طباخ الريس / نايف المصاروه

طباخ الريس

طباخ الريس هو فيلم مصري،تشخص احداثه حالة البعد المكاني والوجداني بين بعض الرؤساء والمرؤوسين،والذي واقع يعيش واقعها المواطن العادي،في العالم الثالث بشكل عام ،وفي عالمنا العربي بشكل خاص،بسبب كذب المقربين بوجود أخطار تهدد حياة الرئيس او الحاكم،مما ساهم في خلق تلك الفجوة وإتساعها.
تبدأ أحداث الفيلم،عندما يقوم الرئيس ،بزيارة عملية إلى مقهى شعبي،فيجده خاليا من الزبائن،إلا رجلا كبير السن ضرير البصر ،فيجلس الرئيس بقربه ويحاوره،ليعلم منه عن الكثير من الاحوال السيئة والظاهرة،والتي تجلى أهمها بشدة الجوع التي يعانيها ذلك الرجل الكبير والضرير،فما كان من الرئيس إلى أن اصطحبه،ليتناول معه اﻹفطار عند متولي،الذي يعمل طباخ وبائعا في ذلك الحي الشعبي.
متولي لا يعرف ان زبونه هو الريس،مع انه اظهر وجه الشبه بين ضيفه والريس، فيكثر التأفف بسبب شدة اﻷحوال المعيشية الصعبة وقسوتها،التي يعيشها عامة الناس،ليعلن من خلال الحوار عن محبته اﻷكيده للرئيس ،ورغبته الشديدة في مقابلته،ليشرح له أسباب سوء الاحوال التي يعيشها هو وغيره،والتي منها تسلط كل المستكبرين والمتجبرين الحوازم .
بعد عودة الريس من جولته ،يتم ترشيح متولي ليصبح الطباخ الخاص بالرئيس، وتزداد علاقة الرئيس به، لأنه أصبح ينقل إليه نبض الشارع ، ويستمع منه عن أخبار الشعب واهم المشكلات التي يعانيها ،ليبدأ عهد التصحيح واﻹصلاح،ولكنه لم يلبث طويلا،فيتم الكيد الحازمي ،ﻹقصاء متولي وإبعاده بحجة مرضه زورا وكذبا.
ترى كم في عالمنا الثالث والعربي تحديدا،من عامة الناس من يعرف حقوقه، او يعرف رؤساء سلطاته الدستورية؟
وكم من الراغبين في مقابلة الريس ،للشكوى من سوء سلوك العمال،وطرح رؤى وأفكار لمشاريع مختلفة،يسهل تنفيذها،لو تم ترجمة بعضها حقيقة على أرض الواقع،لكانت سببا في حل كثير من المشكلات التي يعيشها عامة الناس .
حالة البعد والتشويش الواضح، بين الرئيس والمرؤوس سببها،تقوقع بعض الرؤساء عن مواجهة العامة ،إما بسبب السفر ،او بسبب إرتباطات ما يسمى بالبرتوكول،استقبالات الضيوف ووداعهم وغير ذلك .
ومن أسبابها ايضا غياب البطانة الصالحة الناصحة مثل متولي ،ووجود البطانة السيئة والمتنفعة أمثال حازم ، وما أكثر الحوازم المتسللين والمتسلطين والمتنفعين .
ومن أسبابها ايضا تسلط كل من هو على شاكلة حازم،من أصحاب القرار،ابتداء من مدير المدرسة ،مصدر اﻹلهام الفكري،والذي غاب او غيب دورها ،ليقتصر على التلقين،والتصفيق والتملق لبعض الزائرين ،وإنتهاء بالكثيرين من موظفي السلطة العامة.
اﻷمر الذي أدى إلى تعمد التجاهل ،عند بعض المسؤولين لحقيقة واجباتهم الوظيفية،فأصبح مفهوم الوظيفة العامة عند بعضهم ،مصدرا للتكسب والثراء،وتوريث بعض مواقع المسؤولية لذوي القربى او المحاسيب ، يرافق ذلك جهل من قبل بعض العامة ، بالحقوق والواجبات ،وجهل بكيفية السلوك والمنهج الصحيح، للمطالبة بالحقوق الخاصة والعامة ،أو لتحقيق اﻹصلاح الشامل بشكل عام،ويقابلها أيضا جهل بالواجبات من قبل بعض القادة اﻻمنيين ،وتصور شائن لدى البعض منهم، أن المحتج هو عدو للوطن ،بل وصل اﻷمر إلى اﻹشارة باﻹتهام بالخيانة والعمالة ،وهذا فيه بعض حق وأكثره باطل ،مما أدى إلى التنازع والشحناء بين المواطن المحتج وبين السلطة المتمثلة برجل اﻷمن،ناهيك عن الكثير من التقارير واﻹخبارات، التي يتم رصدها او نقل بعضها بشكل خاطئ عن أحوال الشارع العام.
