شهادة خلو أمراض !

” شهادة خلو أمراض ! ”
د. محمد شواقفة

فاجأتنا الأخبار بأن هناك سائق شاحنة قدم قبل عدة أيام عبر حدود العمري قد ثبتت إصابته .. لم يكن الخبر بحد ذاته صادما أو ربما مخيبا للآمال لكن التفاصيل فعلا أقلقتنا كثيرا … فالمواطن دخل الحدود بعد ان تم الكشف عن حرارته و توقيعه على تعهد بالتزام الحجر المنزلي … و الذي لم يحدث أبدا … و رغم ذلك عاد المحترم للحدود التي بدورها أعادته لجلب شهادة خلو من المرض بناء على طلب الدولة المستضيفة … و في مستشفى خاص اكتشف انه مصاب بالمرض . و حاليا تم عزل منطقة سكنه و يجري البحث عن مخالطيه المحتميلن. و خسرت مدينة اربد سجلها النظيف الخالي من الاصابات لعدة ايام متتالية!

في نهاية الثمانينات لم تكن الظروف المالية جيدة و حصلت حينها على بعثة للاتحاد السوفييتي بهندسة اتصالات – طيران … و كنت فعلا عازما على المغامرة مع أنني كنت أطمع أن أحصل على مقعد طب رغم معارضة أمي و توجس أبي … و لكنني كنت متشوقا للخروج من القرية و استكشاف العالم الذي لم أكن أعرف منه أي شئ… و كان من ضمن طلبات القنصلية السوفييتة حينها حزمة من الاوراق و الوثائق و من ضمنها شهادة خلو من الإيدز … لم أكن حينها واسع الثقافة و الاطلاع و أسمع عن المرض بأنه خطير و مرتبط بالممارسات الخاطئة عند الشباب … فبغريزتي و كوني لا أملك سواء ما يزيد قليلا عن أجرة الباص لإربد قررت مجبرا العودة و التفكير بهذا الطلب الغريب.

لم أجد أحدا يعرف أي شئ عن هذا الفحص و قد دلني أحد العارفين بأن هناك طبيبا في أربد يستطيع أن يساعدني في هذا الامر … و بالفعل ذهبت إلى عيادته التي كانت خالية تماما … فذهبت للخارج ابحث عنه فوجدته جالسا على كرسي في الشارع بمساعدة احد جيرانه. شرحت له مطلبي … و نظر إلي مطولا و سألني : هل عندك أي أعراض أو تعلم أنه لديك إيدز؟ .. و بالطبع كانت اجابتي بالنفي… ختم الورقة و وقعها و دفعت حينها خمس ليرات.

مقالات ذات صلة

لم تثنيني توسلات أمي و لا خشية والدي عن مواصلة إجراءات السفر … فذهبت للسفارة السوفييتية لأجد ان هذه الشهادة من الطبيب لا قيمة لها و ان هناك مستشفى وحيد في العاصمة معتمد لهذه الغاية ..و فعلا ذهبت يومها بتاكسي و قد كانت تجربة جديدة لي … و دخلت وانا متهيب من فحص الايدز .. و قد دلني بعض فاعلي الخير بعد معاناة حقيقية على المختبر الذي طلب مني بدوره أن أحضر وصلا بقيمة 10 دنانير قبل ان اقابل الطبيب الذي اخبرني بأنه من المستحيل أن يكون عندي إيدز… و وقعها و ختمها بدون أي نقطة دم.

لم أسافر و بقيت في الأردن و لكنني بعد اكثر من ثلاثين عاما افكر كيف عرف طبيب الشارع و طبيب المستشفى انني خال من الايدز ؟!… و لن اسامحهما على ما دفعت لهما ….

يا حكومتنا العزيزة … غالبية الاصابات حضرت من الخارج … تطلبون شهادة خلو من الكورونا … و تعهد .. توفرت لي في ايام الابيض و الاسود و بمرض لم يكن فحصه متوفرا … هل تمزحون ؟!.

” دبوس على التخبيص ! ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى