#طفل_غزاوي يخاطب #الموت و #الحياة
أخاطب الموت بلهجة صارخة كالسيف، وأقول له: قف مكانك، وخفف من وطأتك، فأنا لم أعد أخشاك ..
نحن هنا، في قلب هذه الأرض المجبولة بالدموع والآلام، لم نعد نخاف الموت، بل صرنا نعيش في أحضانه، لقد تجرعنا من كأس المآسي ما يكفينا لقرون قادمة، وتشربت أرواحنا الأحزان كالصخر الذي لا يلين.. أي حياة، أيها الموت، تلك التي تظن أنك ستسلبها مني، أي حياة هذه التي تتجرأ على سرقتها ؟ بربك، أخبرني!
أنا الطفل الغزاوي.. نحن أطفال غزة
هل عرفنا يومًا طعم الحياة؟ هل سمعنا بنبضاتها يوماً؟
أنا طفلٌ وُلِدت في أتون الحروب، وأبصرت النور لأول مرة وسط دمار وفراق، حيث رحل عني أبي وأمي قبل أن أعانقهما.. نشأت في ظلال حلم عظيم يراودني كل ليلة، حلم بتحرير فلسطين من قيودها، حلم أزرعه في قلبي وأرويه بالدموع، لقد تغذيتُ على حب المقاومة والفداء كما يتغذى الطفل على حليب أمه، وعشت بين جثث الشهداء والركام المتهدم وصوت الصواريخ المتفجر كالرعد.. تجرعت من كأس الألم حتى امتلأ جسدي الصغير بحمل أيوب، وأنا لا أبلغ سوى ١٢ عامًا.
لقد شربت مرارة الحياة وقسوتها كلها في سنٍّ يفترض أن أكون فيه أحلم باللعب والضحك، أنا الذي وُلدت بين لهيب النيران وأصوات الأسلحة التي تشق السكون، وأنا الذي استيقظت أول مرة على هدير دبابة يقودها جندي غاصب، فجرت بها بيت عمي، وسرقت مني أبناء عمومتي.
أنا الطفل الغزاوي، لا أعرف طعم الحياة، لا أعرف سوى الخوف الذي يطاردني كظلّي، خوفٌ من صاروخٍ غادر يأتي من سماء مظلمة، لا أعرف سوى القلق، والارتباك، والتشرد، والنزوح.
أنا الطفل الغزاوي، الذي لا يعرف سوى الموت، عشت بين مشاهد الدماء المتدفقة من حولي، وبين الأنقاض التي كانت ذات يومٍ بيوتاً وأحلاماً.
وأقول للحياة، أين أنتِ يا حياة؟ أين دفنتِ شمسكِ المشرقة؟ فأنا الطفل الذي لم يعرف منكِ سوى الظلام.. لقد تاهت خطواتي في متاهةٍ لا نهاية لها، بحثًا عنكِ، فلم أجدكِ إلا في قصص الأجداد وحكايات الأساطير..
أبحث في عيون الأطفال من حولي عن بريقٍ منكِ، فلا أجد إلا انعكاسًا للحزن في مقلتيهم.. يا حياة، أنتِ لم تزورِ أرضي، ولم تُنيري دربي، بل تركتِنا نصارع الموت في كل لحظة، نتشبث ببقايا أملٍ ضئيلٍ كالغريق الذي يتمسك بقشة.
إذا كنتِ حقيقية، فتعالي، اقتربي، وامسحي عن وجهي غبار اليأس، واغسلي قلبي من رماد الحروب، لعلني أعرف طعمكِ كما يعرفه الآخرون..
لعلني مجدداً أعرف طعم الموت وأعرف حقا كيف اخشاه.