
شهداء الواجب
إن ما حصل في بلادنا هذه أمور عظيمة من سفك للدماء المعصومة من مسلمين مؤمنين بغير حق – يسهرون على راحة أهلها وأمنهم في جميع الضروف والأزمات – وانتهاك للحرمات وإرهاب لعباد الله المؤمنين وترويع للآمنين وإتلاف للأموال العامة والخاصة من قبل أناس غلو في دين الله فحصل منهم من الشرور العظيمة والمخازي المؤلمة ما يندى له جبين أهل الحق وأهل السنة . وإنه قد اتفقت كلمة علماء أهل السنة ، على حرمة هذه الأعمال لما فيها ( من اعتداء آثم وإجرام شنيع وهو خيانة وغدر، وهتك لحرمات الدين في الأنفس والأموال ، والأمن ، والاستقرار، ولا يفعله إلا نفس فاجرة ، مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه، ولا في بشاعة جرمه وعظيم إثمه والآيات والأحاديث في تحريم هذا الإجرام وأمثاله كثيرة معلومة) .
.
وإن من أهم الأسباب فيما جرى من تلك الأحداث الإرهابية المؤلمة هي الغلو في الدين ، والتكفير، فنتج عن ذلك التفجير والترويع وسفك الدماء بغير حق .
.
واجتمع مع ذلك تسفيهُ العلماء وازدراؤهم وإسقاطُ مكانتهم في نفوس الناس حتى يستطيعوا إلقاء ما يريدون بلا حجة ولا بينة من كتاب الله ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحتى ينصرف الناس عن علمائهم الكبار فلا يعرفون – بعد ذلك الحق من الباطل .
.
فأول سبب من أسباب الشر والفساد والفتنة هو الغلو:
.
فالغلو مذموم في الشريعة ،،،
ومتى ما التزم الناس بالسنة واستقاموا على شرع الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، سلموا من الغلو والتقصير ونجوا منهما ، ومتى ما ارتكب الناس المنكرات ووقعوا في المعاصي والموبقات ، وقعوا في الهلاك والعياذ بالله.
.
يقول الله تعالى :
( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ، ( البقرة: من الآية143)
.
فدين الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وسط بين الغالي فيه والجافي عنه وبين المفرِّط فيه والمقصر عنه ، فلا غلو ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط ، بل حنيفية سمحة ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، ومن أجل هذا جاء الدين الاسلامي بعقيدته وشريعته على حد سواء ، وبفضل الله ولطفه وحكمته ميسوراً فهمُه ، سهلا العملُ به ، يسعُ الناس أجمعين ، ويطيقُه كلُّ المكلَّفين .
.
دين الإسلام رخصة بعد عزيمة ، ولين من غير شدّة ، ويسرٌ من غير عسر . من أجل ذلك جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم واضحاً عن الغلو في الدين ومجاوزة الحد الشرعي المأذون فيه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :
.
” إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ” .
.
فالغلو هلاك في الدنيا وهلاك في الآخرة.
والسبب الثاني من أسباب ما حصل في بلادنا من إرهاب هو التكفير للمسلمين بغير حق :
.
فالتكفير حق لله ولا يجوز لأحد أن يكفِّر مسلماً بمجرد الشبهة أو الظن لما يترتب عليه من الأحكام الخطيرة . ومن رمى مسلماً بما ليس فيه فقد تعرَّض لسخطِ الله وعقوبتِه ، كما قال صلى الله عليه وسلم :
” من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال .. ”
.
بل إن الأمر قد يصل إلى أعظم من ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم :
.
” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ” .
.
فكيف يحل لمسلم أن يكفر مسلماً بعد هذه النصوص الواضحة في حرمة هذا الفعل؟! .
.
أما السبب الثالث لما حصل فهو : الجهل بدين الله ،،،
.
الجهل بدين الله عز وجل ، ووجود أناس من الصغار في السن والعلم والفهم يؤيدون منهج الخوارج والإرهابيين ويناصرون مذهبهم ، ويصدِّرون لهم الفتاوى بجواز ما يقومون به من الإفساد والقتل والتدمير والتفجير ، ويقولون لهم : إن هذا من الجهاد في سبيل الله ، وأنتم بفعلكم هذا تقدمون مهراً للحور العين ، ونحو هذا من الكلام الفارغ الذي ليس له مستند من شرع ولا أثارة من علم وربما ترحموا عليهم بقولهم لقد قتل الشهيد فلان ، ثم إذا نظرت إلى شهيدهم المقتول فإذا هو من أرذل الناس عملاً وأفسد الناس صنعاً، أو هو قاتل لنفسه أو هو مرتكب لأعظم الذنوب عند الله ألا وهو سفك الدماء المعصومة بغير حق.
.
وهذا من الضلال والعياذ بالله ، فليست هذه الأعمال من الدين ، ومن قتل فيها فليس شهيداً … بل هو شر قتيل ومن قتلوه هم خير الناس بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رَأَى – الصحابي الجليل – أَبُو أُمَامَةَ – رضي الله عنه – رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: ” كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ” ثُمَّ قَرَأَ “يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ”، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قُلْتُ لِأَبِي أُمَامَةَ أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ” .
.
أما الحكم على القتيل في المعركة بأنه شهيد فلا يجوز، وذلك لما ورد في صحيح البخاري قال : بَاب لَا يَقُولُ فُلَانٌ شَهِيدٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ”.
.
وهذا يقال فيمن يجاهد الكفار الجهاد الشرعي بشروطه فكيف بحال هؤلاء الخوارج الإرهابيين السفاكين للدماء المنتهكين للحرمات ، المقتولين نتيجة غدرهم وخيانتهم وظلمهم وترويعهم للنساء والأطفال والرجال من المسلمين ، فكيف يكون هؤلاء شهداء ؟!
.
وهذه مخازيهم وأعمالهم التي هي أبعد ما يكون عن شريعة الله.
.
وحتى لو كان الرجل يجاهد المشركين وقتل فلا يجوز الحكم عليه بأنه شهيد ولا يجوز القول بأنه شهيد ، لأنك لو حكمت عليه بالشهادة فقد حكمت عليه بدخول الجنة ، وهذا تحكم منك في أفعال الله تعالى لأن إدخال الحنة أو إخراج الناس منها أمر مختص بالله تعالى. لا يعلمه إلا الله تعالى .
أيها الناس : وتنبهوا لمكائد أعدائكم وما يريدونه منكم ومن بلادكم .
.
ولا يسعنا إلا أن نترحم على شهداء الواجب الذين ارتقوا الى ربهم وهم صيام في شهر رمضان المبارك ، سائلين الله عز وجل أن يغفر لهم ويحشرهم في جنات النعيم …
.
ويبقى أن نقول كلمة :
.
إن الحفاظ على أمن البلد وسلامته ليس منوطا برجال الامن والقوات المسلحة فحسب ، بل هو مسؤولية الجميع بلا استثناء ، كل حسب موقعه …
.
حمى الله الأردن …
.
.
حسام عبد الرؤوف علي القصاص
عضو رابطة علماء الأردن