شعب شكاء بكاء لا تصدقه #الحكومات / #ماهر_أبوطير
سأقول لكم سرا، فالحكومات في الأردن لا تصدق كل التذمر الشعبي، الذي يقال في الجلسات وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تعتبر الشعب شكاء بكاء ومتطلبا بطبيعته الاجتماعية.
هذا شعب شكاء بكاء، تعبير قاله لي مسؤول رفيع المستوى في مكتبه ذات مرة وهو يحاول اقناعي ان علي ألا اصدق كل هذا الكلام الذي يقوله الناس، والمسؤول يشير الى ان العائلات المحتاجة مثلا قد تستلم مالا من التنمية الاجتماعية، ومن عدة صناديق، ومن متبرعين، لكنها تواصل الظهور بصورة العائلات الفقيرة من اجل استجلاب المزيد من المساعدات النقدية والعينية.
الارقام لدى الحكومات تختلف عما نقوله لبعضنا بعضا، فمثلا كانت الايام قبل العيد، وحتى مساءات هذه الايام غريبة جدا، فأطنان السيارات تسير في الشوارع حتى منتصف الليل، وانا هنا اتحدث عن عمان، ولا كأن الوقود ارتفع، وكأننا في احسن احوالنا الاقتصادية والاجتماعية.
المثير هنا ان جهات معينة سربت معلومات حول ان استهلاك البنزين في الاردن، ارتفع ما بين 10 بالمائة الى 15 بالمائة، خلال الشهرين الاخيرين، برغم ارتفاع اسعار الوقود فيهما، ولا يمكن هنا تبرير ذلك بوجود المغتربين، فقط، لان الاستهلاك تجاوز كل التوقعات، وقد يرتفع اكثر.
ذات مرة وقبل اكثر من 10 سنين، قال لي رجل اعمال يستثمر في قطاع الالبان، وكان القطاع على وشك رفع اسعاره، ان لكل شعب موديله ومزاياه الخاصة به في الاستهلاك، فهناك شعوب ينخفض استهلاكها اذا ارتفع سعر سلعة ما، وهناك شعوب ومنها الشعب الأردني، يزيد استهلاكه للسلعة التي ارتفعت من باب المباهاة والفخر بكون رب العائلة قادر على جلبها حتى لو ارتفعت، ولهذا سوف يزيد استهلاك الالبان، مع رفع الاسعار في ذلك الوقت، وهذا ما حدث فعلا، حين عاد لي بعد ثلاثة أشهر ليقول ان مبيعاته ارتفعت، ولم تنخفض برغم التغير على الاسعار.
كل ما سبق قد لا يحب البعض تصديقه، لكنها مؤشرات تلتقي ايضا مع زيادة تحصيلات ضريبة الدخل، وضريبة المبيعات المفروضة على الاستهلاك، وتحصيلات المبيعات لا يمكن ان ترتفع لولا البيع، والاستهلاك بشكل كبير، وهذا يعني ان الارقام لدى الحكومات تقول شيئا يشجعها دوما على المضي في سياسات رفع الاسعار، مثلا، على اساس وجود “سيولة مخفية” ايضا في البلد.
يرى كثيرون ان الشكوى باتت طبيعة اجتماعية، فلا الغني يسكت، ولا الفقير يصمت، والكل يئن ويصرخ، لكن الارقام تقول شيئا مختلفا، وهناك قطاعات كثيرة، ازدهرت خلال الاشهر الماضية، وليس ادل على ذلك من ارتفاع الصادرات، ويبرر البعض استمرار الشكوى بكونها طبيعة، حتى لمن لديه مال، فالكل اعتاد على هذا النمط، والكل يريد ابعاد الحسد عنه، وعن دخله، وحياته.
هذه الآراء خطيرة في المجمل، لأنها وإن صحت، قد تؤدي الى اهمال تزايد مستويات الفقر، وتركها لتتعمق، خصوصا، انه لا يمكن تعميم هذه المؤشرات على كل الأردنيين، فهناك وفقا للاحصائيات اكثر من مليون فقير اردني، كما ان بقية المجتمع تعمل بوظائف قليلة الدخل.
ايضا هناك مليون بيت أردني يستفيد كليا او جزئيا من حوالات المغتربين الشهرية، وهناك الطبقة الوسطى، ولا احد ينكر وجود اختلالات في توزيع الدخل، مع كثرة الالتزامات المالية على الناس، الذين للأمانة لا يغيرون انماط انفاقهم ، كما ان الاستدانة من الافراد الى الافراد، وعبر بطاقات التسهيلات والبنوك وغير ذلك قد تفسر مظاهر النشاط الاقتصادي الخادعة.
كل الذي نقوله ونكتبه حول الفقر، وتراجع مستويات الحياة، لا تصدقه الحكومات، والسبب كما اشرت انها تعود الى ارقامها، فالبنزين يرتفع سعره، لكن استهلاكه يزيد ولا ينخفض، واسعار السلع ترتفع، وبالمقابل تحصيلات ضريبة المبيعات ترتفع، وارقام التدخين والاتصالات، ترتفع ولا تتراجع، برغم ان الكل يصيح ويئن، وهكذا صارت النظرية السائدة، ان التذمر طبيعة تلتصق بنا، بما لا يمنع من اتخاذ اجراءات اضافية كل فترة، مع الايمان لدى المسؤولين ان هناك “سيولة مخفية” في الأردن تقدر بالمليارات، يخنقها اصحابها في وسائد النوم، وتحت بلاط غرف نومهم.
من يفتينا في هذه القصة المعقدة، أيها القوم، حتى لا تتوحش سياساتنا الاقتصادية اكثر؟!.
الغد