سِيناريُوهات اقتصاديّة لِتجاوز الأزمة

سِيناريُوهات اقتصاديّة لِتجاوز الأزمة
سلامة الدرعاوي

ليسَ مِن السهل على الحُكومة اليوم أن تُقدم حلولاً سريعة لِتجاوز تداعيات الوضع الاقتصاديّ المُتأزم على المدى القصير أو المتوسط أو حتى بعيد المدى، فالخزينة تعيش تحت الضغط اليوميّ لتوفير الرواتب والتقاعدات دون تأخير، وهي بذلك لا تملك تَرَف الوقت لِوضع سياسات إصلاحيّة بِقدر ما هي تبحث عن مُعالجات سريعة للأزمة الاقتصاديّة الراهنة.
أَجزِم أن الحُكومة تعي تمام مَشاكل الاقتصاد الوطنيّ وإشكاليات النُمُوّ التي تعاني منها الكثير من القطاعات الاقتصاديّة التي تمرّ اليوم بظروف صعبة، ناهيكَ عن التعقيدات التي تشهدها بيئة الأعمال المحليّة وتراجع تَنافُسيتها.
لكن الحلول تصطدم بواقع ماليّ مرير، فالحكومة تعي جيداً أن تعزيز تنافسيّة الاقتصاد يتطلب تخفيض كُلّف الطاقة التي تعتبر اليوم أكبر تحدّي أمام نُمُوّ القطاعات المختلفة، لكن للأسف الحُكومة غير قادر لغاية اليوم على التحرك لِمُعالجة هذا التشوه بسبب اتفاقيات الشراء للكهرباء التي وقعتها مع شركات مُتعددة لـ25 عاما بتعرفة عالية جداً، لا تستطيع تجاوزها لإبعادها وتداعياتها القانونيّة التي جميعها خاضعة للقانون الدوليّ والمحاكم الخارجيّة.
الحُكومة تعلم جيداً أن سيارات «الهايبرد» والكهربائية منها تُساهم في زيادة إقبال المواطنين عليها لما تتمتع به من توفير على مقتنيها، لكنها تصطدم أيضا بخسائر ماليّة جراء تراجع الطلب على وقود السيارات وهي تُشكّل ثقلاً ماليّاً عالياً في إيرادات الدولة الضَريبيّة، والأمر مُشابه للطاقة المتجددة وأثرها على عوائد المحروقات التي لها أهمية كُبرى في هيكل الإيرادات الضَريبيّة حيث تُشكّل ما نسبته 26 بالمئة منها بمجموع مقداره 17.1 مليار دينار.
في ضوء ذلك هُناك مطالبات ماليّة مؤجلة على الحُكومة غير قادرة اليوم على دفعها سواء أكانت لقطاعات اقتصاديّة معينة أو مطالب ماليّة للعاملين لديها، ومبلغها الذي قد يتجاوز الـ1,5 مليار دينار، مقابل عجز ماليّ يُناهز الـ650 مليون دينار حسب ما هو مُقدّر.
هذه التشبيكات والتعقيدات الماليّة التي تواجه الخزينة العامة تزيد من التحدّيات التي تحيط بالخزينة والاستقرار الماليّ، ولا يمكن أن يكون هناك حلول إلا اذا تنازلت الأطراف الماليّة عن ما تريده في الوقت الراهن وترحّله إلى إشعارٍ آخر، وهذا لا يبدوا مُتاحاً في الأفق القريب، مما يجعل سِيناريُوهات الحلّ تكاد تكون صَعبة للغاية.
على ضوء ما تحدثنا به سابقاً من تحدّيات وضغوطات تواجه الخزينة فأن الحلّ يكاد يكون مُنحصراً في حلّين لا ثالث لهما:
أولاً: مُساعدات استثنائيّة تحصل عليها المملكة عبر توظيف مكانتها السياسيّة وعلاقاتها بالمانحين والمؤسسات الدوليّة، وهذا الأمر تكرر كثيراً في السنوات الماضيّة حيث كانت المساعدات الخارجيّة المُنقذ الرئيسيّ للموازنة من الدخول في نفق مظلم، وللعلم، الرقم الوحيد في الموازنة الذي يخالف إيجابا بين المُقدّر والفعليّ هو رقم المساعدات الخارجيّة التي غالبا ما يزداد حجمها أكثر بكثير مما قدّر في الموازنة، عكس باقي المؤشرات التي تتراجع فعليّاً مُقارنة مع المُقدّر.
والمنح التي حصل عليها الأردن في الفترات الماضيّة لعبت دوراً حاسماً في إنقاذ الاقتصاد واستقرار الخزينة، وفعليّاً هناك اعتماد متزايد على المساعدات الخارجيّة في ذلك من عام لآخر، عكس ما يتضمنه الخطاب الرسميّ من زيادة الاعتماد على الذات.
ثانيا: عمليّة سياسيّة مُتكاملة تؤدي لمنتج مؤسسيّ سياسيّ جديد قادر على التعاطي مع معطيات المرحلة الراهنة وتحدّياتها الداخليّة والخارجيّة، وترفع مِن درجة المشاركة السياسيّة في المجتمع وتحمّل المسؤوليات في رسم وصنع القرارات وإدارة الدولة، مصحوبا بتعديلات مُهمة على عدد من التشريعات الناظمة للحياة السياسيّة ومنها: قانوني الانتخاب والأحزاب، بهدف إعادة لحمة الشّارع ورفع جاهزيته للمشاركة السياسيّة والخروج بروح سياسيّة جديدة في المجتمع.
قد تكون الأفكار السابقة حلولاً للأزمة، لكن الأمر بحاجة إلى خارطة طريق واضحة تحدد ذلك الهدف قبيل الشروع بأيّة خطوات سياسيّة إصلاحيّة لِمُواجهة الوضع الاقتصاديّ المُتأزم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى