عاطفة الأمومة المميتة (الأرنب) / فايز شبيكات الدعجه

عاطفة الأمومة المميتة
(الأرنب)
مع أنها مجرد حادثة أرنب عابرة كنت قد اقترفتها عن غير قصد منذ عقد ،ولا تستحق كل هذا الوساوس الذي أصابني حسب رأي كثير من أصدقائي ، إلا أنها لا زالت تؤلمني وتلازمني هواجسها ، مسببة لي غصة في النفس اعجز عن وصفها او التخلص منها واردد الى هذا يوم – وانأ احكي قصتها- تبت يدي وتب .
كان عمرها عندما اشتريتها ستة أشهر ،وحالتها الصحية جيدة وغير مصابة بمرض ، وكانت حيويتها عالية وحركتها سريعة، وعينيها صافيتين، وفرائها لامعاً نظيفاً ناعماً متميزاً بالغزارة والكثافة والمتانة ، وكانت من سلالة معروفة على ما يبدو، كان أنفها سليماً وتحت ذقنها خالياً من أنواع الجرب والسعال والرشح وكانت أعضاءها التناسلية خالية من الالتهابات تماماً ، والواقع ان الغاية من شرائها لم تكن لأكل لحمها رغم انها كانت سريعة النمو كبيرة الحجم ، ولا للحصول على الفراء أو الشعر، كما لا ادري لماذا وقعت بتلك النزوة وتلك الرغبة المفاجئة الشديدة والنزعة الغريبة لاقتنائها.
ويضيف صاحب قصة الأرنب قائلا :- ولدت سبعة صبيحة ذات بوم، وتفاجأت برؤية صغارها ، كانوا في غاية لجمال والروعة، وكنت سعيدا جدا.
أخرجت الصغار واحدا تلو الآخر، وكل واحد يخرج من بطنها تقوم بلعقه وتنظيفه من الأغشية لتنشط دورته الدموية، وحتى يعمل جسمه بالكفاءة المطلوبة للعيش، وتفعل هذا مع كل مولود يخرج من بطنها، وأخذت فترة الولادة ما بين عشرة دقائق الى خمسة عشر دقيقة.
وقبيل الولادة وبعدها مباشرة نتفت بعض الشعر من جسمها، لتقوم بفرشة تحت الصغار وتغطيتهم وتدفئتهم جيدا، ومن ثم رأيتها تخرج من قفصها لشرب المياه، وبعدها ترجع وتجلس على أرضية القفص لتتفرج على صغارها وترضعهم ، وتأخذ فترة راحة من متاعب عملية الولادة.
عندما ولد الصغار كانت أجسامهم بلا شعر، و عيونهم مغلقة، ونشطوا من اليوم الأول وكثرت حركتهم ، وبعد أيام تفتحت عيونهم وظهر بعض الشعر على أجسادهم .
سحقا لنفسي مالي ومال الحيوانات ، لم اكن يوما هاويا لتربيتها ولا يهمني وجودها أو اقتنائها .ومرة أخرى أقول كيف ولماذا اشتريت ذاك الأرنب التعيس من السوق وأحضرته الي البيت، فهذا ما عجزت الإجابة عنه ولا زلت حائرا فيه .
وأضاف الجاني قائلا :- بعد أسبوع من الولادة أخرجتها قبيل الغروب بناء على نصيحة تاجر الأرانب من القفص لتقضي اقل من ساعة ،وأغلقت بإحكام باب القفص على الصغار، لكني نسيت ، وتمتعت بسهرة خارج البيت وعدت في ساعة متأخرة من الليل، وعندما تذكرت في صبيحة اليوم التالي أسرعت الى القفص لأجد الصغار قد ماتوا جميعا وألام تلتصق بشدة بشباك القفص، حاولت بلا جدوى إبعادها، لكن اشتد التصاقها ، تركتها وجمعت جيف الصغار للتخلص منها بعيدا ،وتبعتني بعناد وتحد وإصرار، وفشلت كل محاولاتي لطردها وهي تعاني من الحزن والكمد على صغارها ، ندمت اشد الندم ، أمسكت بها أخيرا وأغلقت عليها القفص ،وتخلصت من الصغار بعيدا ، وعدت إليها وأخرجتها فعادت للالتصاق مرة أخرى و أضربت عن الطعام والشراب ، وبقيت هكذا لأيام وأنا لم اترك وسيلة ولا طريقة الا وقد استخدمتها لحملها على الاكل والشرب ، لكن تدهورت حالتها سريعا وأصبحت ضعيفة هزيلة ، وكانت تبدو كهيكل عظمي وبرزت ضلوعها، وهي لا تزال تنظر في داخل القفص شاخصة بصرها الى حيث كان يرقد صغارها ، وكانت مذهولة جامدة بلا حراك من الهول والفزع ومن شدة الموقف.
واختتم روايته بالقول :- ثم لاحظت أنها أصيبت بما يشبه النعاس .وبرودة الأطراف .وفقدت الوعي، وتباطأ تنفسها ، ودخلت في حالة عصيبة من التعب والإعياء ،واستنفذت طاقة قلبها وأغمضت بصرها ، وارتخى فكها السفلي تلاه ارتخاء كل أعضاء جسمها . وسكن قلبها وتوقفت ضرباته. وأصبح جسمها باردا …ماتت .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى