعة الطريق، أو في واحدة من غرف منزله، لا ينتبه الى ما يظهر في الكاميرا من حوله، ولا يهتم بترتيب المكان قبل أن يبدأ بالبث والتصوير، يدخن بشغف كبير، وكثيراً ما يختفي وجهه خلف سحائب السجائر التي يمتصها بشدة، وتضيع بعض الأحرف والكلمات في زفيره المصحوب بالأدخنة.
يتناول خلال بثه المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مواضيع كبيرة جداً، لا تتناسب مع تواضع معلوماته غير المصحوبة بالأدلة والبراهين، ولغته الركيكة التي يضطر معها الى تناول تلك الموضوعات باللهجة العامية، لعدم قدرته على إتقان اللغة العربية الفصحى، وأسلوبه الذي يفتقر الى اللباقة.
تدور أغلب تلك الموضوعات حول الفساد والفاسدين، ولا تخلو من الحقائق أحياناً والشائعات أحياناً أخرى، وفيها الكثير من الطعن والذم لشخصيات وطنية معروفة، بالإضافة الى توجيه الإهانات المباشرة الى بعض الشخصيات الأخرى.
نحن نتفق جميعاً أن الإصلاح ضرورة، وأن الفساد قد بلغ مرتبة كبيرة لم يسبق لها مثيل، على الرغم من المطالبات بالشفافية، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وربما قد أكون أنا أو أنت قد كنّا من ضحايا الفساد في مرحلة ما من مراحل حياتنا، لم نحصل على منحة الدراسة التي كنا نستحقها، وحصل عليها غيرنا دون وجه حق، ولم نحصل على العناية الطبية التي يحصل عليها غيرنا بالواسطة، ولم يتاح لنا المنافسة الشريفة في الحصول على وظيفة، أو الإرتقاء في السلم الوظيفي، لأن غيرنا يمتلك الرافعات التي تدفع به الى قمة الهرم الوظيفي مباشرة ودون وجه حق، ولم نحصل على بطاقات الدعم والخصم والإعفاء من الجمارك وفواتير الكهرباء والماء، وتذاكر السفر المجانية، والإصطياف على حساب الشعب، وخاصية المسح التلقائي للمخالفات المرورية وغيرها الكثير.
نعم نحن نتفق على ذلك، ولكن ربما نختلف في الطريقة التي ننتهجها للوصول الى ذلك. إن الطريقة الغوغائية التي يتبعها من أشير اليهم في هذا المقال لا تدفع بعجلة الاقتصاد الى الأمام، ولا تقلل من حجم الفساد بين المسؤولين، ولا تعيد الحقوق الى أصحابها، ولا تضع الفاسدين في مكانهم الصحيح خلف القضبان، بل تلك الطريقة تزيد من سوء الوضع وتدهوره، الى الدرجة التي قد تدفع بأحد القانطين الى الإقدام على الإنتحار، أو إرتكاب جريمة في نفسه أو أهله أو غيرهم.
ربما نجد في التاريخ عبرة؛ في أنَّ جميع التحركات العشوائية المصحوبة بالكلمات الرنانة من أفواه تفتقر الى الخبرة والثقافة والدراية الكاملة بالأحداث، تنتهي الى فشل ذريع، وبالتالي لن يستطيع هؤلاء العاطلون عن العمل والفاقدون للأمل والباحثون عن الشهرة تغيير الحقائق، بل أغلبهم يسعى الى تحقيق الشهرة من خلال التبجح بالكلمات، والتطاول على المسؤولين الشرفاء والفاسدين على حد سواء.
وربما قد حان الوقت لتدخل الأجهزة الأمنية في وضع حد لتلك التُرهات التي يتشدق بها البعض عبر وسائل التواصل، والتي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، بل ربما قد تتسبب بالجرائم كما أسلفت سابقاً، أو أن تتحول الى سجالات في أروقة المحاكم بين الشاتم والمشتوم.