شرير أم مضطهد .. قراءة في شخصية ” الجوكر” الثورية (فيديو)

سواليف _
تلقى فيلم “الجوكر” المثير للجدل كثيرا من التعليقات الإيجابية من النقاد لما يتسم به بطله من عنف يعبر عن ثورته ضد مجتمع قاسٍ وغير عادل، بينما تساءل نقاد آخرون إن كان تطبيع الفوضى في الثقافة الشعبية يغذي اللامبالاة بشأن الخير والشر في مجال السياسة والحياة العامة ككل؟

وقالت الكاتبة دينا خابايفا في مقالها الذي نشره موقع “بروجيكت سانديكيت” الإنجليزي إن الفيلم يروي قصة آرثر فليك وهو مريض نفسي يعيش وحيدا، وكان يعمل مهرجا وحاول أن يصبح كوميديا، غير أن جهوده لاقت الرفض، وتعرض للإهانة، فقرر الانتقام من المجتمع عبر تحوّله إلى قاتل مثير لأعمال شغب تستهدف الأثرياء.

ورغم فوز “الجوكر” بجائزة الأسد الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لهذا العام، فإنه أثار انقسامات كثيرة بين النقاد وتلقى تعليقات إيجابية عديدة ممن أشاروا إلى أن ممارسات البطل العنيفة تمثل عملا شجاعا يعبر من خلاله عن آرائه ومواقفه، في حين عبر بعض النقاد عن استيائهم من الشخصية الرئيسية، في إشارة إلى صفات الجنون والقسوة التي تتسم بها.

وعلى عكس شخصية القاتل في عمل دوستويفسكي الروائي “الجريمة والعقاب”، كان الجوكر مهووسا بالثأر ويرتكب جرائمه بأعصاب باردة، فضلا عن عدم شعوره بالندم إزاء القيام بها.

ازدواجية
ذكرت الكاتبة أن مخرج الفيلم تود فيليبس يشعر بالحيرة إزاء ازدواجية المعايير المطبقة على فيلمه، ونقلت قوله “لقد شاهدت فيلم جون ويك3 الذي كانت شخصيته الرئيسية رجلا ذا بشرة بيضاء قتل قرابة 300 شخص، وقد كان الجميع يضحك ويصرخ عند مشاهدته، لذلك لا أفهم لماذا تطبق على هذا الفيلم معايير مختلفة؟!”.

من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل: هل يجب أن يكون المجرم المضطرب عقليا بطلَ الرواية في فيلم ينتقد النظام الاجتماعي القائم؟ وهل يُعدّ الجوكر وأمثاله والأفلام التي تسلط الضوء على الوحوش الدموية والعنف غير المقيد -في الحقيقة- أفضل وسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية؟
اعلان


وصرّح ديفد سيمز لمجلة “أتلانتك” قائلا إن “الجوكر هو بالكاد أول فيلم في التاريخ يركز على بطل مثير للقلق. وفي الواقع أشيد بالعديد من الأفلام التي تصور الزومبي أو آكلي الأدمغة أو مصاصي الدماء أو القتلة المتسللين باعتبارها انتقادات للاستغلال الرأسمالي والإمبريالية الأميركية والاضطهاد النوعي والعنصرية النوعية”.

الوحش المنبوذ
أوردت الكاتبة أن فكرة الوحش القاتل الذي قد يرمز إلى المُعارض أو المنبوذ الذي يستحق الشفقة، نشأت مع الفيلسوفين الفرنسيين جيل دولوز وبيار فيليكس غوتاري. وتحدّت هذه الفكرة تفسير رينيه جيرارد لأصول العنف غير العقلاني والكراهية ضد الآخر (الأقليات العرقية أو الدينية التي شُوِّهت وكانت ضحية) نظرا لأن دولوز وغوتاري وسّعا مفهوم الآخر ليشمل مصاصي الدماء، وهو ما من شأنه أن يمهّد الطريق أمام تحول مثالي في فهم “وحوش القتل” باعتبارها الآخر.

وأصبح هؤلاء الأنصار على نحو متزايد محور الاهتمام الأكاديمي والنقد الثقافي والثقافة الشعبية بحد ذاتها.

تحولات فلسفية
يستند هذا التركيز على التعاطف تجاه مرتكبي العنف الشديد عموما، إلى تحول أيدولوجي في الموقف الفلسفي تجاه البشر يعكس تأثير النقد الراديكالي للإنسانية ورفض مركزية الإنسان التي عبرت عنها بشكل خاص حركة حقوق الحيوان ودعاة ما بعد الإنسانية في الثقافة الشعبية منذ التسعينيات.

وأوضحت الكاتبة أن القصص التي تجمّل العنف من جانب الوحوش ضد الشخصيات الإنسانية سرعان ما أصبحت سلعة رائجة، وذلك من خلال إضفاء الشرعية على ما كان ينظر إليه على أنه الترفيه المتدني.

وحول الآثار الاجتماعية والسياسية لتطبيع الفوضى في الثقافة الشعبية، وصفت ستيفاني زاخاريك في مجلة “تايم” فيلم “الجوكر” بأنه تمرين على “العدمية الساحرة”، حيث ألهمت الشخصية الرئيسية “الاضطراب والفوضى”، فضلا عن أن الفيلم أثار بالتأكيد نقاشًا جديدًا حول العلاقة بين العنف الوهمي والعنف الواقعي.

قلق
نشرت عائلات ضحايا إطلاق النار الجماعي على سينما عام 2012 في أورورا بكولورادو قبل إطلاق فيلم “الجوكر” رسالة تعبر عن قلقهم إزاء الفظائع التي صوّرها الفيلم، نظرًا لأن إطلاق النار في أورورا وقع أثناء عرض فيلم آخر من أفلام شركة “وارنر براذرز”.

وفسرت الكاتبة أنه بينما نصحت الشركة في بيانها الجمهور بعدم الخلط بين الخيال والواقع، لخص جواب فينيكس التغييرات في الثقافة الشعبية خلال العقود الأخيرة عندما قال “لا أعتقد أن مسؤولية المخرج تتمثل في تعليم الجمهور القيم الأخلاقية أو الفرق بين الخطأ والصواب”، ومع ذلك ،إذا كان الجوكر دعوة للتغيير الاجتماعي فإن الفيلم يدور في النهاية حول معرفة الصواب من الخطأ من الناحية الأخلاقية ومن وجهة نظر العدالة الاجتماعية.

شرير أم مضطهد؟
أوردت الكاتبة أن زاخاريك رصدت التناقض الأساسي في صورة الجوكر، وتساءلت قائلة “هل يعدّ شريرا أو متحدثا باسم المضطهدين؟ يريد الفيلم ذلك في كلا الاتجاهين”، ووافقها سيمز من مجلة “أتلانتيك” الرأي قائلا إنه “على الرغم من أن فيليبس يصور الجوكر على أنه الشرير، فإنه يصبح تجسيدًا للعدالة في الفيلم”.

وأشارت إلى أن النقاد لم يشرحوا طبيعة هذا التضليل، حيث يُعتبر الجوكر رجلا مجنونا تُفهم أعماله العنيفة وتُنفذ على أنها تسلية، عوضا عن اعتبارها دعوة إلى الثورة أو التغيير الاجتماعي.

وبدلاً من إلهام جمهوره الاحتجاج على الظلم الاجتماعي، ينقل الفيلم أفكارا معادية للإنسانية، وتدحض جذريا القيمة الاستثنائية للحياة الإنسانية والحرية الديمقراطية.

ومع أن زاخاريك محقة في قولها إن “الأفلام لا تسبب العنف”، فإنها قد تشكل أفكارنا حول ما هو مسموح به؟ وكيف يمكن للعنف ضد البشر على الشاشة ألا يؤثر على قيمة الحياة والكرامة الإنسانية؟
اعلان

وبيّنت الكاتبة أنه إذا كانت الثقافة لا تنفصل عن السياسة كما يعتقد فينيكس، فيمكن أن يغذي تطبيع الفوضى في الثقافة الشعبية اللامبالاة في التمييز بين الصواب والخطأ في الحياة العامة على نطاق واسع، ولكن إلى أي مدى أثرت هذه اللامبالاة على سلوك الرجل الذي يرأس البيت الأبيض حاليًا؟

المصدر : الصحافة الأميركية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى