طلب الخواجا

طلب الخواجا

د. خالد حسين العمري

عندما علم صديقي الإعلامي د. ماجد الخواجا بأننا قد أصبنا كما أصيب مئات الآلاف في وطني بكورونا، اقترح علي أن أكتب مذكرات هذه الأيام، فوجدت نفسي لا أقوى على الكتابة بل وجدت نفسي عازفا حتى عن القراءة، لم أصب أنا ولكن أبنائي وزوجتي أصيبوا، وإصابتهم جاءت على مراحل فهذا ظهرت لديه الأعراض يوم الاثنين وذاك بعده بأيام وهكذا. جاءت نتيجة أول أبنائي في أول أيام الحظر الماضي أي يوم الأربعاء الذي تلا الانتخابات.

يا ماجد فُحص أبنائي الاثنين معا في نفس الزمان والمكان، وظهرت نتيجة الأول قبل ثمانية أيام والآخر ما تزال نتيجته قيد العمل حتى هذه اللحظة، اتصلت بأحد المحتبرات الخاصة ليأتينا للمنزل ولم يستطع القدوم إلا بعد ثلاثة أيام حيث أخذ العينات مني ومن زوجتي وابنتي وظهرت النتيجة بعد حوالي 36 ساعة، فأنظر لرسالة الحكومة والتي تقول “لا تقلق سيتم التواصل معك” وأبكي بلا صوت وبلا دموع ، فكيف لا أقلق وأنا أقرأ كما تقرأون عشرات الوفيات كل يوم، كيف لا أقلق ولم يتواصل أحد معنا!! كيف لا أقلق وإدارة الأزمة ووزارة الصحة بل والحكومة قاطبة تحمّل المواطن وزر ما يحدث والمواطن بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، كيف لا أقلق وقد اتصلت بمديرية صحة الزرقاء سبع وثلاثون مرة بعد المئة ولا أحد يجيب!! كيف لا أقلق والأطباء الذين نتصل بهم تختلف إرشاداتهم باختلاف فهم البروتوكول الصحي من طبيب لآخر!!

يا ماجد عندما تكون هنالك إصابة في البيت فإن الوضع العام له يغدوا على ساق واحدة (مكركب) وكمن يسير في حقل ألغام، فحارتنا ضيقة وبنعرف بعض على رأي المثل فبعد أن تواصلنا نحن عدة مرات مع الرقم 111 أخذوا ينصحونا بنصائح لا يمكن تطبيقها ؛ فإن كان في البيت ثلاثة مصابين فمن أين آتي لكل واحد بغرفة وحمام مستقلين!! من أين لي ليصبح تناول لطعام بصحون ومعالق ذات الاستخدام الواحد! من أين لي بالزنك وقد اختفى من الصيدليات!!

لا أخفيك يا صديقي بأن نوبات هلع كانت تصيبيني وأفكار سوداوية وسلبية كانت تهاجمني، فالناس أيضا لا ترحم يا صديقي، فذاك يخبرك عن وفاة ابن عمه بالكورونا، وهذا يواسيك بوفاة جاره بالكورونا، ويظهر على المحطات الفضائية من يسمون بخبراء صحة لا يعرفون ولا يعون الأثر النفسي لكلماتهم ففي لحظة ذاك يخبرك بأن مريض السكر أو الضغط أو القلب في خطر (وطبعا نصف الشعب مصاب بأمراض مزمنة) فيحطم نفسية كل مريض بالأمراض المزمنة، وهذا (الخبير الآخر) يلعب دور المكاشف والصريح ويخبرنا بأن هنالك ملايين مصابين في الأردن، والأحمق الآخر (أقصد الخبير الآخر) يعتقد بأن الدبلوماسية في الرد على أسئلة الإعلاميين هي المراوغة وعدم الإجابة عن الأسئلة. صديقي ماجد أنا محكوم بالأمل ولدي مناعة نفسية ضد تلك الأفكار المخطوءة ، ولكن كثرة الزن أقوى من السحر كما يقولون، فأتعبونا وأنهكونا بضعف إدارتهم للملف الصحي في وطني الحبيب، ولكن الله ينظر إلينا بعين العطف والشفقة والرحمة ويسترها معنا.

على الجانب الآخر وجدت أن الجلي وتنظيف المنزل والمحافظة على نظافته وترتيبه أمر لا يقوم به إلا الجبابرة فوجدت نفسي أرفع القبعة لنجاة زوجتي التي تحمل على عاتقها تدبير المنزل، ووجدت نفسي أشتهي حضنا دافئا. اشتقت لصغيري عون ابن الثمانية أعوام واشتقت لزناخته ولعبي معه، اشتقت لنورة ابنتي والتي قبلتها تساوي الدنيا وما فيها، اشتقت لأحمد ولريان ، هم أمامي ولكنهم بعيدين عني فلا أقوى على تقبيلهم أو معانقتهم. يا الله كم هي الأشياء الجميلة في حياتنا والتي لا نعرف قيمتها إلا عندما نفقدها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى