شركات الجنوب الزراعية: قصة أربعين عامًا من إهدار مياهنا الشحيحة

سواليف

كانت #المياه تتدفق بغزارة من ماسورة مكسورةٍ على طرف أحد حقول #شركة_رم_الزراعية في #صحراء #حوض_الديسة، وتصب في واحد من الأخاديد المحيطة بالمزرعة، التي حفرتها إدارة الشركة لمنع دخول السيارات إليها. وفي الجدول المنساب في الأخدود، نبت شريط طويل من شجيرات القُصَّيب التي لم يكن حجمها وكثافتها، في قيظ شهر تموز،[1] يوحيان بأن #الماسورة_مكسورة منذ زمن قريب. علّق عوض المزنة الزوايدة (41 سنة)، ابن قرية المنيشير القريبة من المزرعة بأن هذا مفهوم، لأنها «مي ببلاش».

لقد كان يشير إلى حقيقة أن الشركة، ومنذ بدأت عملها في المنطقة منتصف الثمانينيات، تستهلك مياهها الجوفية مجانًا. وهو امتياز نص عليه تعاقدها آنذاك مع الحكومة، هي وثلاث شركات زراعية خاصة أخرى في منطقة المدورة التي تبعد عن هذه الشركات أكثر من 80 كم، وتتبع لمحافظة معان. امتياز، نالته هذه الشركات مقابل التزامها بزراعة #القمح والحبوب وإنتاج #الثروة_الحيوانية، وذلك ضمن خطة حكومية لتحقيق #الأمن_الغذائي الوطني، وهو التزام لم ينفذ «قطّ» كما هو مفترض.

إضافة للمياه المجانية، حصلت هذه الشركات على حق استغلال ما يزيد على 100 ألف دونم من #أراضي_الخزينة في المنطقة لـ25 سنة، مقابل أجرة رمزية هي عشرة قروش للدونم الواحد سنويًا. وكان من المفترض أن تمتد مهمّتها «الوطنية» لتشمل المساهمة في تنمية المجتمعات المحلية المهمشة، التي تعمل فيها، وتشغيل أبنائها. لكن عوضًا عن ذلك، يقول مسؤولون حكوميون سابقون ودراسات، إن هذه الشركات اعتمدت بشكل أساسي على العمالة الوافدة. كما استنزفت مياه الشرب غير المتجددة لحوض الديسي في زراعة خضروات وفواكه صُدّر قسم منها إلى دول الخليج وأوروبا، ووُرّد الباقي للسوق المحلي، لينافس محاصيل صغار المزارعين في مختلف مناطق المملكة. وعندما تغير نظام مراقبة المياه الجوفية عام 2002، وبدأت الحكومة باستيفاء أثمان المياه من مالكي الآبار الزراعية، لم تستطع إلزام هذه الشركات بدفع أثمان المياه التي تستهلكها.

ومع ذلك، يذكر عوض، عضو الجمعية الزراعية وجمعية المتقاعدين العسكريين في المنطقة، خدمةً كانت هذه الشركات تقدّمها للمجتمعات المحلية، إذ كانت في نهاية مواسم المحاصيل، تفتح حقولها لأصحاب الحلال من أبناء المنطقة ليدخلوا بأغنامهم كي ترعى في بقايا المحاصيل. وكان هو نفسه يذهب وهو طفل ليجمع البقايا لحلال عائلته.

حاليًا، شركة «رم»، المملوكة لمجموعة شركاء، على رأسهم رجل الأعمال صبيح المصري، هي الشركة الوحيدة الباقية من بين الشركات الأربع. فقد خرجت شركات المدورة بعد انتهاء عقودها بالتزامن مع تنفيذ مشروع نقل مياه الديسي عام 2013، الذي قالت مصادر حكومية إن الجهة المموّلة له اشترطت وقف النشاطات الزراعية الضخمة في المنطقة كشرط للتشغيل. لكن الحكومة التي تمكنت من إخراج شركات المدورة لم تستطع فعل الأمر ذاته مع «رم»؛ ففي حين تنص عقود شركات المدورة على أن التجديد يتم بموافقة الطرفين، فإن عقد «رم» ينص على أنه «يجدد تلقائيًا»، أي دون شرط موافقة الحكومة. ورغم أن الحكومة أعلنت وقت انتهاء عقد الشركات الأخرى، أن ارتكاب رم لمخالفات يشكل منفذًا قانونيًا لإنهاء عقدها، إلّا أنها ما زالت مستمرّة في نشاطاتها الزراعية. وإضافة إلى ذلك، تبيع الشركة الآن المياه للحكومة، إذ تستأجر شركة مياه العقبة منها عدة آبار لتغطية قسم من احتياجات المدينة.

كيف دخلت شركات الجنوب؟

بدأت القصة قبل دخول هذه الشركات ببضع سنوات. في عام 1979، كانت المساحة المروية في المملكة تشكل 7% فقط من مجمل المساحة الزراعية.[2] لكن، وبعد موجة جفاف أصابت المملكة وضربت الزراعة البعلية فيها، توجهت الحكومة نحو التأسيس لمشاريع إنتاج حبوب وأعلاف تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار القمح والطحين محليًا وعالميًا. مشاريع تسهم، كما قيل تلك السنة في إحدى جلسات المجلس الاستشاري (الذي حل محل مجلس النواب في فترة الأحكام العرفية)، في تفويت الفرصة على الدول التي كانت تستخدم القمح سلاحًا سياسيًا في تعاملها مع الدول الفقيرة.[3]

ولتجاوز حالة الجفاف وقتها، طُرِح استثمار المياه الجوفية في منطقتيْ الأزرق والجنوب، باستخدام حوضي الأزرق شرقًا والديسي جنوبًا، بوصفه الحل الوحيد. وأَطلقت خطة التنمية الخمسية (1986-1990)، إشارة التنفيذ عندما نصّت على وضع 200 ألف دونم تحت الري في المناطق الشرقية والجنوبية في المملكة، وتقديم حوافز للقطاع الخاص لتشجيعه على الانخراط في هذه المشاريع.[4]

أطلال شركة جراميكو.

بين العامين 1986 و1987، وقعت وزارة المالية عقودًا مع أربع شركات زراعية، هي شركة رم الزراعية، والشركة العربية الدولية للتنمية الزراعية، والشركة الإنتاجية للحبوب والأعلاف (جراميكو)، وشركة الوفاء للاستثمار والتنمية الزراعية والحيوانية.[5] ومنحت هذه الشركات امتياز استخدام مياه حوض الديسي لإنتاج الحبوب والبقوليات والأعلاف والثروة الحيوانية، على مساحة 109 آلاف دونم تقريبًا من أراضي الخزينة في منطقتي قرى حوض الديسي والمدورة. ووفق العقود، حازت «رم» على 50 ألف دونم من الأراضي، في حين توزعت البقية بتفاوت على الشركات الثلاث الأخرى. وسمحت العقود للشركات الأربع مجتمعة بضخ ما لا يتجاوز 91 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، كانت حصة «رم» منها 35 مليون متر مكعب.[6] كما تضمنت هذه العقود أرقامًا محددة للإنتاج الحيواني ومنتجات الألبان،[7] تتناسب والمساحة المؤجرة.

لكن للقصة في الحقيقة جذور أبعد مما هو ظاهر؛ لأن فكرة استثمار المياه الجوفية لزراعة القمح والشعير من أجل تعزيز الأمن الغذائي لم تكن وليدة الثمانينيات. ومشاريع الشركات الخاصة لتحقيق الأمن الغذائي الوطني وُلدت أصلًا من رحم مشروع حكومي متعثّر بدأ قبلها بـ12 سنة، وقام على الفكرة نفسها. كان هذا المشروع هو الديسي الزراعي، الذي تأسس عام 1974،[8] وتوزعت أراضيه على أجزاء مختلفة من منطقة قرى حوض الديسة.

مشروع الديسي الزراعي: «تسليم إيطالي»

يمكن القول إن مشروع الديسي الزراعي هو أول تدخل حكومي مؤسسي في زراعة القمح في المنطقة. فوفق وزير الزراعة السابق عاكف الزعبي، مارست عشائر المنطقة تاريخيًا زراعة القمح، وكانت تفعل ذلك أثناء تنقلها بين مناطق عيشها خلال المواسم. وكانت تعتمد في ذلك بالكامل على مياه الأمطار، دون أي تدخلات زراعية من أي نوع. فكانوا يبذرون الحبّ شتاءً، ويعودون إليه صيفًا. فإذا نجح استفادوا منه للخبز والتبن. وإذا فشل، أطلقوا أغنامهم لترعى فيه.

لقد بدأت قصة المشروع الحكومي بمشروع توطين البدو الذي نفذته الحكومة الأردنية أواخر الستينيات، بتمويل ومساعدة فنية من الحكومة الإيطالية. وقامت فكرته على تحفيز بدو المنطقة على الاستقرار من خلال اجتذابهم بالمياه والزراعة. وكانت نواة مشروع التوطين هذا محطة الديسي الزراعية التي أسسها الإيطاليون عام 1968، بحسب المهندس إسماعيل الفرماوي (80 عامًا)، الذي أشرف عليها بصفته مديرًا تنفيذيًا لشركة Bonifica الإيطالية التي نفذت المشروع.

المحطة التي أقيمت آنذاك على 100 دونم، يقول الفرماوي، كانت محطة تجارب زراعية، اختبرت زراعة أصناف مختلفة منها القمح والشعير والقطن والبرسيم، وأصناف مختلفة من الخضروات، التي كانت تروى بمياه بئر كان موجودًا في المنطقة.

يقول الفرماوي، وهو مصري الجنسية، أمضى في الأردن عشر سنوات خلال عمله مع الشركة الإيطالية، إن المشروع، بعد انتهاء مرحلة التجارب التي استمرت أربع سنوات، توسع عام 1972، فتم استصلاح سبعة آلاف دونم في مناطق الديسة والمنيشير وسهل الصوان. وحفرت الشركة 12 بئرًا في هذه المناطق، وأنشأت محطات كهرباء لتشغيل مضخات الآبار، وسدودًا لحماية المشروع من السيول، وشبكات رش تغطي المنطقة المستصلحة، ومدت طريقًا إسفلتية من طريق وادي رم إلى داخل المشروع. وكان الفنيون، بحسب الفرماوي خليطًا من أردنيين وإيطاليين، إضافة إلى العمال الذين كان جميعهم من أهل المنطقة الذين توافدوا من مختلف أرجائها واستقروا حول المشروع.

التلة المطلة على حقول رم في المنيشير.

ويضيف الفرماوي إن الشركة الإيطالية انتهت عام 1975[9] من تنفيذ المشروع وسلمته للحكومة الأردنية. لكنها بقيت ثلاث سنوات إضافية لتقديم الدعم الفني، ثم غادرت مع انتهاء مهمتها عام 1978.

في هذا المشروع عملَ أحمد الخطوم الزوايدة (62 سنة) أواخر السبعينات، سائقًا يوصل العمال إلى مناطق عمل المشروع. ويذهب نهاية كل شهر إلى عمان ليجلب رواتبهم. وكان المقر الأساسي لعمله محطة الديسة الزراعية، التي ما زالت قائمة، وتتبع لمديرية زراعة العقبة، وتضم حاليًا بعض أشجار الزيتون والفاكهة.

أثناء تجوالنا في المحطة، كان لافتًا وجود عدد كبير من المباني المهجورة، التي تعرضت للتخريب، وتهدمت أجزاء منها. علق أحمد بأسى أن كل هذه المباني «تسليم إيطالي». لقد كانت هذه كما شرح، مكاتب ومنامات العمال والمهندسين الذين كانوا يومًا ما يملأون هذا المكان بالحياة.

في المكان الذي تشابكت فيه أشجار القصّيب بكثافة، كان ناصر الكاحوتي (59 سنة) يقص منها ليجمع طعامًا لناقته، كما اعتاد أن يفعل من سنوات. يقول الكاحوتي، الذي يتذكر المشروع طفلًا، إن «مشروع الإيطاليين» كان مصدر معيشة لسكان المنطقة الذين كانوا كذلك يعملون ويأكلون منه، هم وأغنامهم، لكن المشروع بدأ بالتدهور عندما استلمته وزارة الزراعة، بحسبه.

لقد أثيرت قضية تعثر مشروع زراعة القمح في جلسة[10] للمجلس الاستشاري عام 1981، ويفهم من السؤال الذي وجهه أحد أعضاء المجلس لوزارة الزراعة، أن تعثر المشروع بدأ في السنوات الأولى من استلام الوزارة له، والتي قالت في ردها[11] على السؤال، إنها تواجه «مشاكل معقدة» تتعلق بدخول الرمال إلى مضخات المياه، ما سبب تعطلها.

ما عدا ذلك، فإنه ليس معروفًا ما هي الأسباب التي أدت إلى تعثر المشروع. لكن المعروف هو أن الحكومة، بعد تعثّره، رفضت مطالبات أبناء المنطقة، بأن تقسم أراضيه إلى وحدات زراعية، وتساعدهم على تأسيس جمعيات تعاونية لإدارتها.[12] وعللت الحكومة رفضها بأن كلفة [ضخ] المياه، والتي كانت تتراوح وقتها بين ثلاثة وأربعة قروش للمتر المكعب، عالية جدًا، ولن تكون هناك إمكانية لأن يحقق أبناء المنطقة أرباحًا من الزراعة. وقالت إنها تخشى أن يهجروا هذه الأراضي بعد أن توزعها عليهم، ذلك أنها هي نفسها تخسر ما نسبته 50% من التكلفة.[13]

بعد بضع سنوات من ردّها السابق على أهالي المنطقة، قررت الحكومة منح امتياز زراعة القمح في المنطقة للقطاع الخاص، مع تقديم دعم سخيّ له. وهكذا وقعت وزارة المالية الاتفاقيات المشار إليها مع الشركات الخاصة. فبيع المشروع الحكومي العام 1986 لشركة رم، التي استأجرت أراضي المشروع، واشترت بنيته التحتية من آليات وآبار بخمسة ملايين و900 ألف دينار.[14] وكان دخول المصري، الذي كان شريكًا أيضًا في إحدى شركات المدورة وهي «جراميكو»، مجال استثمار زراعة القمح في جنوب الأردن، امتدادًا لاستثماراته الضخمة في زراعة القمح في مدينة تبوك على الجانب السعودي من حوض الديسي.

ثم وُقّعت خلال الأشهر القليلة التالية، عقود الشركات الثلاث الأخرى، التي أقامت مشاريعها في المدورة. وكان لافتًا أن قائمة المساهمين، في الشركات الزراعية، ضمّت، خلال سنوات عملها، عددًا من المسؤولين الحكوميين ممن كانوا عاملين، أو سابقين، في الحكومات الأردنية إبّان نشاط هذه الشركات، ومنهم رئيس الوزراء السابق عدنان بدران، ووزير المياه السابق سمير قعوار، ووزير التموين السابق عبد السلام كنعان. ووزير المالية والنقل السابق، أنيس المعشر.

لقد مضت وزارة المالية قدمًا في توقيع العقود مع هذه الشركات رغم انتفاء الجدوى الاقتصادية لها، يقول وزير المياه والزراعة السابق، حازم الناصر. فإنتاج القمح في مناطق مثل الديسي والمدورة يحتاج إلى كميات هائلة من المياه. والقيمة الاقتصادية لهذه المياه، كانت أضعاف القيمة الاقتصادية للمحاصيل التي كانت ترويها. وفوق هذا، فقد كانت مياه شرب جاءت من مَورد غير متجدد في بلد فقير مائيًا.

استثمار شركة البشائر مكان شركة الوفاء.

شركات الجنوب: ربح للمستثمرين، خسارة للمجتمع

وقعت وزارة المالية العقود مع هذه الشركات رغم المعارضة الكبيرة لها آنذاك. ففيما يتعلق بالجدوى الاقتصادية، كانت هناك معارضة كبيرة من خبراء مياه محليين ودوليين وجهات مانحة وغيرهم، لفكرة زراعة القمح والشعير بمياه الشرب في مناطق الجنوب بالتحديد، في حين كان يمكن زراعته في المناطق الشمالية بمياه معاد تدويرها.[15] ولم يكن القمح، كما ذكرت دراسة[16] صادرة عن الجامعة الأردنية، ليحتاج في الشمال إلى كمية المياه التي يحتاجها في الصحراء. لأن مناطق الجنوب جافة، وأرضها رملية، ودرجات الحرارة فيها ترتفع إلى ما فوق الأربعين مئوية، ومعدلات التبخر عالية جدًا، ما يعني أن المحاصيل فيها تحتاج إلى كميات مياه أعلى بكثير مما تحتاجه في أماكن أخرى مروية، مثل المناطق الشمالية، ذات التربة الطينية الخصبة، ومعدلات التبخر المنخفضة نسبيًا.

وبسبب ذلك، فإن إنتاج كمية معينة من محصول ما في الديسة والمدورة، يحتاج إلى كميات أكبر بكثير من المياه التي تحتاجها الكمية نفسها في مناطق الزراعة المروية الأخرى في المملكة، فإنتاج كيلو من القمح في الجنوب يحتاج 1360 لترًا من الماء سنويًا، مقابل 380 لترًا لإنتاجه في المناطق الأخرى المروية.[17] أمّا كيلو البصل فيحتاج في الجنوب إلى 670 لترًا سنويًا، مقابل 130 لترًا في مناطق أخرى. ويحتاج كيلو البطاطا إلى 220 لترًا في الجنوب مقابل 150 لترًا في مناطق أخرى.[18]

رغم كل هذه الحقائق، وُقّعت العقود، وألزمت الشركات بموجبها بزراعة ما لا يقل عن 50% من مساحة المشروع الكلية، وبما يمكن أن تصل مساحته إلى 90% من أراضي المشروع المستغلة بالقمح والحبوب الأخرى والأعلاف وبذار القمح المحسّن. وسمح لها بزراعة ما لا تزيد مساحته عن 10% من مساحة المشروع الكلية بمحاصيل أخرى.[19] ورفعت هذه النسبة في شباط 1988 إلى ما لا يزيد عن 15%.[20]

حقول البصل في المنيشير، وفيها تظهر ماسورة مياه مكسورة.

لقد استمرت الشركات في العمل رغم أن الجدوى الاقتصادية، كما شرح سابقًا، كانت متدنية لكل المحاصيل. وبشكل خاص لمحصوليْ القمح والشعير، اللذيْن وَجدت دراسة أعدت لصالح وزارة المياه[21] أن العائد الاقتصادي منهما «سالب». أي أنها كانت محاصيل خاسرة من ناحية المردود الاقتصادي. لكن الشركات، زرعتها ضمن التزامها التعاقدي مع الحكومة. أمر تلفت الدراسة إلى أنه كان، من منظور اقتصادي ومن منظور إدارة قطاع المياه، «يفتقر إلى أي منطق».

في الحقيقة، فإن تدني الجدوى الاقتصادية هنا، كان المجتمع وموارده هما من يدفع ثمنه وليس المستثمرين، الذين تقول دراسة إنهم نعموا لسنوات بمياه مجانية ساعدتهم على إنتاج خضروات وفواكه عالية استهلاك المياه، صدّروها بكميات كبيرة إلى الخليج وأوروبا.[22] في وقت كانت فيه هذه الشركات، وفق دراسة أخرى[23] «تستورد الأجهزة والوقود والبذور والأسمدة والمضخات والأنابيب والعمال، ومدخلات الإنتاج الأخرى كلها من الخارج. والشيء الوحيد الذي استخدمته من الأردن كان المياه».

أمّا القمح والشعير المخصصان للاستهلاك المحلي، واللذان كانت أسعارهما متدنية نسبيًا في الأسواق قياسًا بالمحاصيل الأخرى، فقد التزمت الحكومة، وفق العقود، بشرائهما من هذه الشركات بأسعار تفضيلية. وبمجرد أن توقفت الحكومة عن الشراء، توقفت هذه الشركات عن زراعتهما، وتفرغت لإنتاج الخضروات والفواكه والبرسيم وغيرها.

لقد توقفت الشركات عن زراعة الحبوب في عام 1997، الأمر الذي فتح عليها باب هجوم كبير، رغم أنها فعلت ذلك بطلب من الحكومة، كما يقول لحبر مؤسس شركة «العربية» في المدورة، سميح بركات.

عندما تغير نظام مراقبة المياه الجوفية عام 2002، وبدأت الحكومة باستيفاء أثمان المياه من مالكي الآبار الزراعية، لم تستطع إلزام هذه الشركات بدفع أثمان المياه التي تستهلكها.

كان رجل الأعمال سميح بركات مقيمًا في الكويت عندما قرر خوض مغامرة الاستثمار في زراعة القمح في الجنوب. يقول إن هذا جاء بعد عشاء جمع رجال أعمال مغتربين في الكويت مع الملك الراحل الحسين، وفيه دعاهم لأن يستثمروا في بلدهم. فأسس عام 1985 «العربية» التي اشترك في ملكيتها مع أفراد من عائلته، ومستثمرين خليجيين، إضافة إلى جمعية المتقاعدين العسكريين.

يقول بركات إن وزارة المالية استدعت عام 1996 مالكي الشركات الزراعية، وطلبت منهم إيقاف زراعة القمح، وبررت لهم ذلك بأنه لـ«توفير المياه للأجيال القادمة». لكن أحد المستشارين في الوزارة، كما يقول، أبلغهم بعدها أن إيقاف زراعة القمح هو شرط وضعه البنك الدولي لحصول الأردن على قرض كان قد تقدم للحصول عليه. كلام بركات يؤكده ردّ الحكومة على سؤال نيابي، وُجّه إليها عام 1998، يطلب تفسيرًا لتوقف الشركات عن زراعة القمح. فيقول وزير الزراعة، آنذاك، مجحم الخريشة إن الشركات توقفت عن زراعة القمح في عام 1997 بعد توقف الحكومة عن شراء القمح منها بأسعار مدعومة. وكانت العقود قد نصّت، بحسب رد الخريشة، على التزام الحكومة بشراء القمح والشعير من الشركات لخمس سنوات من تاريخ التعاقد. لكن الشراء الذي استمر قرابة عشر سنوات، توقف عام 1997، إبان انخراط الأردن في برنامج التصحيح الاقتصادي، وسعيه للحصول على قرض تصحيح قطاع الزراعة [من البنك الدولي]، يقول الخريشة. ويضيف أن الحكومة تلقت وقتها توجيهًا بضرورة إيقاف هذه المشاريع، بسبب استهلاكها الكبير لمياه الحوض، الذي كان من المقرر، بحسبه، أن تُضخّ مياهه إلى عمان لتلبية الاحتياجات من مياه الشرب.[24]

يقول سميح بركات إن وزارة المالية عندما طلبت من مالكي الشركات إيقاف زراعة القمح، سألوها عمّا يمكن أن يزرعوه بديلًا عن القمح، فقيل لهم «ازرعوا اللي بدكم إياه». ويقول نمر بركات، الذي كان شريكًا في «العربية» ومديرًا لها، إن الشركات التي كانت وقتها تُنسّق فيما بينها خريطة المحاصيل التي تنوي زراعتها. قررت، ضمن تشكيلة منوعة من الخضروات والفواكه، التركيز على زراعة محاصيل «العجز»، أي المحاصيل التي كان هناك شح في إنتاجها محليًا، وهي البطاطا والبصل؛ محاصيل يقول إنها كانت مربحة أكثر.

 لقد ساهمت الشركات بالفعل في سدّ ثغرة فيما يتعلق بهذين المحصولين، لكن كان هناك انتقاد لحقيقة أن الدعم الموجه لإنتاج محاصيل العجز هذه، كان يتم في المناطق الخطأ. وأنه كان من المفترض دعم زراعتها في مناطق أكثر ملاءمة حتى ضمن ظروف الري، كما سبق التوضيح. والمشكلة هي أن هذا الدعم الحكومي مكّن هذه الشركات من الانخراط في منافسة غير عادلة مع صغار المزارعين من منتجي المحاصيل ذاتها في مناطق المملكة الأخرى. فقد زَرعت الشركات، إضافة إلى محاصيل العجز، أصنافًا أخرى من الخضروات والفواكه لم تكن محاصيل عجز. علمًا بأن مزاحمتها مزارعي المناطق الأخرى السوق، حدث حتى قبل تحللها من التزام زراعة الحبوب وتفرغها لزراعة الخضار والفواكه. وقد أثيرت هذه القضية مرارًا في مجلس النواب منذ أوائل التسعينيات.[25] 

شوارع بلدة الديسة.

لقد كانت محاصيل الشركات تطرح في السوق بأسعار أقل بكثير من محاصيل المناطق الأخرى. وبسعر وصل أحيانًا إلى أقل من النصف. وهذا أضر كثيرًا بالمزارع الصغيرة في الأغوار وغيرها، كما يقول لطفي يوسف، الذي عمل مهندسًا زراعيًا في وزارة الزراعة بين الأعوام 1983 و2003. إذ لم يكن بإمكان هؤلاء المزارعين منافسة شركات بهذه الضخامة، وضع تحت تصرفها مجانًا هذا الحجم من الموارد المائية، والتي كانت تستخدم تكنولوجيا زراعية متقدمة لا يمتلكها صغار المزارعين. ويقول يوسف الذي خدم في الديسة والقويرة، قبل أن يصبح، قبل تقاعده، مديرًا لمحطة الحسين الزراعية في البقعة، إن هذه الشركات كان بإمكانها إنتاج كميات هائلة من المحاصيل والاحتفاظ بها في مخازن ضخمة مبردة في انتظار تحصيل الأسعار المناسبة، دون خوف من تلفها، كما هو حال صغار المزارعين. كما كانت تستطيع أيضًا إغراق الأسواق بفائض محاصيل تضرب الأسعار، بما يبدو أنه محاولة لإخراج صغار المزارعين من السوق حتى «الحيتان تظلها مسيطرة على السوق، وبعدين ترفع السعر اللي بدها إياه».

استنزاف جائر لحقوق الأجيال القادمة

حتى بعد توقفها عن المهمة التي تأسست من أجلها، أي إنتاج القمح، ظلّت هذه الشركات تحظى بامتياز استئجار آلاف الدونمات بسعر رمزي، وضخّ ملايين الأمتار المكعبة من مياه الشرب.

لقد نصّت العقود، كما تقدم، على سقف لضخ المياه هو 91 مليون متر مكعب. وبحسب أرقام رسمية، استهلكت هذه الشركات 65 مليون متر مكعب سنويًا، وهو رقم شكل عام 2007 مثلًا، 19% من مجمل موارد المملكة من المياه الجوفية،[26] وثلث كمية التزويد المائي لتغطية الاحتياجات البلدية في المملكة.[27] مع العلم أن دراسات عديدة شككت بالأرقام الرسمية، منها دراسة أشارت إلى أن حساب متطلبات المحاصيل المائية بالنسبة لحجم المساحات المزروعة من قِبل هذه الشركات، يثبت أن الأرقام الرسمية أقل من الاستهلاك الفعلي. وأن مجموع كميات المياه التي احتاجتها المساحات المزروعة فعلًا خلال 25 سنة من عمل الشركات هي 2380 مليون متر مكعب.[28] أي بمعدل 95 مليون متر مكعب سنويًا.

لقد أضر السحب الجائر بحوض الديسي بشدة. وتظهر الدراسات أن مستوى مياهه انخفض في فترة عمل الشركات 25 مترًا. وزاد هذا من ملوحة المياه، خصوصًا في المناطق الجنوبية الشرقية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وأصبح الضخ أكثر كلفة، نتيجة النزول إلى أعماق أكبر.[29] 

انخفاض مستويات المياه الجوفية في بئر سهل الصوان، في حوض الديسي

وإن كان من العدل الإشارة هنا إلى أن هذه الشركات لا تتحمل كامل المسؤولية عن تدهور حالة الحوض، إذ ساهمت في ذلك أيضًا، الاستثمارات الزراعية الضخمة المقامة على الجانب السعودي من حوض الديسي.[30]

تنميةٌ بـ«بقايا المحاصيل»

يصف سميح بركات قرار الحكومة بإيقاف زراعة القمح بأنه كان «جريمة في حق الأردن». ويقول إن إغلاق الشركات بعدها كان ضربة لأهل المنطقة.

لكن المجتمعات المحلية، يقول الزعبي لم تستفد في الحقيقة من عوائد موارد هذه المنطقة، بل إن مستثمري هذه الشركات، هم من «استفادوا شخصيًا»، لأن هذه الشركات أديرت كمشاريع خاصة، واستثمرت المياه بشكل تجاري.

كما سبق القول، كانت إحالة مشروع زراعة القمح لهذه الشركات جزءًا من خطة تنمية وطنية، هدفت إضافة إلى الأمن الغذائي، إلى تحقيق تنمية مستدامة لمجتمعات الهامش التي تقرر أن تعمل فيها هذه الشركات. لكن تتبّع الطريقة التي عملت بها الشركات، يكشف أنها أخلت بكل شروط التنمية المستدامة.

عرّفت الأمم المتحدة التنمية المستدامة بأنها في جوهرها «التنمية التي تستجيب لاحتياجات الحاضر، دون أن تعرّض للخطر فرص الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها».[31] ووفق دراسة[32] أنجزت عام 2004 لصالح وزارة المياه، فإن من شروط المشاريع الزراعية المستدامة أن تعتمد على موارد متجددة، وعليها أن تحمي البيئة والموارد، فلا تستخدمها بشكل جائر يؤثر على إنتاجيتها. وأن تكون بالضرورة مشاريع مجدية اقتصاديًا.[33]

لقد شرح هذا التقرير تدني الجدوى الاقتصادية للاستثمارات الزراعية لهذه الشركات، واستنزافها الموارد المائية غير المتجددة. ويتضح بذلك كيف أخلّت بهذه الشروط للتنمية المستدامة. لكنها أخلّت بشرط آخر تضمّنه التعريف السابق للأمم المتحدة، وهو أن على المشاريع، لكي تحقّق تنمية مستدامة، أن تنهض بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه الناس والمجتمعات، فتوفر لهم فرصًا وظيفية جيدة ومتنوعة، وتمكّن الشباب في المناطق التي تعمل فيها، وتؤهلهم فيما يتعلق بالممارسات الزراعية، بحيث يستطيعون النهوض بمشاريعهم الخاصة.[34] وهو أمر لم تفعله هذه الشركات، رغم أن تمكين أبناء المجتمع المحلي وتشغيلهم كان أحد أدوات التنمية المفترض أن تنهض بها الشركات ضمن مسؤوليتها الاجتماعية. فوفق العقود بين هذه الشركات ووزارة المالية، تعهدت الشركات بألا تقل نسبة العمالة المحلية في السنة الأولى من المشروع عن 50%، وأن ترتفع إلى 80% على الأقل بحلول السنة الخامسة، شريطة أن تقتصر العمالة الأجنبية المستخدمة على «المهارات الفنية غير المتوفرة في الأردن».

البيانات الوحيدة الموثقة التي أمكن الوصول إليها فيما يتعلق بتركيبة العمالة في هذه الشركات، هي تلك التي نشرتها في عام 2004 الدراسة[35] التي أعدت لصالح وزارة المياه، وذكرت أن «رم» توظف 135 عاملًا، منهم 107 غير أردنيين. وتوظف «جراميكو» 295 عاملًا، منهم 194 غير أردنيين. في حين لم تتوفر في الدراسة معلومات عن جنسيات العاملين في «العربية» أو «الوفاء». وعلى أي حال، فإن الانتقادات الحادة لهذه الشركات بأنها اعتمدت أساسًا على العمالة الوافدة لم تتوقف منذ تأسيسها. وقسم كبير من هذه الانتقادات كانت صادرة عن مسؤولين حكوميين ونواب. يقول إبراهيم أبو عتيلة، وهو مهندس زراعي عمل في وزارة الزراعة ما بين الأعوام 1974 و2011، وشغل في نهاية خدمته منصب مساعد الأمين العام للشؤون المالية والإدارية، إن الشركات خرقت عقودها فيما يتعلق بنسبة توظيف العمالة المحلية، بالتحديد من أبناء المنطقة. ولم تقدم لهم التعليم والتدريب اللازميْن ليدخلوا في العملية الإنتاجية، ويكونوا هم اليد الأساس في إنتاج المحاصيل. ومن هنا انتفى «البعد الاجتماعي» المفترض أنه كان جزءًا من مهمة هذه الشركات. هذه الاتهامات ينفيها نمر بركات، الذي يقول إن الشركة وظّفت من أبناء الجنوب أكثر من حاجتها، بالتحديد لوظيفة حارس، كي ترضي أبناء المنطقة، وتحمي نفسها.

يقول سميح بركات، إنه ليس صحيحًا أن الشركات لم تسهم في تنمية المناطق التي عملت فيها. فأصلًا، كانت شركات المدورة سببًا في نشوء البلدة نتيجة توافد الناس إلى المنطقة بعد بدء هذه الشركات بالعمل، واستقرارهم حولها مستفيدين من مياه آبارها، وبقايا محاصيلها. ويضيف نمر بركات أن الشركة كانت تغطي بعض احتياجات المدرستين الموجودتين في المنطقة، وتمنح بعض المساعدات المالية لمن كان يأتي ويطلبها من السكان.

أرض المشروع الحكومي في المنيشير، الذي حاول بعض أبناء المنطقة استثماره ومنعوا من ذلك.

في المدورة، يؤكّد الثمانيني فرحان أبو شوشة كلامَ سميح بركات، إذ يقول، وهو الذي عمل حارسًا في شركة جراميكو لسنتين تقريبًا، إن إغلاق الشركات تسبب بضرر لأبناء البلدة الذين كانوا يعتمدون وقتها على تربية الحلال. فقد كانت بقايا المحاصيل التي تتوفر من هذه الشركات، تمثل غذاء مجانيًا يكفي حيواناتهم بضع شهور خلال السنة. إذ كانت الشركات تفتح لأبناء البلدة الحقول نهاية موسم كل محصول كي ترعى حيواناتهم. وأبعد من ذلك، كان الناس، يقول فرحان، يستصلحون ما يبقى في الأرض من محاصيل البطاطا والبصل والثوم والبطيخ والبندورة وغيرها من الـ«التوالي اللي مالها [الشركة] غرض فيه»، ويحملونه ليبيعوه في معان. وقد كان توفر المياه والغذاء للحلال، هو ما شجعه وكثيرين غيره ممن وفدوا إلى المنطقة على الاستقرار وبناء بيوت لهم، كما يقول.

والآن، تغيرت المدورة كثيرًا بعد رحيل الشركات، يقول سالم بن فرحان، وغادر السكان من غير المرتبطين بوظائف أو بيوت إلى الأماكن التي قدموا منها في الجفر والمريغة وباير، وقلّت الخدمات المصاحبة لوجود شركات توظّف عمالًا ومترددين على البلدة. وصارت الحياة أصعب. وحتى الذهاب إلى معان أو العقبة القريبتيْن لا يتم إلا بسيارة خاصة لأن المواصلات العامة شحيحة جدًا. ويضيف سالم أن في البلدة بضع دكاكين، تبيع البضائع بضعف ثمنها تقريبًا عمّا هي في الديسة التي تبعد عن المدورة 90 كم، وعن معان التي تبعد 130 كم.

هذا الشعور بالامتنان للشركات، والتحسر على أيامها، يقول عوض، منتشر بين أبناء الجيل الأول من معاصريها. وهو يرى أن هذا مفهوم في زمن لم يكن لديهم من يلتفت إليهم، ثم جاءت الشركات لتعطيهم ما يتبقى وراءها. لكن هناك جيل جديد يقول عوض ، فتحت وسائل التواصل الحديثة أعينهم على الطريقة التي تسير بها البلد. وهم يعرفون أنه، وعند النظر في الأرباح الهائلة التي حققتها هذه الشركات، فإن العلاقة التي حكمتها بأبناء المجتمع المحلي لم تكن يومًا عادلة. ويتساءل هنا باستنكار «أنت ماخذ مي وأرض من أربعين سنة، وتعطيني حبة بطاطا بعد ما خلصت؟».

أثمان المياه: معركة الحكومة مع الشركات

عام 1988، صدر قانون سلطة المياه، الذي قرّر أن كل مصادر المياه في المملكة ملك للدولة.[36] ومع صدور نظام مراقبة المياه الجوفية عام 2002،[37] يقول أبو عتيلة، قررت الحكومة لأول مرة، إلزام مالكي الآبار الزراعية، بدفع ثمن المياه التي يسحبونها من آبارهم وفق تعرفة محددة. وكان هذا شاملًا لكل المزارعين في المملكة، وليس لشركات الجنوب فقط. لكن هذه الأخيرة رفضت الدفع.

يقول نمر بركات إنه كان من حق الشركات الامتناع عن الدفع، لأن عقودها مع وزارة المالية لم تنص على أن للمياه ثمنًا. وهذا ما دفعها للذهاب إلى المحكمة.

بدأت وزارة المياه في احتساب التعرفة من نيسان 2003. ويقول المحامي هلال العبادي، الذي تولى قسمًا من قضايا سلطة المياه في نزاعها مع الشركات، إن «السلطة» حصلت على أحكام قطعية بأحقية تقاضي أثمان المياه في ما يخص نزاعها مع شركات المدورة، وليس «رمّ».

تظهر قرارات المحاكم أحكامًا تتعلق بأثمان المياه إلى نيسان 2006. إذ حكم على شركة الوفاء بدفع 178 ألف دينار تقريبًا، ثمنًا للمياه المستهلكة. وعلى «العربية» بمبلغ مليون دينار تقريبًا، وعلى «جراميكو» بمبلغ مليون و700 ألف دينار تقريبًا.

لم يكن هذا هو الحال مع «رم»، يقول العبادي، التي قررت الاستفادة من بند في العقود ينص على إمكانية إحالة النزاعات إلى هيئة تحكيم. فذهبت الشركة إلى التحكيم الذي قضى بمجانية المياه، وعدم أحقية الحكومة باستيفاء ثمنها. وقد طعنت سلطة المياه في هذا القرار إلى أن وصل محكمة التمييز، التي أيّدت قرار التحكيم.

بحسب العقود، تُشكّل هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء، تعين الشركة أحدهما، وتعين الحكومة آخر، في حين يتوافق الطرفان، الحكومة والشركة، على تعيين العضو الثالث. وتصدر الهيئة حكمها وفقًا لرأي الأغلبية.

يقول بعض أبناء المنطقة إنه وعند النظر في الأرباح الهائلة التي حققتها هذه الشركات، فإن العلاقة التي حكمتها بأبناء المجتمع المحلي لم تكن يومًا عادلة.

الحكم الذي حصلت عليه «رمّ»، يقول العبادي، حفز شركات المدورة بأن تطالب بأن تحال قضاياها أيضًا إلى التحكيم، لكن المحكمة التي كانت قد بدأت بالفعل في النظر في قضاياها، رفضت ذلك، وقررت أن انخراط شركات المدورة في مسار الدعوى في المقام الأول، حرمها من حقها في اللجوء إلى التحكيم.

كما هو واضح، لا تشكل القرارات السابقة خلاصة النزاع القضائي بين الشركات والحكومة، لأن الذمم المالية هنا تقف عند نيسان 2006، في حين استمرت شركات المدورة في العمل إلى أواخر عام 2013. وشركة رم ما تزال قائمة. لهذا فإن السؤال هنا، ماذا بشأن أثمان المياه بعد العام 2006؟

القرار الوحيد الذي أمكن العثور عليه فيما يتعلق بأثمان المياه عن الفترة بعد 2006، هو قرار تحكيم لصالح «العربية»، يقضي بمجانية المياه، ويمنع الحكومة من مطالبتها بمبلغ 950 ألف دينار تقريبًا، هو ثمن المياه عن الفترة بين نيسان 2006 إلى نيسان 2011.

يعني القرار السابق أن الحكومة طالبت «العربية» بثمن المياه عن تلك الفترة، فلجأت الشركة إلى التحكيم. وهنا يلفت العبادي إلى أن القضايا تعامل في المحاكم بشكل منفصل. فالشركات التي سقط حقها في اللجوء إلى التحكيم، بسبب سيرها في مسار الدعوى القضائية في القضايا الأولى، يمكنها قانونًا أن تلجأ للتحكيم في القضايا اللاحقة.

لكننا لم نتمكن من العثور على أي قرارات تخص الشركات الثلاث الأخرى عن هذه الفترة. وهنا، يجب توضيح أن عدم عثورنا على قرارات تحكيم تخص الشركات الأخرى، لا يعني بالضرورة أن هذه القرارات غير موجودة. ذلك أن قرارات التحكيم لا تنشر على مواقع سجلات القضايا، مثل قسطاس الذي اعتمدناه للبحث. ولكن يحدث أحيانًا أن ترفع قضايا لها ارتباط بقرارات تحكيم معينة، فينكشف فحوى قرارات التحكيم هذه ضمن سرد وقائع هذه القضايا. وهذا هو السياق الذي عُثر فيه على قرار التحكيم الخاص بمنع الحكومة من مطالبة «العربية» بأثمان المياه للفترة بين 2006 و2011. إذ وردت إشارة إلى هذا القرار ضمن قضية كانت قد رفعتها الشركة.

«خرقت الشركات عقودها فيما يتعلق بنسبة توظيف العمالة المحلية، بالتحديد من أبناء المنطقة. ولم تقدم لهم التعليم والتدريب اللازميْن ليدخلوا في العملية الإنتاجية، ويكونوا هم اليد الأساس في إنتاج المحاصيل»

إذن، نحن لا نعرف كيف أديرت مطالبات الحكومة بأثمان المياه عن تلك الفترة. في الحقيقة، نحن لا نعرف ما هي خلاصات النزاع القضائي بين الشركات عمومًا والحكومة، ولا إن كانت الشركات التي صدرت ضدها أحكام قطعية قد دفعت ما عليها أم لا، فقد امتنعت كل من وزارة المالية، وهي الجهة التي وقعت العقود مع الشركات، عن الإجابة على أسئلة وجهت إليها، مطلع تشرين الثاني الماضي، ضمن طلب لحقّ الحصول على المعلومة. وفعلت الأمر ذاته وزارة المياه التي وجّه إليها الطلب ذاته. ورفض مدير شركة رم، سجال المجالي، الإجابة على أسئلة حبر. كما رفض مالكو «العربية» الخوض في تفاصيل النزاع القضائي مع الحكومة. في حين لم نتمكن من الحديث مع أيٍّ من مالكي «الوفاء» و«جراميكو».

لكن، من المفيد هنا سرد ما تمكنا من الوصول إليه من معلومات شحيحة تتعلق بالطريقة التي أدارت بها الحكومة آنذاك مطالبتها بالذمم المالية المترتبة على الشركات.

تتضمن قرارات المحاكم، التي تمكنت حبر من الوصول إليها، العديد من الإشارات إلى إلقاء حجوزات تحفظية على هذه الشركات، لكن باستثناء «العربية» التي تمكنت من فكّ الحجز عنها مقابل كفالة بنكية بقيمة 365 ألف دينار تقريبًا، فلا معلومات تفصيلية عن كيفية إدارة عمليات الحجز على الشركات الباقية، ولا ما آلت إليه هذه الحجوزات التحفظية التي تصنف قانونيًا على أنها حجوزات مؤقتة، تثبت أو تلغى بحسب قرارات المحاكم.

يقول سميح بركات إن الحكومة عندما قررت وقتها الحجز على أموال الشركات لاستيفاء ما عليها من ذمم مالية، كانت «العربية» هي الشركة الوحيدة التي وجدت أموالًا في حسابها البنكي، وتمت بالفعل مصادرة هذا المبلغ، الذي رفض بركات تحديده. ويؤكد العبادي كلام بركات، قائلًا إن هذا المبلغ شكّل وقتها قسمًا صغيرًا من الذمة المالية المترتبة على «العربية». في حين كانت حسابات الشركات الأخرى فارغة.

كما أكد ما سبق وزير المياه السابق، حازم الناصر، الذي كان عام 2008 نائبًا في البرلمان، ووجه سؤالًا نيابيًا لوزارة المياه، يستفسر فيه عن السبب في أن هذه الشركات مستمرة في العمل دون أن تدفع ما عليها. وطالب الحكومة بالحجز على أموالها. فجاءه الرد من وزارة المياه بأنه «لا يوجد لهذه الشركات حسابات في الأردن. وليس لديها عقارات مسجلة باسمها للحجز عليها».[38] وقتها، ذكر الناصر أن أثمان المياه المتراكمة على الشركات حتى تلك السنة، بلغت 13 مليون دينار.

يذكر أن «العربية» حصلت في كانون الثاني 2021، على قرار تحكيم يلزم الحكومة بأن تدفع لها مليونًا و643 ألف دينار تقريبًا، وذلك بسبب ما ذكر القرار أنه إخلال من الحكومة ببنود في العقد تتعلق بالإيجار. القرار، الذي لم نتمكن من الوصول إلى تفاصيله، اكتسب الدرجة القطعية في نيسان من العام نفسه.

ما عدا ذلك، ليس لدينا معلومات عن مآل النزاع القضائي بين الحكومة والشركات الباقية.

خروج شركات المدورة وبقاء «رم»

استمرت الشركات في العمل إلى أن حان وقت انتهاء عقودها في العام 2011. وقتها أعلنت الحكومة أنها لا تنوي تجديد هذه العقود، وذلك بطلب من الجهات المموّلة لمشروع نقل مياه الديسي إلى عمان. وقد تمكنت الحكومة من إخراج شركات المدورة التي كانت عقودها تنص على أنها تجدد بموافقة الطرفين، خلافًا لعقد «رم» الذي كان ينص على أنه «يجدد تلقائيًا»، وهذا يعني، كما يشرح العبادي، أنه لا يشترط موافقة الحكومة، و«يُجدّد إلى ما لا نهاية، طالما المستفيد حابّ يجدّد».

حاولت شركات المدورة، وقتها، إقناع الحكومة بتجديد عقودها، وذلك بأن وعدت في مذكرة رفعتها إلى الحكومة بأنها إذا جددت عقودها فإنها ستقيم شراكة حقيقية بينها والمجتمعات المحلية من أجل تحقيق «التنمية المستدامة»، وستقدم 1500 دونم وبئر ماء لأي جمعية تعاونية تؤسس في المنطقة. وستوفر لأبناء المنطقة فرص عمل بنسبة 50% من العاملين لديها.

لكن الحكومة أصرت على إنهاء العقود، فقد كانت ترزح تحت ضغط الجهات المنفذة لمشروع نقل مياه الديسي إلى عمان، والتي أصرت، كما تقدم، على وقف الزراعة في المنطقة. ومع ذلك، استطاعت شركات المدورة البقاء لسنتين إضافيتين. فقد استفادت وقتها من بند في عقودها ينص على أن هناك سنتي «سماح»، تعفى فيهما من دفع التزاماتها المالية للحكومة. فلجأت هذه الشركات إلى هيئة تحكيم قضت بأن هاتين السنتين ليستا محسوبتين ضمن الـ25 سنة، التي هي مدة العقد الاصلية.[39] وهكذا، خرجت هذه الشركات عمليًا عام 2013، بالتزامن مع بدء تنفيذ مشروع مياه الديسة.

«تغيرت المدورة كثيرًا بعد رحيل الشركات، وغادر السكان من غير المرتبطين بوظائف أو بيوت إلى الأماكن التي قدموا منها في الجفر والمريغة وباير، وقلّت الخدمات المصاحبة لوجود شركات توظّف عمالًا ومترددين على البلدة»

رغم أن عقد «رم»، كما تقدم، لا يشترط موافقة الحكومة لتجديده، إلّا أن هذا مشروط، يقول العبادي، بالتزام الطرفين ببنوده. والإخلال بها يعطي الحق للطرف الآخر بفسخه. وهذا ما حاولت الحكومة أن تفعله عام 2013، فقد أعلنت أن سجل مخالفات الشركة يعطيها الحق في إنهاء عقدها، وكلفت وزير المياه آنذاك حازم الناصر، ببدء الإجراءات القانونية لإنهاء عقد الشركة، ووضع خطة لإدارة المساحة بالأشجار. إذ كانت «رم» هي الشركة الوحيدة التي تمتلك أشجارًا بين الشركات الأربع.

يقول الناصر لحبر إن عجز الحكومة عن إنهاء عقد «رم» بالتزامن مع شركات المدورة، رغم امتلاكها الحق القانوني، سببه «لوبي كبير» مكوّن وقتها من مسؤولين رفيعين في الحكومة، وقفوا ضد هذا الأمر. لهذا كان البديل عن إيقاف الشركة هو التوصل معها لـ«تسوية ودية»، تقضي بخفض استهلاكها للمياه، إضافة إلى إسهامها في سدّ جزء من النقص في مياه الشرب في العقبة، مقابل أن تزودها شركة مياه العقبة بمياه غير صالحة للشرب، لتستخدمها في الزراعة.

الأشجار داخل مزرعة رم.

لقد أعلن هذا الاتفاق في أيار 2014. ويقول سعد أبو حمور، الذي كان وقتها رئيس مجلس إدارة شركة مياه العقبة آنذاك، إن القرار جاء بهدف المحافظة على المساحة الشجرية الموجودة لدى «رم». ولم يكن لمدة مفتوحة، بل تقرر أن تبقى الشركة عدة سنوات، إلى أن تنتهي هذه الأشجار، ثم «بعدها يسلموا كل الآبار والأرض»، الأمر الذي لم يحدث.

تضمنت هذه التسوية شرطين؛ ألا يزيد استهلاك الشركة من المياه عن 12 مليون متر مكعب سنويًا، وأن تزود العقبة بثلاثة ملايين متر مكعب من الماء متدني التركيز الإشعاعي، بهدف تغطية جزء من احتياجات مدينة العقبة، وتأخذ مقابلها كمية مساوية من المياه ذات التركيز الإشعاعي العالي.

يشرح أبو حمور أن اتفاق تبادل المياه الذي عقدته «مياه العقبة» مع «رم»، كان سببه أن جزءًا من آبار الوزارة لم تكن مطابقة لمواصفات الشرب الأردنية من ناحية التركيز الإشعاعي، لهذا اتفقت مع «رم» بأن تزود العقبة من آبارها بمياه صالحة للشرب، مقابل أن تزودها «مياه العقبة» في المقابل بمياه عالية الإشعاعات، لتستخدمها في الزراعة. ونصّت الاتفاقية على أن تدفع «مياه العقبة» لـ«رم» فقط كلفة كهرباء الضخ.

لكن مالك «رم» صبيح المصري، أعلن بعد خمسة أشهر تقريبًا من التوصل للتسوية السابقة أن «مياه العقبة» لم تلتزم بتزويد «رم» بكميات المياه المتفق عليها. وهو أمر نفاه أبو حمور بشكل قاطع. وقال إن الآبار الحكومية التي اتفق على الضخ منها لـ«رم» كانت متصلة بشبكة الأخيرة، وأنه كان بإمكانها أن تسحب منها بالقدر الذي تريده.

حاليًا فإن العلاقة بين الطرفين، كما قال لحبر مسؤول رفيع في وزارة المياه، هي علاقة استئجار. فالحكومة يقول المسؤول، الذي لا يمكن الكشف عن اسمه لأنه ليس مخوّلا بالتصريح، تستأجر منذ سنوات من رم عدة آبار لم يحدد عددها ولا متى بدأ بدقة استئجارها، لكنه قال إن تعرفة الشراء من الآبار الزراعية في المتوسط، هي نصف دينار تقريبا للمتر المكعب.

أحد آبار رم في المنيشير.

وفق أرقام أعلنت عنها وزارة المياه مؤخرا ردّا على سؤال نيابي، يبلغ عدد الآبار المسجلة باسم شركة رم 27 بئرًا، يعمل منها حاليا 21 بئرًا، وسحب منها عام 2020 ما مجموعه 23 مليون متر مكعب تقريبًا. وهذا كما نرى، مخالف للتسوية التي عقدت مع «رم»، وسبقت الإشارة إليها. غير ذلك، لم تتمكن حبر من معرفة أي معلومات موثقة فيما يتعلق بالنشاطات الحالية لشركة «رم»، من حيث المساحات المستغلة حاليًا، ونسبة العمالة المحلية، والعلاقة التعاقدية مع شركة مياه العقبة، وغيرها. فكما تقدم، رفض مدير «رم» الإجابة على أسئلة حبر. وكذلك وزارة المياه. لكن الناطق الإعلامي في الوزارة، عمر سلامة، قال لحبر في اتصال هاتفي، إن استئجار الوزارة آبارًا خاصة لتغطية جزء من نقص التزويد لديها، هو أمر يتم من سنوات طويلة، وفي مناطق مختلفة من المملكة.

الاستثمارات الزراعية تعود إلى الجنوب

إذن، ورغم ثلاثة عقود قضتها الشركات في المنطقة إلّا أنها فشلت في تحقيق تنمية مستدامة. في وقت، يقول الزعبي، إنه كان من الواجب على السياسات المحلية أن تضمن توزيعًا عادلًا للعوائد. الأمر الذي لم يحدث، ففي حين حصل المستثمرون الكبار على موارد لاستثمارها، لم يحصل أبناء المنطقة على فرص مشابهة.

في السنوات الأخيرة، خصصت الحكومة جزءًا من أراضي المنطقة لاستثمارها في الزراعة من قبل أبناء المنطقة. ففي العام 2008، يقول فالح الزوايدة، رئيس جمعية الديسي الزراعية، إن الحكومة فوضت للجمعية قرابة ألف دونم، تستأجرها حاليًا جمعية المتقاعدين العسكريين. وفي المدورة، تأسست في عام 2020 جمعية زراعية، يقول رئيسها سعد أبو شوشة، إن الحكومة فوضت لها 2250 دونمًا، منها 1750 دونمًا، مقسمة إلى 70 وحدة، من المقرر توزيعها على 70 عائلة في البلدة. 

استثمار جمعية المدورة هو واحد من أربعة استثمارات زراعية حكومية تأسست عام 2020، بشكل متزامن، في المواقع التي كانت تحتلها الشركات الثلاث، وتزرع القمح والبرسيم والذرة العلفية والبطاطا.

أسست الاستثمارات الثلاث الباقية شركتا البشائر والحق، التي مُوّلت مشاريعها من صندوق التعويضات البيئية،[40] في حين أسست شركة الضمان للاستثمار والصناعات الزراعية الاستثمار الأخير، ويموّله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.

أخيرًا، لا يمكن الكتابة عن مياه الديسي، دون الإشارة إلى أن أحد مصادر استهلاك المياه المثيرة لجدل هائل بين أبناء منطقة حوض الديسي، هو مزرعة فارهة تابعة لديوان ولي عهد أبو ظبي، تضم قصرًا مقامًا على قمة أحد جبال المنطقة. وفق الأرقام التي أعلنت عنها وزارة المياه ردّا على السؤال النيابي السابق الذكر، فإن لهذه المزرعة ستة آبار، منها خمسة عاملة، ضخت عام 2020 ما مجموعه مليونان و400 ألف متر مكعب من المياه.

الهوامش

[1] تمت الزيارة في تموز (يوليو) 2021.

[2] جلسة المجلس الاستشاري 2 تموز 1979.

[3] جلسة المجلس الاستشاري 12 تشرين الثاني 1979، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[4] جلسة مجلس النواب، 22 آذار 1994، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[5] جلسة مجلس النواب، 6 كانون الثاني 1999، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[6] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[7] جلسة مجلس النواب، 19 كانون الثاني 1994، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[8] جلسة المجلس الاستشاري 8 حزيران 1981، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[9] ذكر أحد أعضاء المجلس الاستشاري، في الجلسة المشار إليها في الهامش السابق، أن تنفيذ مشروع الديسي الزراعي انتهى العام 1974. لم يتسن لنا التأكد من السنة بدقة.

[10] جلسة المجلس الاستشاري، 8 حزيران 1981، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[11] جلسة المجلس الاستشاري، 31 آب 1981، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب

[12] جلسة المجلس الاستشاري، 8 حزيران 1981، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[13] جلسة المجلس الاستشاري، 31 آب 1981، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[14] جلسة مجلس النواب، 22 آذار 1994، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[15] Politics matter: Jordan’s path to water security lies through political reforms and regional cooperation, Valerie Yorke, (NCCR) «Trade Regulation«, Working Paper No 2013/19| April 2013.

[16] Disi Water Use for Irrigation – a False Decision and Its Consequences, Elias Salameh, Marwan Alraggad, Arwa Tarawneh, Clean – Soil, Air, Water 2014, 42 (12), 1681–1686.

[17] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[18] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[19] جلسة مجلس النواب، 6 كانون الثاني 1999، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[20] جلسة مجلس النواب، 22 آذار 1994، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[21] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Executive Summary, Ministry of Water & Irrigation, 2004.

[22] Politics matter: Jordan’s path to water security lies through political reforms and regional cooperation, Valerie Yorke, (NCCR) «Trade Regulation«, Working Paper No 2013/19| April 2013.

[23] Disi Water Use for Irrigation – a False Decision and Its Consequences, Elias Salameh, Marwan Alraggad, Arwa Tarawneh, Clean – Soil, Air, Water 2014, 42 (12), 1681–1686.

[24] جلسة مجلس النواب 6 كانون الثاني 1999، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[25] انظر/ي جلسات مجلس النواب 21 شباط 1993، و12 كانون الثاني 1994، و20 آذار 1994، و18 كانون الثاني 2001.

[26] المياه من أجل الحياة، استراتيجية المياه- الأردن 2008-2022.

[27]Politics matter: Jordan’s path to water security lies through political reforms and regional cooperation, Valerie Yorke, (NCCR) «Trade Regulation«, Working Paper No 2013/19| April 2013.

[28] Disi Water Use for Irrigation – a False Decision and Its Consequences, Elias Salameh, Marwan Alraggad, Arwa Tarawneh, Clean – Soil, Air, Water 2014, 42 (12), 1681–1686.

[29] Disi Water Use for Irrigation – a False Decision and Its Consequences, Elias Salameh, Marwan Alraggad, Arwa Tarawneh, Clean – Soil, Air, Water 2014, 42 (12), 1681–1686.

[30] Disi Water Use for Irrigation – a False Decision and Its Consequences, Elias Salameh, Marwan Alraggad, Arwa Tarawneh, Clean – Soil, Air, Water 2014, 42 (12), 1681–1686.

[31] Brief for GSDR 2015, The Concept of Sustainable Development: Definition and Defining Principles, Rachel Emas, Florida International University.

[32] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[33] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[34] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[35] Environmental and Social Assessment Disi-Mudawarra to Amman Water Conveyance System, Volume 1 of 2, ministry of water & irrigation, June 2004.

[36] قانون سلطة المياه رقم 18، للعام 1988، المادة 25.

[37] نظام مراقبة المياه الجوفية رقم 85، للعام 2002، المادة 38.

[38] جلسة نيابية بتاريخ 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2008، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب.

[39] هناك إشارة إلى ذلك في عدة قرارات قضائية تخص النزاع بين الحكومة والشركات.

[40] حصل الأردن على 160 مليون دولار تقريبًا، بقرار من الأمم المتحدة، عام 2005، وذلك تعويضًا عن الأضرار البيئية التي سببتها لمناطق البادية في المملكة حرب الخليج الأولى. وأعلنت الحكومة أنها تستخدم هذه الأموال في مشاريع لتأهيل هذه المناطق.

ما عدا ذلك، ليس هناك أي معلومات عن المزرعة الممتدة على مساحات شاسعة في المنطقة، ومحاطة بالكامل بسياج تتوزع على مداره نقاط مراقبة، لا من حيث مساحتها، ولا نوع الأنشطة الزراعية داخلها. وكل ما يظهر منها للمارّ بمحاذاة السياج هو غزلان المها التي تُربّى داخلها، ويمكن رؤيتها من خلف السياج، تتنقل في المكان، أو تستريح في ظلال الأشجار.

حاليًا، شركة «رم»، المملوكة لمجموعة شركاء، على رأسهم رجل الأعمال صبيح المصري، هي الشركة الوحيدة الباقية من بين الشركات الأربع. فقد خرجت شركات المدورة بعد انتهاء عقودها بالتزامن مع تنفيذ مشروع نقل مياه الديسي عام 2013، الذي قالت مصادر حكومية إن الجهة المموّلة له اشترطت وقف النشاطات الزراعية الضخمة في المنطقة كشرط للتشغيل. لكن الحكومة التي تمكنت من إخراج شركات المدورة لم تستطع فعل الأمر ذاته مع «رم»؛ ففي حين تنص عقود شركات المدورة على أن التجديد يتم بموافقة الطرفين، فإن عقد «رم» ينص على أنه «يجدد تلقائيًا»، أي دون شرط موافقة الحكومة. ورغم أن الحكومة أعلنت وقت انتهاء عقد الشركات الأخرى، أن ارتكاب رم لمخالفات يشكل منفذًا قانونيًا لإنهاء عقدها، إلّا أنها ما زالت مستمرّة في نشاطاتها الزراعية. وإضافة إلى ذلك، تبيع الشركة الآن المياه للحكومة، إذ تستأجر شركة مياه العقبة منها عدة آبار لتغطية قسم من احتياجات المدينة.
كيف دخلت شركات الجنوب؟

بدأت القصة قبل دخول هذه الشركات ببضع سنوات. في عام 1979، كانت المساحة المروية في المملكة تشكل 7% فقط من مجمل المساحة الزراعية.[2] لكن، وبعد موجة جفاف أصابت المملكة وضربت الزراعة البعلية فيها، توجهت الحكومة نحو التأسيس لمشاريع إنتاج حبوب وأعلاف تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار القمح والطحين محليًا وعالميًا. مشاريع تسهم، كما قيل تلك السنة في إحدى جلسات المجلس الاستشاري (الذي حل محل مجلس النواب في فترة الأحكام العرفية)، في تفويت الفرصة على الدول التي كانت تستخدم القمح سلاحًا سياسيًا في تعاملها مع الدول الفقيرة.[3]

ولتجاوز حالة الجفاف وقتها، طُرِح استثمار المياه الجوفية في منطقتيْ الأزرق والجنوب، باستخدام حوضي الأزرق شرقًا والديسي جنوبًا، بوصفه الحل الوحيد. وأَطلقت خطة التنمية الخمسية (1986-1990)، إشارة التنفيذ عندما نصّت على وضع 200 ألف دونم تحت الري في المناطق الشرقية والجنوبية في المملكة، وتقديم حوافز للقطاع الخاص لتشجيعه على الانخراط في هذه المشاريع.[4]

المصدر
حبر
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى