شهر #رمضان يقترب… يا باغي #الخير أقْبِل
من رحمة الله بعباده وإكرامه لهم سبحانه أن هيأ لهم فرصًا ومناسبات في أيام زمانهم يكون الوصول فيها أسهل وتصبح الإعاناتُ مجانيةً للجميع، قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢]، فهناك مواسم ومناسبات يكون الوصول والدخول على الله سبحانه وتعالى في هذه المواسم بمواهب وهدايا ولطائف في يوم أو ليلة بلمحةٍ خاطفة من خفايا لطفه سبحانه، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إنَّ لِربِّكم عزَّ وجلَّ في أيَّامِ دهرِكم نَفَحاتٍ فتعرَّضوا لها لعَلَّ أحَدَكم أنْ تُصيبَه منها نَفحةٌ لا يشقى بعدَها أبدًا “. ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك.
في أولِ ليلة من رمضان تُصَفَّد الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، ويأتي المدد من الله الرحمن، بأن يأمر مناديًا ينادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصِر، فإذا بك ترى الاستجابةَ السريعةَ في كل مكان، المساجد امتلأت بالمصلين، وسمعت من النوافذ والأبواب صوت الأذان والقرآن، كثرت الصدقات، وتنوقلت المصاحف، وتنافس الأئمة في ختم القرآن.
فرصة ثمينة نادرة فيها الرحمة والمغفرة ودواعيها متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة ومردة الشياطين مصفّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟، ولا يهلك على الله إلا هالك، ومن لم يكن أهلًا للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها، ومن خاض البحر اللُّجاج ولم يَطْهُر فماذا يطهره؟!
إذا الروضُ أمسى مُجْدِبًا في ربيعهِ … ففي أيِّ حينٍ يستنيرُ ويَخصُبُ
يأتي شهر الصيام بالبركات، فأكرم به من زائرٍ هو آت، كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه يقول: “قد جاءكم شهُر رمضان، شهرٌ مبارك كَتَبَ الله عليكم صيامه، فيه تُفتَحُ أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم”.
اقترب شهر رمضان بما فيه من خيرٍ وبركة.. يحمل البشريات للعاملين.. ويبهج بطيب أيامه قلوب المتقين.. رمضان فرصةً للعابدين.. رمضان يأتي ليغسل ذنوب التائبين النادمين.. ليرفع في الجنة درجاتٍ المحبين الصادقين.. اقترب رمضان فهل من مشمر؟! جاء رمضان فإليكم بعض مناقبه؛ لعلكم تَقْدُرُونَ الضيف قَدْرَه، لعلكم تعرفون مكانته وفضله:
أولًا: رمضان هو الشهر الذي اختاره الله واصطفاه ليكون ميقاتًا لنزول كتبه ورسالاته، فهو شهر الصلة بين الأرض والسماء، يُنْزِل اللهُ فيه كلامه، ويخاطب فيه خلقه، ويبث فيه نوره، ويوحي فيه إلى صفوة عباده، فأعْظِم به من شهر، سببُ الخير، ومنبعُ النور، ومنطلقُ الرحمة، ومهبطُ البركة من السماء إلى الأرض
واختصه الله بصفة أخص بنزول أعظم كتاب لأعظم أمة، اختصه من بين الشهور بذلك فقال جل جلاله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥]، فالقرآن العظيم الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور نزل في هذا الشهر العظيم الفضيل، فهل بعد هذه مَنقبَة؟!
ثانيًا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “قال الله عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به “، استأثر الله سبحانه وتعالى بالصيام لنفسه سبحانه من بين سائر الأعمال:” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ “.
ثالثًا: المنقبة الثالثة من مناقب رمضان: فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، هذه من بركات الله سبحانه ورحماته وإكرامه لهذه الأمة فنحن أمة مرحومة، لَمَّا كانت هذه الأمة تتراوح أعمارها بين الستين والسبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك، أعطاها الله البركة في الأعمال، فالحسنة بعشر أمثالها، وقراءة حرف من القرآن بعشر حسنات، وليلة القدر في رمضان خير من ألف شهر.. هل تأملت هذا المعنى: خيرٌ من ألف شهر؟!، فوالله لا يُحرمُ خيرَها إلا محروم مخذول، وقيامها فيه غفران ما تقدم من الذنوب؛ فيالها من نعمة على المؤمنين سابغة.
تأمل معي: أنك لو قمت ثلاثينَ أو أربعينَ ليلةَ قَدْرٍ، كل ليلة ببضع وثمانين سنة؛ لصار عمرك أكثر من ثلاثة آلاف سنة، سبحان الملك!!، اللَّهم زدنا من بركاتك، اللَّهم وفقنا لقيام ليلة القدر ولا تحرمنا أجرها.
رابعًا: تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار.. هل استشعرت هذا المعنى أيضًا: أن أبواب الجنة تكون مفتحة لطلابها وتغلق فيه أبواب الجحيم، وليست هذه المَنقبة لشهر آخر من المشهور، فاعرف شرف الشهر العظيم.. ولست أدري إن لم تدخل الجنة وهي مفتحة الأبواب متى تدخلها؟، وإذا كنت لا تنصرف عن النار وهي موصدة الأبواب، وترجع راغبًا عنها فمتى تنصرف؟! عفا الله عني وعنك.
خامسًا: في رمضان تُسلسل الشياطين.. تُغلُّ مردة الجن.. تصير فيه الشياطين مكبلة مقيدة تثبتها الأغلال وتعرقلها القيود، وكل هذا لتنطلق النفس حرةً طليقة في أجواء العبودية لله جل جلاله، فماذا يمنعك من أن تكون بذولًا فيه للخير وقد قُيدت الشياطين؟!
هكذا أزيلت حجتك، وأبطلت أعذارك، وأزيلت معوقاتك؛ فلا شيطان يوسوس لك، ولا ماردًا يحاربك ويحجبك؛ إنما هي نفسك الأمارة وتسويلها بالسوء، أقبل وتخلص من سلطانها، كفانا الله وإياك شرها.
سادسًا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر” من أراد الطاعة في هذا الشهر الكريم فسبيلها سهلٌ ميسور، فأقبل بكل عزيمتك.. بادر بكل أشواقك.. ومن أراد معصية الله في هذا الشهر نودي: كُفَّ عن عصيانك واحذر..
يا باغي الخير أقبل.. فإنك مُعانٌ مُوفّق مسدّد.. ويا باغي الشر أقصر- فإنك مخذول منبوذ مطرود..
سابعًا: جماعية الطاعة في رمضان تبعث في النفس نشاطًا وثباتًا؛ فالناس كلهم صائمون، ويجتمعون في صلاة التراويح، والنفس من عادتها أنها تنشط عند المشاركة.
ثامنًا: في رمضان تجتمع أمهات الطاعات.. فالصلاة والصيام وزكاة الفطر فيه فرائض واجبة، ثم هناك تلاوة القرآن والذكر والدعاء والصدقة والعمرة وإطعام الطعام من المستحبات المؤكدات، وحصول هذه الطاعات وغيرها في هذا الشهر يجعله بمثابة توبة أمة؛ ولكن أين المشمّرون لاستغلال الفرص؟!
تاسعًا: في رمضان أسباب كثيرة لغفران الذنوب والعتق من النار، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
خذ هذه الغنيمة الذهبية… ثلاث فرص في شهر لمغفرة ما تقدم من ذنبك…ثلاث فرص لتتطهر من ماضيك وتبدأ صفحة جديدة على بياض
عاشرًا: رمضان فرصة لتدخل في زمرة الأكابر، جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ، فقال : يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا اللهُ، و أنك رسولُ اللهِ، وصلَّيتُ الصلواتِ الخمسِ، وأدَّيتُ الزكاةَ، وصمتُ رمضانَ، وقُمتُه، فممَّن أنا ؟ قال : من الصِّدِّيقين والشُّهداءِ”، سبحان الملك!، أمامك فرصة لتكون ممن قال الله فيهم: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]:، سبحان الله العظيم!، غنيمةٌ واللهِ وفرصٌ واللهِ لا تُعوض، سبحان الملك!، كم فرصة في الشهر للمغفرة والعتق، بل كم فرصة كل ليلة، حقًّا يا ويلهُ من فاتته تلك الفرص أو أضاعها.
وعن جابر بن سَمُرة قال: “صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ، فقال: آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين”.
الحادي عشر: سُنَّة الاعتكاف في رمضان تعد بمثابهّ غرفة عناية مركزة، لاستئصال سرطان الذنوب من القلوب..
الثاني عشر: لله في كل ليلة من هذا الشهر عتقاء من النار؛ فكن منهم تسعد في الدنيا والآخرة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:” إنَّ للهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عُتَقاءَ.”
هل تعرف معنى هذه الجملة؟ (اللَّهم أعتق رقابنا من النار) برغم أنها تتكرر كثيرًا على الألسنة، إلا أننا لم نتدبر معناها جيدًا كما ينبغي، لك أن تتصور في معنى العتق قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: ١٣ – ١٥].
ركز جيدًا على قوله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، تفهم حينئذ أن العتق هو الخروج من هذه الولاية، ألا تكون النار مولاك، وفي الآيات الأخرى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فالعتق: التخلي عن هذا المِلْك، ملكية النار للإنسان، سبحان الملك العظيم، أدركت الخطر المُدْلَهِم الذي تنجو منه بالعِتق، اللهم أعتق رقابنا من النار.. اللَّهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المرحومين، هذه فرصة عظيمة في هذا الشهر، فكاكُك من النار.
الثالث عشر: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة”، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاثٌ لا تُرد دعوتهم وذكر منهم “الصائم حتى يفطر”، أخي: هل لك إلى الله حاجة؟ أبشر.. مسموحٌ لك في ثلاثين حاجة، سبحان الله العظيم!، كم يشتهي الإنسان أشياء تُقْضَى بدعوةٍ عند الإفطار لأن قبل الإفطار في آخر النهار يكون الإنسان في أحسن حالات استشعار الانكسار، وإظهار الافتقار، ومَدِّ يد الضراعة، وبظهور الذل والحاجة، يستجيب الله دعاء الصائم المسكين.
اغتنم الفرصة واستعد قبل الغروب بتجهيز كشف المطالب والتبرؤ من العيوب، واجعل لنا نصيبًا في دعائك أيها الحبيب المحبوب، ولا تنس أن تجعل من دعائك دعاءً للأمة جميعًا أن يفرج الله عنها جميع الكروب.
الرابع عشر: الصيام يشفع لأهله يوم القيامة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه؛ فيشفعان”
الخامس عشر: قوله – صلى الله عليه وسلم -: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه” ، وكم يشتهي الإنسان في هذا الزمان وسط الحزن والنكد، والهم والألم فرحةً تُسعِد قلبَه، وينشرح لها صدرُه؛ فإذا به عند الإفطار يجد فرحةً عظيمةً بثها الله في قلبه، فأما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا مُنِعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر؛ فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه؛ فإن النفوس تفرح بذلك طَبْعًا، فإن كان ذلك محبوبًا لله كان محبوبًا شرعًا.
وأما فرحته عند لقاء ربه فبما يجده عند الله من ثواب الصيام مُدَّخَرًا، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال الله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: ٢٠]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: ٣٠]، وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧]. ومن أهم مميزات الصيام أنه لا يحبط بالقصاص في أداء مظالم العباد.
قال سفيان بن عيينة -رحمه الله: فإذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.
السادس عشر: رمضان شهر التقوى: قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: “لما كان المقصودُ من الصيام حبسَ النفس عن الشهوات، وفطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حِدَّتها وسَوْرتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحُبْسَ قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو وكل قوة عن جماحه، وتُلجم بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضةُ الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال.
فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، وهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يَطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده؛ فهو أمرٌ لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم. وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحِمْيتُها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] “.