صداح الحباشنة أكاديميٌّ وطنيٌّ بامتياز
عرفتُ الأستاذ الدكتور صداح الحباشنة في جامعة مؤتةَ أستاذًا أكاديميا متواصلا مع طلابه لا يتوانى عن مساعدتهم محبًّا لوطنه وجامعته ، وترسختْ تلك المعرفةُ حينما تزاملنا في مجلس العمداء ؛ وكان القربُ بيننا في القلقِ والهمِّ والحُلُمِ جغرافيًّا وقلبيًّا ، وأهم ما كان يميزه الجرأةُ في قول الحق وعدم السكوت عن خطأٍ مقصود أو غير مقصود ولعل ذلك كان بفعل الانظباط الذاتي والصرامة الأكاديمية والإرث العائلي والوطنية الحالمة ، وقبلَ ذلك وبعدَه تلك التقوى سرًّا وعلانيةً ، ومن لا يعرف الدكتور صداح فهو إنسان نظيفُ القلب أبيضهُ ، صاحبُ طُرفة ممزوجة بالنقد اللاذع كما أن ابتسامةً حزينةً لا تفارق وجهه ، فلا يكادُ يخلو أيُّ مجلسٍ يجلس فيه من طرائفَ ساخرةٍ ونقد سياسي صارم مقنع لا مجاملةَ فيه ، وحينما فاز بالمقعد النيابي عن محافظة الكرك لم يكن مرشحا عشائريا وحسب بل كان مرشحا وطنيا صوَّتَ له أغلب الشبابِ الذين عرفوه ؛ فهو ذو جاذبية بتواضعه وقربه منهم: مَنْ عرفَ منهم ومَنْ لم يعرفْ ، والحق أنني لم أُفْجَأْ بمواقفه في مجلس النواب لِمَا عرفته منه من نبل أخلاقي ودفاع عما يؤمنُ به من عدالة لا تتحقق إلا بالجهر بالحق والاستماتة في الدفاع ، وكأنَّ ما وقع من ظلم على مُرْتجيه قد وقع عليه هو ، وفي مجلس النواب لم يُطأْطِئ رأسَه لأيةِ عاصفة بل كان مُحَـصَّنًا بأكاديميَّة متزنة ، وبفروسية فكرية لا تتزحزح مهما كانت الرمالُ التي تحركها ، لقد اضْطُرَّ بفعل تلك الفروسية ألَّا يصانعَ أو ينافق بل ازداد قناعة بأن الحقَّ يعلو ولا يُعلى عليه ، طالبَ بسقوط وزراء فسقطوا وطالب برحيل رئيس وزراء فَأُقِيْلَ غير مأسوف عليه ، وكان هو أول من طالبَ برحيله قبل حراك الرابع ، وقد طالبَ بحل مجلس النواب الذي هو جزء منه لكن صوته لمَّا يُسْمَعْ بعدُ ، وحينما يحدثك الرجل تشعر كمْ هي مأساةُ الأردنيين بتغلغل الفساد والمفسدين في مفاصل الدولة وعروقها ، وحينئذٍ تُـسَـوِّغُ سببَ زيادةِ السكري وارتفاعَ الضغط في دمه ، وتشعر ساعتئذٍ أن الحكومة إن أرادتْ قصمَ ظهر الفساد واجتثاثه من أصوله فعليها الاستماعَ للنائب صداح وأمثالِه المغموسين في الوطنية حدَّ الاحتراقِ وهُمْ كثرٌ، إنه حالة وطنية تستحق الاحترام ولو كان في موقع تنفيذي متقدم لتغيرت أشياءُ كثيرةٌ في مصلحة الدولة ، قد حملَ صداح الوطنَ في قلبه ولم يحمله في جيبه وصدح بالحق حينما كانت كثير من الرؤوس تفتش لها عن مواقع شخصية بالمال المشبوه أو بالمناسف المنفوسة ،ولو أرادَ غيرَ ما هو فيه لكان له ما أراد لكنها الرجولة التي تقاس بها مواقف الرجال في مضاربِ الوطنية ويُعْرَفُ فيها المفسدُ من المصلح في ميادين الحق ، وما يُـرَى من غَضَباتٍ تتوالى في مواقفه ما هي إلا صورٌ عن خذلان الذين يعلمون ما يعلمُ ولكنهم لا يصدحون بما يصدحُ به ، فهواجسه وعواطفه ورجولته تتطابق مع عواطف الأردنيين ومواقفهم ورجولتهم ، وإن أراد صاحبُ القرار أن يعرفَ ما في أفئدةِ الأردنيين من هواجسَ ومتاعبَ ورؤى وسبلِ الخلاص فليبحثْ في وَجَعِ صداح الذي يختصرُ الحكايةَ كلَّها في مدينتهِ الفاضلةِ ، فإنَّ النبضَ بالنبضِ قد توحَّدَ والقلبُ واحد ، فالرجال الذين يحملون أوطانَهم على أكفِّهم كما تحملُ السحبُ الغيثَ على أجنحةِ الريح لا يتلونون ولا يُفْـتَـنُـون ، وإخالُ أن الشاعرَ الشَّنْفَرَى قد عَنَاه وعَنَى كُلَّ المُتْعَبِيْنَ بوطنيتهم المقدسةِ في قوله :
وإني لَحُلْوٌ إنْ أُرِيْدَتْ حَلَاوَتِي ومُرٌّ إذا نفْسُ العَزوْفِ اسْتَمَرَّتِ