شاهد.. كيف يغضب النمل؟ وكيف يتحكم في غضبه؟

سواليف – في أحدث دراسة علمية لعالم النمل الذي لا تنتهي عجائبه، نشر علماء من قسم العلوم البيولوجية في جامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي الأميركية، أدلة قاطعة على وجود آلية محددة لدى النمل مسؤولة عن إطلاق السلوكيات العدوانية تجاه النمل الآخر.

يحدد هذا البحث، الأول من نوعه والذي نشر يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي في دورية “جورنال أوف إكسبيرمنتال بيولوجي”، هذه الآلية، كما سلطت النتائج الضوء على دورها الدقيق في بيولوجيا النمل، وتأثيرها على الحياة الاجتماعية في مملكة النمل التي تعد من أعقد النظم الاجتماعية في عالم الحشرات وأكثرها نجاحا.

معطف الروائح
من المعروف أن النمل من الحشرات الاجتماعية التي تشكل مستعمرات وتوصف بالكائن الخارق، لأن النمل يعمل ككيان موحد لدعم المستعمرة، ولدى مجتمعات النمل تقسيم عمل، وتواصل بين أفراده، وقدرة على حل المشاكل المعقدة، وكان هذا التشابه مع المجتمعات البشرية مصدر إلهام وموضوع مهم للدراسات العلمية منذ فترة طويلة.

بالنسبة لمعظم الحيوانات الاجتماعية، فإن القدرة على التمييز بين العدو والصديق يمكن أن تشكل تحديا كبيرا، وقد تؤدي في كثير من الأحيان لتطوير عدوان غير مباشر، لكن عندما يتعلق الأمر بالنمل، يصبح هناك طريقة أكثر تطورا لإظهار جنونه وسلوكياته العدوانية.

قال لورانس زويبل، كبير مؤلفي الورقة البحثية ورئيس كرسي كورنيليوس فاندربيلت في العلوم البيولوجية لصفحة أخبار البحوث بجامعة فاندربيلت، “يعد نمل الإيوسيال (ذو التنظيم الاجتماعي العلوي) أحد أكبر قصص النجاح في علم الأحياء التطوري، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى سلوكياته التنظيمية المتقدمة وتفاعلاته الاجتماعية المعقدة”.

أحد أهم جوانب هوية النمل هو قدرته على التمييز بين أقران العش وبين غيرهم من أفراد مستعمرات النمل الأخرى. للقيام بذلك، يعتمد النمل على علامات كيميائية مكونة من روائح معينة، التي يشير إليها زويبل باعتبارها “معطفا للعديد من الروائح”، لتنبعث منه رائحة مزيج معقدة تعمل كنوع من التعريف الشخصي للنمل.

السلوك العدواني
في هذه الدراسة، اكتشف الباحثون أن النمل يجب أن يشم ويفك شفرة هذه المركبات المحددة على النمل الدخيل من المستعمرات الأخرى بشكل صحيح من أجل “إطلاق” سلوكه العدواني والدفاع عن عشه.

هذا يعني أن الوضع الافتراضي للنمل هو قبول أقرانه في العش، وأنه يختار البدء في العدوان فقط إذا جرى “إطلاق” سلوكه العدواني على وجه التحديد.

ويقول زويبل “لسنوات، افترض الباحثون أن النمل له علامات كيميائية محددة تلعب أدوارا رئيسية في ردود فعله. ما أدهشنا هو أن النمل لا يحتوي على هذه العلامات فحسب، بل يستطيع فك ترميز هذه الإشارات بدقة شديدة بواسطة مستقبلات محددة لإطلاق العدوان”.

لدراسة آلية “القفل والمفتاح” التي تتحكم في عدوانية النمل، جمع زويبل وطالب الدراسات العليا ستيفن فيرغسون، المؤلف الرئيسي للدراسة، “النمل الحفار” من تسع مستعمرات متميزة في فلوريدا كيز، وهي سلسلة من الجزر المرجانية تقع في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة فلوريدا بين خليج المكسيك والمحيط الأطلسي.

وقبل الاختبار، استخدما عاملا كيميائيا محددا سبق اكتشافه بواسطة مختبر زويبل لمنع أو زيادة إفراز مستقبلات رائحة النمل. وأقاما ساحات مبارزة صغيرة للنمل (إما من المستعمرة نفسها أو من مستعمرات مختلفة) لدراسة سلوكيات النمل.

وقاما بتصوير النمل لتسجيل ردود الفعل خلال كل اختبار استنادا إلى السلوكيات العدوانية، التي كان أكثرها شيوعا الاندفاع أو العض أو السحب.

وبينما استمر النمل ذو المستقبلات العادية في التعرف على النمل من المستعمرات الأخرى ومحاربته، فإن النمل ذا المستقبلات المعطلة أو مفرطة النشاط أظهر سلوكا عدوانيا مخفضا بدرجة كبيرة.

قال فيرغسون “قبول الأصدقاء ورفض الأعداء هو أحد أهم القرارات التي يجب على النملة العاملة (الشغالة) اتخاذها”، وأضاف “توصلت دراستنا إلى أنه ما لم يكن هناك تهديد واضح لا لبس فيه، فمن المرجح أن يكون النمل أكثر قبولا للنمل الآخر، بدلا من أن يكون عدوانيا”.

وأضاف “ربما تكون هذه العملية قد أسهمت في النجاح التطوري لهذه الحشرات، وقد تكون هناك دروس مهمة حول تهدئة العدوان لكائنات اجتماعية أخرى مثل البشر”.
المصدر : الجزيرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى