ضَوابط قَبل تحرير الأسواق / سلامة الدرعاوي

ضَوابط قَبل تحرير الأسواق

قضيةُ البنزين المُستورد من قبل بعضِ الشَرِكات التسويقيّة الخاصة وما حَدَثَ من مشاكلَ كَبيرة للمُستهلكين ومركباتهم يفتحُ باب النقاش على مِصراعيه للإجراءات الحكوميّة المُتبعة لِضبط الأسواق، ووضع قواعد ومواصفات مؤهلة لحمايةِ المُستهلك والأسواق من أيّةِ اعتداءات ومُخالفات تؤثر على المواطن الذي في العادة يقع فريسة سهلة للانفتاح غير المُنضبط.
طبعاً لا شك بأن مؤسسة المواصفات والمقاييس تَتَحملُ جزءا من المسؤوليّة عما حدث في قضيةِ البنزين، لأن المواصفة المعمول بها كانت تخلو اساساً من الحديد، وبالتالي قامت بعضُ الشركات التسويقيّة بإضافته للبنزين المُستورد لِرفعِ نسبةِ الأوكتان، وتحقيق ارباح عالية لأن مادة الحديد المُضافة مادة رخيصة الثمن.
الآن هُناك باخرتان مُحملتان بالبنزين أحدهما أوكتان 90 والأخرى 95، وقد رُفِضت الأولى والنيّة تتجه لرفض الأخرى، وبالتالي سيكون هُناك مسؤولية كُبرى على الحكومة لإيجاد بديل سريع يُلبي احتياجات المملكة من أيّ نقص بالوقود لا سمح الله، وهذا يتم من خلال الشركات التسويقيّة.
هُنا يتضحُ الدور الاستراتيجيّ لشركة مصفاة البترول الاردنية التي لبت احتياجات المملكة مِن كافة مشتقات الطاقة طيلة ستين عاماً دون انقطاع وتحت كافة الظروف والتحدّيات، وما يفرض على الحُكومة التعامل الرشيد مع هذا الصرح الوطنيّ الاستراتيجيّ الذي حقق الأمان الاقتصاديّ للأردنيين بأرقى أشكال المسؤوليّة الوطنيّة، وهو ما يستدعي من الجهات المعنية توفير لها السُبُل والحوافز والتسهيلات لإتمام مشروع التوسعة الرابع الذي سَيُساهم بتلبيةِ احتياجات المملكة من كافة المشتقات وبأعلى المواصفات العالميّة.
الأمرُ لا يقتصر فقط على البنزين المُستورد، لكن هُناك الكثير من الاتفاقيات التجاريّة التي وقعتها الحُكومات المُختلفة والتي للأسف كان لها الأثر السلبيّ على الحركة الاقتصاديّة والمبادلات التجاريّة بين الأردن والدول الأخرى التي استفادت منها بشكل كبير، وجعلت من السوق الاردنيّة مغرقة ببضائعهم التي احتلت الرفوف في الأسواق، مما جعلَ البضائع الاردنية تَركُدُ دون طلب عليها.
والحكومة تعي ذلك جيداً، فالسند الأساسيّ في إلغاء اتفاقية التجارة الحرة الاردنيّة التركيّة على هذا البند تحديداً، فالميزان التجاري يَميلُ بشكل كبير جداً لصالح انقرة دون أن يكون هناك في الأفق ما يُشير إلى أن الصادرات الوطنيّة سَتنمو.
المملكة كانت من اوائل الدول التي وقعت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبيّ عام 1997 ومن ثم انضمامها إلى اتفاقية منظمة التجارة العالميّة في سنة 2001 واتفاقيتيّ التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الامريكيّة ومنطقة التجارة العربية الكبرى.
أثرُ الاتفاقيات على نمو الصادرات الوطنيّة كان مُتَباينا من اتفاقية لأخرى، فبينما ساهمت اتفاقية التجارة العالميّة بزيادة الصادرات إلى اسواق اقليميّة ودوليّة أكثر من حيث العدد، ما زالت اتفاقية التجارة الحرة مع امريكا محصورة بنسبة 85 بالمئة منها في تصدير ألبسة الـ «QIZ» المدعومة باتفاق سياسيّ مُبرم بين الأردن واسرائيل والولايات المتحدة عقب معاهدة وادي عربة.
وفيما يتعلق باتفاقية التجارة العربيّة، فقد لعبت دوراً مُهماً في دعم الصادرات الوطنيّة إلى اسواق الجوار، وباتت الآن تجارتنا البينيّة مع دول المنطقة تستحوذ على حوالي 43 بالمئة من مُجمل تجارتنا الخارجيّة، وهذا مؤشر مُهم على أن الدول العربية ما زالت تُشكل العمق الاستراتيجيّ للاقتصاد الوطنيّ.
تبقى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أولى الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الاردنيّة للانخراط بالاقتصاد العالميّ، فقد خابت آمال الصناعيين الاردنيين في تعظيم الاستفادة منها بعد أن تبيّن أن بنودها تحتوي على تعقيدات في عملية احتساب قواعد المنشأ، لذلك فبعد عشر سنوات من توقيعها، بدأ الصناعيون يطالبون بتعديل الاتفاقية وهذا أمر مُستحيل لأن التعديل يعني أن الاتفاقية يجب أن يُصادق عليها جميع برلمانات دول الاتحاد وقد يأخذ هذا الأمر وقتا طويلاً، لذلك بدأ الأردن بالتعاون مع الدول العربيّة التي وقعت اتفاقية الشراكة بالتباحث حول السُبُل التي يمكن اتباعها لتجاوز تلك البنود المُعقدة، وهنا ظهرت اتفاقية اغادير لاعتماد قواعد منشأ للصادرات تكون اكثر مرونة.
العرض السابق، يدعونا فعلاً إلى مُراجعة الاتفاقيات الاقتصاديّة، وعدم فتح الأسواق على مصراعيها دون ضبط وربط يحمي المواطن والاقتصاد من تغول داخليّ وخارجيّ لا يحمد عُقباه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى