* بلغ من العمر عِتيّا .. سلبته السنون كل ما يذكّر بالشباب و صبوته و جماله .. أصبح متهالكا متهدما .. لكنه بقي يعاند و ينكر و كأنه يريد استرجاع الزمن .. و هيهات هيهات .. برأس تصحّرت ، و لم يتبقَّ من الشعر إلا حزام ضئيل حول أذنيه لكنه أصرّ على الصباغ الأسود الفاحم ، و بشاربين يطاولهما أنف استطال ، كالأصبع الممدودة .. صاحبنا ، مازال يعيش أحلام الوظيفة التي أكلت شبابه .. فهو يلتزم في هندامه اللباس الرسمي ببدلته التي غادرها لونها ، و بربطة عنق يكاد لا ينزعها ، إلا وقت استحمامه .. و يضع على عينيه نظارة سوداء ، تخفي عينيه الذابلتين .. و هو معتدّ ، بأنه قد اشترى هذه النظارة من أشهر الماركات العالمية .. و هو يكشف ساعده عن ساعة يد هي أشبه ما تكون بساعة عداد المياه .. ففيها “عقارب” تشير إلى ما ليس له لزوم باستثناء مؤشرات الوقت .. و بالطبع ، هذه موضة ساعات اليد في هذه الأيام .. بعد أن كانت تأخذ شهرتها و ندرتها برقتها .. صاحبنا ، مازال سجين الزمن الماضي و الفعل الماضي .. فهو يستعرض في كل جلسة و حديث ، بطولاته و قدراته .. حيث كان نسيج وحده – بلغة الأدب ! فبه ، سارت أمور الدائرة ، و هو الذي كان يعد الخطط و البرامج ، و كان قراره نافذا ، دون تردد و لا يسأل عن رئيس أعلى .. لكن كلمته لا تصبح كلمتين !! كانت أحاديثه تبعث على التثاؤب و هي معادة ، مثل مسلسلات التلفزيون بالأبيض و الأسود .. و قد ملّها الناس و حفظوها !!! صاحبنا ، يحضر بلا دعوة ، و يغيب بلا استئذان .. ينقصه اتقان الصمت ، و حسن الاستماع .. و التسليم بأن الزمن ماضٍ .. و أن الانسان لا يعيش زمنه و زمن غيره !
أقرأ التالي
بوح الأدب
2024/11/16
قصدتُ الأطلال: قصيدة نثر
بوح الأدب
2024/11/07
مصابيح الدجى
بوح الأدب
2024/11/05
اعيدوه . لتعود الفكرة
بوح الأدب
2024/10/31
كلام مرّ !
بوح الأدب
2024/10/29
أحلام مسروقة
2024/11/16
قصدتُ الأطلال: قصيدة نثر
2024/11/07
مصابيح الدجى
2024/11/05
اعيدوه . لتعود الفكرة
2024/10/31
كلام مرّ !
2024/10/29