صور من التراث / د . بسام ابوخضير

صور من التراث
…في السهول الواسعة التي تزهو بقمحها وشعيرها وغلالها الوافرة ..هذه السهول الخيرة الطيبة ،كم جال قمحها وسافر في عرض الارض وطولها ،وأطعم أفواه ،و اشبع بطونا بخبز حوراني لا اطعم ولا اشهى … .نعم ..هي سهول النعيمه والرمثا ، سهول حوران التي تفيض بنعم الله وبركاته …
…ففي كل صيف كانت تزدحم ناسا وانعاما ، جاءوا لجمع غلالهم وطعامهم ..فهنا وهناك ترى الناس يصفون كالبنيان المرصوص ، تكاتفوا وسدوا الفرج وانحنوا راكعين ، مناجلهم بأيديهم ..كأنهم يطوون من على الارض سجادة عجمية ، زانتها قامات السنابل واقمار الخرفيش وابر المرار الذهبية الدامية ، ووقع المناجل وهي تعانق سيقان القمح تبعث خشخشة كأنها تسابيح تنساب من بين ايديهم ، ومن على اكتافهم لتعلو في السماء، تسبح الله وتعظمه ، وتحمل بشائر الخير والعطاء، فتنشرح صدور البيادر وتمتليء بطون الكواير والخانات…..واهازيج الحصادين في هاجرة النهار وأصيله تصدح زهوا ،وصداها يملء السهل والوادي بألحان الهجينه والتراويد والزغاريت التي تشحذ الهمم وتجلي النفوس ،وتتلاقى هذه الاهازيج مع اصداء اهازيج اخرى تنبعث من وهناك فيصبح المكان عرسا حورانيا أصيلا …فينجلي الكسل والتعب وتغسل الجباه قطرات العرق النازفة كحبات اللؤلؤ فتبدو الوجوه النيرة وتشتد الزنود السمراء فيكبر الانتاج والعطاء..
.وكان عندما ياتي زائر للحقل وقبل وصوله بمسافة ، ينبري احد الحصادين، ويبادر بالترحيب والتهليل ويرفع يده القابضة على باقة السنابل ليقول للضيف ( هذاشملك يافلان )وبدوره يقول الزائر ..وصل وصل..وهذا يوجب على الزائر ان يأتي لهولاء بطعام يأكلونه ، وفي الغالب ما تكون الحلاوه او الراحه أو البسكوت.او أي من خضار الصيف او فاكهته ………..هذه اللوحة وغيرها من اللوحات التي تمثل حياة الفلاحين بالامس كانت تنم عن معان كبيره وقيم جوهرية تأصلت فيها النخوة والتسامح والتعاون والمؤاثرة والتكاتف والمحبة والطهر والنقاء والشفافية……الله الله على تلكم الايام ..تعالوا نجذر قيمها ونصد عن سهولها غزو الخرسانة ،وفاء لقمحها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى