صرتُ أبي..

مقال الأحد 7-6-2020
صرتُ أبي..
لم أكن أتوقّع أني كبرت إلى هذا الحدّ، لم أكن أتوقّع أني صرتُ أبي بكل هذه السرعة ، يتثاءب الأبناء والزوجة عندما أحدّثهم عن الماضي وعن تفاصيل بيتنا القديم وعن شجرة العائلة ، ولا يتردّد أصغرهم من رفع منسوب صوت التلفاز ليغلب صوتي ..لم أكن أتوقّع أني سألقي محاضرة طويلة في ضرورة توفير الماء ، وإطفاء المصابيح غير اللازمة و”القرش اللايذ” ، لم أكن أعرف أن اهتمامي سينصبّ على ضرورة وجود كميّات كافية من المفكّات المصلّبة في الدرّاجات وطقم من مفاتيح الشق ومرابط البرابيش ووصلاتها..بينما هم مندمجون جداً في أحدث ألعاب “الأون لاين”..لم أكن أعلم أن يصل بي العمر أن أفرح عندما أشاهد “بيت قثاء” تمدد في الحاكورة وأناديهم جميعاً ليشاهدونه عن كثب لكن أحداً لا يأتي..والحجِّة: شو هالانجاز العظيم؟؟..
يضحكون فيما بينهم عندما أنام أثناء التعليلة وأشخر وهم يشاهدون أفلام الكرتون وأسأل “وذّن العشا”؟، وأشعر كم أصبح مملاً عندما أحدّثهم عن ضرورة النوم باكراً والمشي السريع والأمراض المزمنة وتحريك الدم وتخفيف الوزن ،وكم أصبح ممّلاً أكثر عندما أطلب منهم أن يضعوا “صدر البطّيخ” في العريشة ، أو أن أقترح عليهم أن أشتري “خابية” وأضعها في ظل بيت الدرج..فينظرون في وجوه بعضهم بعضاً..وكأنهم يسألون أنفسهم “كم لبثنا”؟؟..كما لاحظت في الآونة الأخيرة أني أقف طويلاً أمام “بكمات الخضرة” ،وأحضر “البُكس” المختلفة..وأتباهى في سعرها المنخفض،وأحن إلى سوق الحرامية أكثر من حنيني للمحاضرات السياسية ، لم أكن كذلك قبل عشر سنوات مثلاً..
حتى أنا لاحظت ذلك على نفسي ، فصرت شيئاً فشيئاً أميل في ملابسي إلى الألوان المحايدة والباردة ، رمادي ،أبيض ، أزرق سماوي ،أسود..هذه الألوان كنت أسميها في السابق الألوان الأبوية..بنفس الوقت لا تميل النفس كثيراً إلى التجديد، ولا إلى الظهور بعمر أقل..كما لاحظت أني في الآونة الأخيرة أصبحت مفرطاً في النصائح ،ومسرفاً في الحكمة والأمثال الشعبية وكثير التنهيد دون التعبير عمّا يجول في خاطري..لقد أصبحت أبي دون أن أشعر..لقد بت أتقلّب كثيراً في الفراش قلقاً على مستقبل الأولاد..وقلقاً من موت الفجأة ،ومن تأخر دورنا في “حنفية السلطة”..
لقد أصبحت أباً تقليدياً بامتياز ، فوق منتصف العمر بشبرين وتحت الجفاف بشبر..تماماً مثل خزاننا الأرضي..كبير وعتيق ، يروي الجميع وجدرانه ظمآنة..

إيييييييه هاي حال الدنيا..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى