#شعب #مناضل
د. هاشم غرايبه
نشر أحد المهتمين بالتاريخ الوطني للشعب الأردني، #وثيقة محفوظة في #المكتبة_الوطنية ، يعود تاريخها الى عام 1953، وهي عبارة عن #عريضة #احتجاج موقعة من شباب قريتي ( #حوارة )، وموجهة الى رئيس الوزراء آنذاك “توفيق أبو الهدى” وتتضمن استنكارا وشجبا لإغلاق خمسة من الصحف اليومية، حيث اعتبرت ذلك تكميما للأصوات الوطنية ومقدمة لتزوير الانتخابات القادمة.
ما استوقفني في هذه العريضة جملة أمور أهمها:
1 – موقف أهل القرية الجريء هذا ينبئ عن وعي الشعب العالي لخطورة الاجراءات العرفية على الديمقراطية، في الوقت الذي كان عدد سكانها لا يصل الى ألف نسمة، كان عدد الموقعين كبيرا نسبيا خاصة إذا ما علمنا أن القمع كان على أشده.
2 – لا شك أن هذا الحس الوطني العالي لم يكن مقتصرا على هذه القرية بل يمثل عينة عشوائية لما كان يجري في كافة بقاع الأردن من تصد لسياسات النظام، واذا ما أخذنا بعين الاعتبار ضعف وسائل التواصل والاتصال وحالة التعتيم الإعلامي الرسمي، فإننا نجد أن ما وصل الى علمنا نزر يسير مما كان يجري من نضالات مجيدة.
3 – من خلال معرفتي بالأسماء، تبين لي أن الموقعين كانوا متباينين في توجهاتهم السياسية، لكنهم توحدوا على الهدف الأسمى، وهو التصدي للإستعمار البريطاني، الذي كان النظام مرتبطا به عضويا، هذا الموقف في الوقت الذي يبعث على الفخر فإنه يثير الأسى على حال القوى الوطنية هذه الأيام، والتي يفترض أنها ورثت هذه الأمجاد لكنها استبدلت ذلك بالتشتت والمناحرة فيما بينها، ووصل الأمر ببعضها الى تأييد المستبدين الطغاة نكاية بمن يخالفونهم فكريا.
4 – يتبين من أسماء الصحف المغلقة أنها كانت تمثل كافة الاتجاهات السياسية، وإذن فلا صحة لما أشاعته القوى اليسارية، أن الحكومة كانت تمالئ الاسلاميين وأنهم حلفاؤها، من ذلك يمكننا إدراك حجم التراجع في وعي القوى السياسية التي تمثل أحزاب المعارضة الحالية، فبعضها يكيد لبعض، لهذا رأى النظام أنه قد آن له أن يمد قدميه، فتراجع عن إجراءات تصالحية مع الشعب كان وعد بها بعدما أدرك أنه لم يعد في ساحة العمل الوطني على عرضها من هم في وعي أولئك الموقعين على عريضة حوارة.
5 – لقد ناضل #الأردنيون للحصول على #الديمقراطية التي هي مفتاح التطور والتقدم، وفي ظنهم أن الانكليز هم العقبة، لكنه اكتشفوا أن الارتباط والتبعية للأمريكان أكثر سوءا، لأن ذلك يرهن القرار السياسي والاقتصادي وفق مصالحهم ومصالح اتباعهم في الكيان اللقيط، وذلك لن يكون في مصلحة شعب الأردن قطعا.
6 – للموضوعية والانصاف فإن نظام الحكم الأردني، ورغم بعده عن الاستجابة لتطلعات وآمال الأردنيين، إلا أنه لم يمارس التنكيل بشكل منهجي مثل الأنظمة العربية المجاورة، وبقي محافظا على شعرة معاوية في التنفيس كلما شعر أن الضغوط تفاقمت، فلم يعتبر الموقعين على عرائض الاحتجاج عملاء وخونة، ولم يستعمل القوة العسكرية ضد المتظاهرين على أنهم عصابات مسلحة، ولم ينكل بالمعارضين على ادعاء بأنهم إرهابيين، كما أنه لم تسجل حالة واحدة من من ضياع في الأقبية تحت مسمى مفقودين.
في المقابل ظلت المعارضة رشيدة، فلم تصعد بحيث توصل الأمور الى التأزم والاستعصاء، لهذا كله نجت البلاد من ويلات التدمير الذاتي وليس بفضل الضبط الأمني أبدا.
أخيرا أرجو أن يكون فيما ذكرت عبرة وعظة: فيدرك النظام قبل فوات الأوان ميزة امتثاله لتطلعات الشعب ومطالبه، لأنها هي وحدها الكفيلة بالمحافظة على الأمن، فلا نظام يقمع شعبه يمكن أن ينعم بالأمان، وثبت في ثورات عام 2011 أن رضى الأمريكان واليهود لم يسعف الأنظمة عندما تهاوت.
والأهم أن تعود المعارضة الوطنية الى رشدها، فانفصالها عن مبرر وجودها الذي هو تمثل آمال وتطلعات الشعوب العربية، وتحول نضالها الى تمجيد الأنظمة الساقطة، سيؤدي الى سقوطها نهائيا.