سواليف – ترك الخبر الذي نشر على صعيد واسع، في مختلف أرجاء العالم، عن امرأة ولدت طفلها، داخل تابوتها، بعد وفاتها بعشرة أيام، ونشرنه وسائل اعلام في 21 من الجاري، أصداء تراوحت بين التعجّب والتشكيك والاستغراب وأحياناً عدم التصديق، حسب ما أظهرته تعليقات مختلفة. فيما تم تداول قصص وصفت بالأسطورية، في التاريخ العربي والإسلامي، عن طفل ولدته أمه وهي ميتة، بل إن أباه شخصياً هو من أخرجه من القبر الذي كان يضم رفات أمّه، مثلما ورد في القصة المشار إليها، والتي لا يصدّقها كثير من الناس، بطبيعة الحال، على اعتبار أنها من اللامعقول أو من الأساطير.
وترد قصة هذا الطفل الذي ولدته أمّه وهي ميتة، في كتاب “مَن عاش بعد الموت” للحافظ والمؤلف العربي المعروف بابن أبي الدنيا، والذي ترك للمكتبة العربية والإسلامية عشرات الكتب، ووصل من الشهرة أنه أصبح مؤدباً لأبناء بعض الخلفاء، إلا أن ثمة من يرى بأن المؤلف قد كتب عن قصص رائجة في زمانه، أو في زمان غيره، فنقلها من باب الحث على التزهّد والورع، لا من باب الحدث التاريخي القطعي. وهو الأمر الذي عبّر عنه البعض بأن ما أورده بن أبي الدنيا، هو قصص أسطورية تنتمي إلى اللامعقول، على الرغم من أن اللاشعور الجمعي يتعامل مع تلك الأساطير، أو الخوارق على أنها حقائق.
هؤلاء ممن عادوا إلى الحياة بعد موتهم
وكثيرة هي قصص العودة إلى الحياة، بعد الموت، ومنها ما ينتمي إلى الخيال العلمي، ومنها ما يتّصل بعقائد معينة، ومنها ما روي على ألسنة من علماء العرب والإسلام، ومنها ما كان من المرويات التي تتداولها الناس، فجاء من وقعت عليهم ثقة العلماء، وضمّنوها في كتب، فأصبحت جزءاً من الذاكرة الدينية والأدبية، على حد سواء.
ومن الكتب التي ذكرت قصص بشرٍ عادوا إلى الحياة، من بعد موتهم، كتاب “من عاش بعد الموت” لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد، المعروف بابن أبي الدنيا، والمتوفى سنة 281 للهجرة.
ويسرد المؤلف الذي ولد في بغداد عام 208ه، قصص أشخاص عاشوا، من بعد موتهم، وذلك بالنقل والرواية التي انتهت إليه، فدونها في كتابه الصغير الذي كان مجرد مخطوط إلى جانب كتب كثيرة ألفها وحاز ثقة أهل عصره، فخوطِب بـ”الحافظ”، وقال عنه بن كثير، إنه كان “صدوقاً حافظاً ذا مروءة”.
تناول الطعام مع الحاضرين بعد وفاته
وكان أول من عاش بعد موته، في كتاب بن أبي الدنيا، أحد الشبان الذين مُدّ عليهم الثوب، بعدما تم إغماض عينيه، وقالوا لأمّه: “احتسبيه”. فاستغربت ذلك، كون ابنها قد مات، وانتهى الأمر. فأكدوا لها، ثانية، أن تحتسبه، ففعلت، قائلة: “اللهم إني آمنت بك وهاجرتُ إلى رسولك، فأسألك اللهم أن لا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم”.
فيقول بن أبي الدنيا، إنهم كشفوا الثوب عن وجه الشاب الذي أعلنت وفاته، مؤكداً، بالنقل، أن الشاب قامَ من بعد موته، وتناول الطعام مع من حضر.
ثم يتحدث عن سيدة عجوز “كبيرة، صمّاء، عمياء، مقعدة، ليس لها أحدٌ من الناس”. ويخبر أن ابنها ماتَ وهو “السّاعي” عليها، أي هو الذي يعيلها ويقوم على خدمتها. فقال لها البعض: “احتسبي مصيبتك عند الله”. فسألتهم: “أماتَ ابني؟”.
وبعد أن تأكّد الخبر قالت: “مولاي أرحم بي، ولا يأخذ مني ابني، وأنا صمّاء، عمياء، مقعدة. مولاي أرحم بي من ذاك”.
وينقل صاحب الرواية أن ثمة من قال إن عقل المرأة قد “ذَهب” جرّاء المصيبة التي حلّت بها، بموت ابنها. وبعد أن أحضروا كفناً من السوق، للتحضير لجنازة ولدها، وإذ بابنها “قاعدٌ”، أي أنه عاد إلى الحياة، فجأة.
أول من سفك دماً في الأرض يتحدّث..
وينقل، برواية، عن رجل خرج يطلب الماء، فقام رجلان بإخباره عن مكان يمكن أن يذهب إليه ويجد ضالّته، إلا أنهما أخبراه أيضاً، أن يكون على قَدر ما يمكن أن يشاهده هناك، فهو شديد: “فاستقِ منها، ولا يهولنك ما ترى فيها”.
ولمّا رأى الرجل بيوتاً يهزّها صوت الريح، سأل عنها ما هي؟ فقيل له: “هذه بيوتٌ فيها أرواح الموتى”.
ويقول الرجل إنه ذهب إلى المكان الذي يمكن له أن يستقي منه، فإذ به يرى رجلاً يريد أن يتناول الماء بيده، وهو يعجز عن شربه. فلمّا رآه سأله أن يعينه في الشرب. فلبّى.
ويقول الرجل إنه حاول أن يسقيه، في المرة الأولى، فقبضت يده. ثم كرر محاولة ثانية ليسقيه، فبلّل له العمامة ليرمي بها إليه، فقبضت يده، مجدداً. فاستغرب أن ثمة ما يمنعه من أن يروي ظمأ هذا الرجل الساكن بيتاً تسكنه أرواح موتى. فسأله: “أخبرني، ما أنت؟”. فقال له الرجل: “أنا ابن آدم، أوّل من سفكَ دماً، في الأرض”.
طفل ولدته أمّه.. وهي ميتة!
وينقل بن أبي الدنيا، عن رجل سافر بعدما ترك امرأته، حاملاً. فقال: “أستودع الله ما في بطنك”. ثم يكمل الرجل أنه عاد من سفره، فأخبروه أن زوجته ماتت. لكن شيئاً ما حصل دفع الرجل للذهاب إلى المقبرة إلى دفنت فيها، فحدث ما حدث.
ويقول إنه كان جالساً ذات ليلة، مع أحد أقربائه، وإذ به يرى ضوءاً شبيهاً بضوء السراج، في المقابر. فقال لقريبه: “ما هذا؟”. فأخبره الأخير أنه لا يدري شيئا عن هذا الضوء الذي يخرج من هناك. إلا أن ثمة من قال للرجل إن الناس تشاهد ضوءاً كل ليلة، يخرج من تلك المقبرة. فحمل الرجل فأساً وذهب معه بضعة من القوم، وتوجهوا جميعاً إلى مكان الضوء الذي يخرج ليلاً.
ويقول الرجل إنه دخل المقبرة فرأى قبر زوجته مفتوحاً، وأنه رأى ولده في حجر أمّه! ويقول إنه سمع صوتاً يقول له: “أيها المستودع ربّه خذ وديعتك، إنك لو استودعت أمّه لوجدتها”. ويقول الرجل إنه أخذ الصبي، وذهب.
وكان سبب هذه القصة العجيبة، حسب ما ينقل بن أبي الدنيا، أن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رأى رجلاً يحمل ابنه فوق كتفيه، فقال الفاروق: “ما رأيتُ غراباً بغرابٍ أشبه من هذا بهذا”، قاصداً الرجل وابنه. فقال له الرجل: “أما والله يا أمير المؤمنين، لقد ولدته أُمُّه وهي ميتةٌ”. ثم يروي له القصة السالفة، بعدما سأله الفاروق: “ويحكَ، كيف ذلك؟”.
يذكر أن بن أبي الدنيا، مؤلف الكتاب، وصل من الشهرة أن أصبح مؤدباً لبعض أبناء الخلفاء، واتفقت أغلب روايات المصنفين على أنه ثقةٌ ومن الوعاظ العارفين بأساليب الكلام، وأنه كان عالماً زاهداً كثير العلم.
العربية نت