في ظل هذا البعد والتشويش،ووجود البطانة السيئة ،يكثر التشكي والتبرم واﻷنين،ويضيق الوطن على أهله ،فتكثر الجرائم والمخالفات،ويكثر اعداد المهاجرين،الشرعيين وغيرهم،والبحار والقفار على ذلك شهودا.
سبب بعض الهجرات إلى غير عالمنا الثالث،هو طلبا للحرية والعمل ،التي يفتقدها أكثر طالبي اللجوء،وهنا أسأل ..أليس عالمنا العربي بالذات…يمتلك أكثر من نصف ثروات العالم الطبيعية!
فلماذا يهاجر بعضنا…أين المشاريع التي يجب أن تقام لتستوعب أعداد العاطلين عن العمل ،وتستوعب أعداد الخريجين من الجامعات!
ولماذا تنجح بلدان مثل سنغافورة وتايوان والصين وماليزيا وغيرها…فيما نتأخر نحن.. ،وماذا ينقصنا لنواكب تقدمهم وأكثر؟
ولماذا تنجح كثير من الدول الغربية تحديدا،في مفهومها الواسع للحرية بحسناتها وسيئاتها، فيقصدها ابناءنا من المهاجرين إليها، طلبا لتلك الحرية،فيما نتاخر نحن،مع أننا في عروبتنا أهل الحرية،ومع أننا في إسلامنا دعاة لحرية الخير ،التي أضاء نورها ظلمات الشرق والغرب،حرية مسؤولة في بيعة الحاكم،
فلا يولى الضعيف،ولا يولى طالب اﻹمارة،ولا يولى أصحاب الشبهات، ولا تعطي الإمارة لمن تشوَّف إليها، خوفًا على الرعية من أن يتسلط عليهم هذا المحب للإمارة المتمسك بها… روي أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-:قال.. دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ أَنَا وَرَجُلانِ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «
إِنَّا لا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ».
يخرج عليه السلام وهو جائع ليلا يتفقد العامة،ومعه نائبيه أبو بكر وعمر،وقد ربطوا على بطونهم الحجارة من شدة الجوع،ويقابلهم صحابيا ويدخلهم الى بيته.
وبعد أن طابت أنفسهم من الطعام قال لهم عليه السلام”والله لتسئلن عن هذا النعيم”،فكم في بيوت العرب والمسلمين اليوم من ينام يئن جوعا،والهوامير الحوازم متخمين..!
أسس عليه السلام منهجا قويما،بضرورة قرب الراعي من رعيته،
وحذر بشدة أن يحتجب الوالي عن رعيته فقال: «مَنْ وَلاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ -الحاجة الشديدة- وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ».
وأسس عليه السلام منهجا عظيما في المراقبة والمحاسبة، حتى لا يستأثر والٍ أو حاكم أو عامل، بشيء لنفسه من أموال الناس، أو يرغم الناس أو يغريهم بدفع رشوة له، فيُعلِّم العالم كله والمسلمين بشكل خاص، في موقف عظيم كيف يجب أن يكون حال الحاكم المسلم… روي أبو حميد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْلتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فقَال له عليه الصلاة والسلام َ: «فَهَلاَّ جَلَس احدكمَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثَلاثًا».
واسس عليه السلام ،حرية منضبطه في التدين والتعبد والتقاضي،وفي ديننا وعقيدتنا الكل سواء،لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى،بلال حبشي وسلمان فارسي وصهيب رومي وابو بكر عربي ،رضي الله عنهم اجمعين.
فكان هو عليه السلام هو خير قدوة،يتفقد العامة قبل الخاصة،ويسأل ويسدد وينصح للجميع،وما ترك خيرا إلا ودل الأمة عليه،ولا شرا إلا حذر منه.
وعلى ذلك كان الخلفاء والقادة والأمراء من بعده، هم الأقرب إلى العامة،تأسيا وإقتداءا بهدي المعلم اﻻول محمد عليه الصلاة والسلام، القائد الحكيم، والحاكم العادل،والوالي الناصح المحب لقومه وكل امته.
يتولى ابو بكر رضي الله عنه الخلافة،فيظهر الحزم واللين ،فيرفض ان ينتقص الدين في عهده ،فقال أينقص الدين وانا حي!.
فكم من نقص في الحدود وأحكام اﻹسلام في هذا الزمان ،فمن يقول من حكامنا أنا لها!.
ويشن رضي الله عنه، حربا ضرورسا على أهل الردة،وقال والله لو منعوني عقال بعير،كانوا يؤدونه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لقاتلتهم عليه بالسيف.
ويظهر الرحمة واللين ،فيخرج ليلا،ليخدم عجوزا ضريرة،يعجن لها عجينها ،ويخبز لها خبزها،ويقم لها بيتها.
ومن بعده كان عمر رضي الله عنه،يخرج ليلا يتفقد الرعية،فوجد بيتا في أطراف المدينة، توقد فيه نار ،وسمع أصوات صبية يتباكون،فلما استأذن وأذن له ،ووجد تلك المرأة تضع الحصى في وعاء فيه ماء،للتتظاهر انها تصنع الطعام للصبيه،فينامون،وهل الجائع ينام…يا سادتنا!.
ومن فوره ذهب إلى بيت المال ،وحمل على ظهره الدقيق والسمن والعسل،ولما طلب منه الحاجب ان يحمل عنه،قال له..ويحك اتحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟
وذهب إلى حيث المرأة وصبيانها وصنع لهم الطعام بنفسه،والمراة لا تعرفه،لأنها ليست من اهل المدينة،وطلب منها ان تأتيه في الصباح الى دار اﻹمارة،وبعد قرر ان يصرف لها ما يكفيها واولادها من بيت المال ،طلب منها ان يشتري منها مظلمته لها…لانها جاعت في زمن ولايته.
يقدم النصح بحمكة للمحتاج،’ ويظهر الحنكة مع أهل الدهاء،ويظهر الحزم والقوة مع أهل الشبهات والزيف.
فنشر العدل واﻷمن..بين الرعية..قال متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم احرارا،وأقام العدل على ابن والي مصر..فأمر بضربه قائلا لخصمه ..اضرب ابن اﻻكرمين.
نام تحت الشمس على القفراء،فمر به من يسأل عنه،فلما وجد الرعية بخير، ووجده على هذه الحالة..قال..عدلت فامنت فنمت.
ثم بعد وصل اﻻمر إلى ما وصل إليه في ديارنا، وبأيدينا وما صنعناه بأنفسنا، فأصبح هذا زيد وهذا عمر..في ديار العرب والمسلمين؟
عدالة منقوصة..لنقص التشريعات ،وبعدها عن منهج الله،وحرية جوفاء تركنا من خلالها الفضائل ،وانتحلنا أغلب الرذائل، ونقونن من الحرية إلا بعض ما يتعارض مع عقيدتنا وعاداتنا؟
دور للخمر والخنا،ومدارس للرقص السافر،وهل على الفلم الخليع ،والرقص الرقيع،والغناء الماجن تعد وتربى اﻷجيال،لتسترد مقدساتها وما سلب من حقوقها؟
في وطننا اﻷعز واﻷبهى،عندنا قيادة مباركة،تتفقد وتزور وتأمر بإعانة كل محتاج،وإغاثة كل ملهوف،قرب يتبادله بعضنا ،ويحرم منه العامة ،لوجود الحوازم وما أكثرهم،لا ينقلون للملك كل الحقائق ،ولا ادل على ذلك من الحقيقة التي قالتها تلك الفتاة..بين يدي جلالته.. ابان زيارته اﻷخيرة لمحافظة الكرك..
فالكرك واﻷردن كله…ليس بالخير الذي كنا عليه،أو نأمل به ونرجوه،اتساع لرقعة الفقر،وحدوث تغيرات لم نكن نعرفها ،كإرتفاع نسبة الجريمة والطلاق والمخدرات،قد يكون سببها تآكل الدخول وارتفاع الأسعار،أو بسبب ظهور الثراء الفاحش لبعض من تقلدوا السلطة،وغياب متعمد للمسؤول،وسبات شتوي لبعض العاملين في سلطة الرقابة والتشريع.
سيدي الملك…وانت رأس السلطات..انشدك الله،الذي ملكك امرنا،فأطعناك ..أن ترقب الله فينا..فنحن سيف في غمدك على كل باطل،ونحن سفينة نجاتك،بين يدي ملك الملوك سبحانه،ننشدك ونرجوك،بأن لا يبقى في بلادنا مقر لخمر،ولا وكر لرذيلة أو عهر،اضرب بيدك وسيف العدل كل أماكن الخبث والخلل،أقم العدل بين العامة بولاية الصالحين،اجعل دنياك مزرعة ﻵخرتك،فما الدنيا إلا متاع الغرور.
سيدي الملك -قد لا تحتاج إلى طباخ ،لينقل لك واقعنا الحقيقي اقتصاديا،وإجتماعيا،وأمنيا،وسياسيا،وسيديا، ﻷن وسائل التواصل تغني عن ذلك، وبغض النظر عن كل ما فيها،فإن فيها إشارات للواقع ينقلها ويكتبها بعض اﻷمناء والمخلصين.
سيدي الملك….افسح المجال للقاءات الخاصة لبعض العامة،فلو استمعت لوجدت حلولا لكثير من مشاكلنا،ولو استمعت أكثر لوجدت أن اﻷردنيين على عهدهم الذي تعرفه.
سيدي الملك. نعرفك.بطيبتك..وكرمك..وحسن أخلاقك…وكثير من صفاتك التي يفتقدها الكثيرون..ولذلك نحبك…وسنبقى معك ما بقي الزمان وبقينا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى