صنع الثقب الدودي (التجربة الرابعة لكاجيتا)ج3
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
فور أن جاءته الأسطوانة نظر إليها بتأمل، ثم مرر يده اليمنى عليها ويناغيها كمناغة الأم لرضيعها، أما يده اليسرى فكان يمسك بها قلبه.
قال #كاجيتا لفريقه وهو لا يكاد لا يستطيع التنفس: «الجرفيتونات العالقة لم تتحرر بسبب أن قوة تماسكها بالمغانط أكبر بكثير من قوة الليزر، وهذه الأسطوانة سوف توفر لنا الطاقة اللازمة لفصل تلك الجرفيتونات.»
وأشار إلى ناكامورا بتسليط الضوء على الأسطوانة بيد أن الباحث الذي قضم أظافره من قبل انتفض قائلا: «دعني أنا أشاركك هذه التجربة.»
قال كاجيتا وهو يشير إليه: «ما ينفك عنك شغفك بالعلم حتى يقتلك (يقصد العلم).»
وحقق له كاجيتا أمنيته.
هرول نحو مصدر يشع ضوءا رهيبا، وسلط هذا الضوء على الأسطوانة.
كان في الجهة المقابلة ينصب ناكامورا مجموعة من العدسات والمرايا لصناعة الليزر، مر الضوء خلالها فحصل كاجيتا على #ليزر هائل.
وبقياس قوة هذا الليزر من خلال جهاز خاص صُعق كاجيتا.
فأشار إليهم دون أن يتكلم ليقرءوا ما على ذلك الجهاز الخاص. فصعق ناكامورا أيضا وكاد يطير عقله. أما قاضم أظافره فترك جهاز الضوء وأقبل على الجهاز الذي دون قوة الليزر ونظر في القراءة وقال: «ليزر بقوة 5.3 بيتا وات.»
فور أن قال ذلك نظر إلى كاجيتا الذي صاح بهم كي يحضروا له ورقة وقلم. أما ناكامورا فطفق يعد على أصابعه محاولة منه لإحصاء قوة الليزر المتولد.
قال ناكامورا: «سيدي كاجيتا، إن قوة أشعة الليزر المتولدة بهذه الطريقة تعادل 1000 مرة قوة جميع محطات الكهرباء حول العالم مجتمعة.»
قال كاجيتا: «وربما أكثر.» وسرعان ما همس إلى نفسه: يا للغرابة! كيف توصل هذا الآلي خلف الثقب الأسود أن يبتكر هذه الطريقة! ولم تستغرب يا كاجيتا وقد استطاعوا تحويل نجم صغير إلى #ثقب #أسود ليخلقوا خلاله معبرا يعبرون إلينا من خلاله؟! ملاعين.
أمسك كاجيتا بجهاز الليزر ذي الطاقة الخارقة، وأمر ناكامورا بالوقوف في الاتجاه المقابل ومعه جهاز ليزر يحمل نفس القوة.
قال له: «الآن سأحرر الجرفيتونات العالقة من المغانط، ثم استمر على الدوام في دفعها إليك، سوف تستقبلها أنتَ بتسليط الليزر من الجهاز الذي معك في الاتجاه المضاد قبل أن تهرب إلى كونها المجهول، ستعود الجرفيتونات مرتدة بتسليطك يا ناكامورا لتجد أمامها دفقات أخرى متحررة من المغانط، ويحدث بينهما ارتطام رهيب سوف يؤدي في النهاية إلى ضغطها جميعا لتتحول تلك الطاقة غير المرئية إلى مادة حجمها قدر حجم سن الدبوس؟ أفهمت يا ناكامورا؟ هيا لنبدأ.»
وسلط أشعته على الجرفيتونات العالقة بالمغانط، فلم تتحرر الجرفيتونات.
نظر بعضهم إلى بعض في قلق وتوتر، أما كاجيتا فلم يظهر على وجهه التوتر وإنما المرض قد فكك أوصاله، وما عادت يداه تثبت على حال من شدة الارتعاش.
ركز قاضم أظافره على معلمه فوجد أن المرض بلغ منه مبلغا، أسرع إليه وطلب منه يستريح، قال كاجيتا له: «لا بأس، سلط الليزر واستمر حتى تتحرر هذه الجرفيتونات العالقة، وأنت يا ناكامورا استمر على الدوام في إطلاق حزم الليزر ولا تتوقف أبدا حتى لا تهرب الجاذبية (يقصد الجرفيتونات) إلى كونها اللعين.»
مضى نحو ساعة، وبدأت الجرفيتونات تتحرر بالفعل، فأدركها ناكامورا وهو يقول: «أتظنين أيتها الجرفيتونات أن تهربي وأنا معي مثل هذا الليزر، عليك بالعودة لتصطدمي مرة أخرى بأخواتك الذين تحرروا من أسر المغانط.»
فلما رأى كاجيتا الجرفيتونات تتحرر وتتصادم مع بعضها نهض كالحصان، دفع قاضم أظافره بقوة حتى وقع على الأرض رغبة في تسليط الليزر بدلا منه.
وبتصادم الجرفيتونات بتسليط الليزر عليها في اتجاهين متضادين انضغطت جميعها حتى بدأ يظهر أمام الجميع وكأن بيض برغوت يتحرك أمامهم.
هنا صاح كاجيتا وقال: «لقد نجحت، لقد نجحت، لقد حولت الطاقة إلى كتلة، هذا هو سن الدبوس الذي سأنكئ به أدبار الأمريكيين.»
وظل هذا الرجل العجوز -الذي منذ ساعتين كان في غرفة العناية المركزة- يتراقص ويغني.
وفجأة توقف وأخذ يطأ بقدمه اليمنى الأرض، ويضغط بها بقوة ويحركها جهة اليمين وكأنه يريد أن يسحق شيئا تحت قدمه، أما وجهه فقد قطب وفتح ثغره على مصراعيه وهو يكز على أسنانه ويقول: «ها هي أعناق الأمريكيين تحت قدمي.»
التجربة الرابعة:
قال كاجيتا: «والآن علينا الآن ثقب سن الدبوس حتى نخلّق ممرا لانتقال أي مادة يجذبها ومن ثم ينقلها إلى بُعد آخر.»
قال ناكامورا: «تقصد عمل ثقب دودي سيدي كاجيتا، لكن كيف؟»
أجابه: «ليس ثقبا دوديا عاديا يا ناكامورا، إنه ثقب سالب، والآن أحضر لي يا ناكامورا بعضا من ذرات الرابيديوم.»
نظر بعضهم إلى بعض في دهشة لم تزايلهم أبدا.
قال قاضم أظافره متمتما: «إن الثقب الدودي السالب عندما يسلط عليه الليزر يظل ينفتح إلى ما لانهاية ما دامت تلك الأشعة مسلطة عليه، أهذا معناه أن سن الدبوس هذا يتحول إلى طاقة تغطي مساحة كبيرة؟»
قال كاجيتا: «كلامك صحيح، بل أستطيع أن أحول حجم سن الدبوس هذا إلى حجم ولاية كاليفورنيا في بضعة شهور دون أن يعلموا بمكاني.»
فور أن قال كاجيتا ذلك وضعوا أياديهم على ثغورهم، بينما عيونهم كادت تنفجر من شدة التوسيع دهشة.
تناول كاجيتا ذرات الرابيديوم من ناكامورا.
سلّط حِزم الليزر باستمرار على ذرات الرابيديوم.
قال: «والآن تحولت ذرات الرابيديوم إلى “تكاثف بوز آينشتاين” وهي حالة خامسة من حالات المادة بخلاف الحالات المعروفة.»
نظر إليها كاجيتا من خلال المجهر، ثم قال وهو لا يزال ينظر: «ذرات رابيديوم خاملة بعد سحب الطاقة منها، ذرات ثابتة، إلكتروناتها بلغت من الكبر عتيا، الآن سأغير اتجاه لفها المغزلي حتى تتحول إلى كتلة سالبة.»
وظل كاجيتا يغيّر في اتجاهها بالفعل بوساطة الليزر وهو يقول: «هيا يا أحبائي، هيا، ها قد انتهيت وحصلت على الثقب الدودي.»
ثم صاح كاجيتا بالجميع: «أجمعوا لي أكبر كمية من ذرات الرابيديوم السالبة، هيا.»
وبعد أن أمسكها قال: «المفاجأة يا سادة أن هذه الذرات متماثلة تماما، كل ذرة تماثل الأخرى تمام التماثل، أي أن كل ذرة ترتبط بالأخرى من خلال حبل مشيمة سري يسمى التابع الموجي، أي ما يربط الذرة بالذرة الأخرى هو التابع الموجي الذي حدثتنا عنه النظرية الموجية لشرودنجر.»
ضرب ناكامورا رأسه دهشة وهو يقول: «أيها البوذا العظيم، بينهم تواصل كمومي.»
قال كاجيتا: «نعم يا ناكامورا، بينهم تواصل كمومي، والآن سوف نزرع نصف هذه الذرات في مركز هذه البيضة (الطاقة التي حولوها إلى كتلة منذ قليل) والنصف الآخر سوف أحتفظ به، وحدي أنا دونكم جميعا، فهي محرمة، عند تسليط الليزر على هذه التي بيدي سوف ينتقل الفعل إلى ذرات الرابيديوم المتمركزة كثقب دودي في بيضة البرغوت حتى لو بين تلك التي بيدي وبين التي في البيضة ملايين السنوات الضوئية بشرط ألا يفصلنا عنها ثقب أسود، ومع استمرار التسليط يتوسع الثقب الدودي وتعمل الجرافيتونات بعد أن تتحول إلى طاقة على جذب المادة من حولها، ولن يتوقف التوسع إلا عندما يتوقف تسليط الليزر، وبذلك نكون قد انتهينا تماما من صناعة قنابل الثقوب السوداء. وما بقي سوى تجربتها، سوف نجربها تحت معادلة لأول مرة تدون في تاريخ الفيزياء وقد أسميتها معادلة كاجيتا للثقوب السوداء، وهي: «كلّ ساعة تسليط ليزر بقوّة جيجا وات تقوم بتوسعة الثقب واحد كيلومتر».»
تجربة القنبلة:
خرج كاجيتا وفريقه إلى الصحراء تقلهم سيارتان، ومعه خمس قنابل من قنابل الثقوب السوداء، توقفت السيارتان، صرّ كاجيتا أربع قنابل ووضعها في جيبه، أما الخامسة فقبض عليها بيده.
نزل كاجيتا ونزلوا خلفه، كان على مقربة منهم بعض الأشجار الصحراوية وبحيرة صغيرة، نظر إليهم كاجيتا وقال: «أشد ما يؤلمني أن يكون أول ما يلتهم في هذه القنبلة (ينظر إلى القنبلة التي بيده) تلك الأشجار البريئة وماء الحياة ولم تكن أجساد الأمريكان الآثمة.»
وضع كاجيتا القنبلة التي بيده على الأرض حتى لا تطير، ووضع عليها حجرا، نظر جيدا، بعد أن تأكد أنها أسفل الثقل ابتعد واستقل السيارة وأمر بقية الفريق بأن يتبعوه.
كل واحد منهم ينتظر نتيجة تجربة قنبلة الثقب الأسود في ترقب وشغف إلا قاضم أظافره، فجسده يرتعش، وعيناه يكادا ينخلعان من محجريهما صوب الحجر.
أمرهم بالتوقف بعد أن ابتعدوا عن القنبلة الملقاة على الأرض مسافة 2كم وبضعة أمتار ثم نظر حوله فوجد حجرا مسننا، فرفعه عن الأرض وخط به خطا أمامهم وقال: «إياكم أن تعبروا هذا الخط فتقعوا تحت جاذبية الثقب الأسود.»
وبسرعة، أمر ناكامورا بإحضار مقاريب من السيارة وأعطى كل واحد منهم مقرابا وهو يقول: «سترصدون عمل القنبلة بهذه المقاريب ثم تخبروني بالأحداث.»
وأعطى ناكامورا كاميرا تصوير يمكنها التصوير عن بُعد.
هرول قاضم أظافره وخطفها من ناكامورا خطفا. فنهاه كاجيتا قائلا: «لا تحزن، أعلم مقدار شغفك بالعلم، وسوف تشاهد كل شيء بالمقراب.»
فابتعد عنه قاضم أظافره مفكك الأوصال مكسور القلب ذليل النفس.
وتوجه كاجيتا إلى السيارة، كل واحد منهم ينظر إليه ويدعوا له بالتوفيق إلا ناكامورا، فقد كانت عيناه مسلطتان على الصرة التي تحتوي على القنابل وهو يقول في نفسه: «لولا هؤلاء (يقصد بقية الفريق) لانقضضت عليك وقتلتك لأمتلك تلك القنابل (وناكامورا يعلم أن القنابل ليس لها قيمة بدون ذرات الرابيديوم الموجودة مع كاجيتا).»
توجه كاجيتا إلى الليزر مباشرة، ومعه خمس مجموعات من ذرات الرابيديوم، كان يقبض عليها بحرص شديد لأنه لا يمكن تفعيل عمل القنبلة بدون تلك الذرات.
وضعها بطريقة مناسبة وسلّط عليها نبضات الليزر لمدة ساعتين، وقوة النبضة الواحدة واحد جيجا وات، وانتقل الفعل تماما إلى ذرات الرابيديوم الموجودة في القنبلة التي بالصحراء. ما بقي له سوى تحويل تلك الذرات إلى كتلة سالبة حتى يتمكن من فتح الثقب الدودي (ذرات الرابييوم) المتمركزة بالقنبلة (متمركزة وسط مجموعة لا تحصى ولا تعد من الجرافيتونات المضغوطة).
وبالفعل، تمكن من تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة بالتحكم في لفها المغزلي.
قبل أن ينتهي كاجيتا من تحويل ذرات الرابيديوم إلى مادة سالبة ببضع ثوان كان قاضم أظافره ينظر صوب القنبلة من خلال المنظار، وجسده يرتجف بشدة، فجأة ألقى بالمقراب واتجه نحو السيارة.
نظروا إليه وأيقنوا أنه يود ركوب السيارة والنظر فيما سوف تفعله القنبلة عن قرب، فسعوا خلفه ليدركوه بيد أنه كان أسبق منهم، أدار السيارة قاصدا النظر إلى القنبلة عن كثب.
نادوا عليه في هلع، تخطى بعضهم الخط بيد أن ناكامورا نهاهم بقوله: «ارجعوا يا مجانين ستموتون.»
فعادوا أدراجهم، ونادى على قاضم أظافره: «ارجع يا زميلي، لا تكن مجنونا.»
لم يبلغ الصوت أذني قاضم أظافره بالطبع، حتى لو كان الصوت في محيط سماع أذنيه فلن يسمع أيضا، فقاضم أظافره لا يسمع إلا نداء واحدا يطرق أذنيه بشدة، هو صوت الشغف بالعلم.
بعد لحظات من تجاوز قاضم أظافره خط كاجيتا قد انتهى كما قلنا من تفعيل عمل القنبلة.
نظر فريق كاجيتا إلى القنبلة فوجدوا الأشجار والبحيرة وكل ما حولها في محيط 2كم طولا وعرضا وعمقا (أي أسفل سطح الأرض) قد انجذبوا تباعا تباعا وسط هالة كبيرة تمتد في كل الاتجاهات لمسافة 2كم من جميع الجهات.
أما قاضم أظافره فلأنه واقع في هذا المحيط فقد جذبه أفق حدث القنبلة والتهمته لتلقي به في كون آخر لا يعلمه أحد.
فور انتهاء عمل القنبلة ركضوا متوجهين إلى هناك، فلما وصلوا رأوا حفرة عميقة.
قال ناكامورا مذهولا: «هذه الحفرة عمقها بالضبط 2 كم، لن تزيد سنتيمترا واحدا.»
هاتفهم كاجيتا ليطمئن على عمل القنبلة، فقصوا عليه ما حدث. فأسرع نحو المكان والتقيا فيه.
قال كاجيتا وهو ينظر إلى الحفرة: «لأول مرة في تاريخ البشرية تنقص المساحة الكلية لكوكب الأرض ثمانية أمتار مكعبة، والآن حانت لحظة الانتقام.»
وأشار إلى كل واحد منهم وهو يقول: «إياكم أن يعلم أحد بأمر تلك القنابل.»
وتنبه إلى غياب قاضم أظافره فسأل عنه، فأخبروه ما حدث.
فتألم لذلك ألما شديدا وتأسف كثيرا.
في الصباح الباكر حزم كاجيتا وفريقه أمتعتهم متوجهين إلى بلادهم.