صناعة التفاهة

#صناعة_التفاهة

م. #أنس_معابرة

بعد أن بدأت الثورة الصناعية في بدايات القرن العشرين؛ إشتهرت الكثير من الدول بالصناعات المختلفة، وساهمت الحربين العالميتين الأولى والثانية بتسريع وتيرة الصناعات، خصوصاً الحربية منها.

وفي أثناء الحرب الباردة؛ ساهم تسابق التسلّح بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وحرب غزو الفضاء في زيادة الصناعات والإختراعات المختلفة.

مقالات ذات صلة

كما ساهم إكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي في تنامي الاهتمام بالمنطقة، وزيادة الإستهلاك فيها، وزيادة المصانع الإنتاجية في مختلف مناطق العالم، خصوصاً في دول شرق أسيا؛ حيث البنية التحتية المناسبة، وأسعار العمالة المنخفضة.

وأضافت التكنولوجيا نوعاً جديداً من الصناعة الى الأسواق، خصوصاً بعد دخول مواقع التواصل الاجتماعي على الخط، وأصبحت الأسواق الإلكترونية ميداناً تتسابق فيه الدول والشركات والأفراد، يتسابقون لصناعة المحتوى الذي يجذب المشاهدين من مستخدمي الإنترنت حول العالم.

وفي محاولة من البعض في جذب المشاهدين وزيادة عدد المشاهدات؛ ظهر نوع جديد من الصناعة، يشتمل على الكثير من التفاهة، والخروج عن العادات والتقاليد وتعاليم الدين الحنيف، ويضمن بعض الأقوال والتصرفات المشينة والخادشة للحياء.

كما حرص صنّاع التفاهة هؤلاء على إستخدام بعض ذوي الإحتياجات الخاصة والذين إبتلاهم الله بعاهات ضمن محتواهم، وتركزت صناعتهم على إعداد مقاطع فيديو تتضمن السخرية من هؤلاء المساكين بقصد جذب الجماهير الغفيرة من المشاهدين.

ولم يتوان هؤلاء عن إدراج بعض افراد عائلاتهم كوالدتهم وأخواتهم وهم بلباس غير لائق بقصد كسب الشهرة، وإنتشار مقاطع الفيديو الخاصة بهم بين المتابعين لحساباتهم على مواقع التواصل المختلفة.

بل وصل الأمر ببعضهم الى اللجوء الى عمليات التجميل المختلفة للعبث بأشكالهم وأجناسهم، والحصول على صبغة مختلفة بقصد السبق والحصرية في تلك المقاطع، مرتكبين بذلك جريمة في تغيير خلق الله عز وجل، وتجاوز الخطوط الحمراء للدين والنهج الإسلاميّ الحنيف والنبويّ الشريف.

وما أن يصل هؤلاء الى تحقيق الشهرة التي يطمحون اليها من خلال السخافة التي يطرحونها في مقاطع الفيديو؛ حتى تنهال عليهم طلبات الدعاية من قبل الشركات المختلفة لتسويق منتجاتهم، ويتلقون بذلك المبالغ الكبيرة من تلك الشركات، التي وجدت من خلالهم بوابات كبيرة للوصول الى الأعداد الكبيرة من المستهلكين.

إن الخطورة لا تكمن في مشاهدة تلك المقاطع من “صناعة التفاهة” فقط، بل يمتد الى تأثر الكثير من الشباب والصبيان والفتيات بتلك المقاطع ومحاولة تقليدهم في أشكالهم وحركاتهم، كالرقصات المختلفة التي يتباهون فيها، واللباس الفاضح الذي يرتدونه ويسوّقون له،  وبل ربما يصل الى أن يقف حلم أولادنا في أن يصبحوا “يوتيوبرز”، للحصول على الشهرة التي مُني بها هؤلاء التافهون.

لا بد أن ندرك أن الكثير من تلك المقاطع مفبركة، وتم الإعداد لها بجهد كبير لتظهر عفوية ومفاجئة، بل يستخدم صُنّاع التفاهة المخرجون المختصون للإعداد لمقاطهم المصورة وإخراجها وتلميعها من خلال برامج تعديل الفيديو والصور المختلفة، لتظهر للمشاهد بصورة جاذبة وبهية.

كما أن تلك المقاطع التي تسوّق لمنتجات مختلفة؛ تدّعي جودتها العالية وأسعارها الزهيدة هي مقاطع كاذبة ومزورة، وتلك المنتجات كالملابس والعطور والمكياج والإكسسوارات منخفضة الجودة، ولا يتواجد بها تلك الصفات الذي يذكرها المعلنون، كما أنها تخلو من الضمان وسياسة إرجاعها في حال مخالفتها للمواصفات المذكورة بها، وقد تكون أحد أشكال الإحتيال الإلكتروني الجديد.

حريٌّ بنا اليوم مراقبة المحتوى الذي يُقبل عليه أولادنا اليوم، وتحذيرهم من تلك التفاهات التي تدخل الى عقولهم، وتعبث بفطرتهم السليمة، وتحذيرهم من التجاوزات التي يرتكبها هؤلاء، وضرورة عدم الإنقياد وراءهم وتقليدهم.

كما يجب علينا عدم الإنسياق وراء أشكال الإعلان المُبهرة وراء البضائع المختلفة، وعدم الشراء من تلك الصفحات المخصصة للتواصل الاجتماعي فقط، وغير المختصة ببيع المنتجات، والتي لا تحمل تراخيص للقيام بذلك، حتى لا تضيع أمولنا هباءً منثوراً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى