سيول الفساد
جلست اليوم متأملا منظر السيول الجارفة، وصوت هدير امواجها، وراقبت سير المركبات وهي تعوم،كأنها قوارب تجوب المحيطات، وآلمني جسد المواطن وهو يسبح عكس التيار، كأنه سمكة سمكة سلمون وقت مغادرتها لمجاري الانهار، كلها معاناة والم وشقاء وهي تبحث عن ملاذ جديد يحتويها لتكمل سلسلة حياتها البائسة، واستحضرت من تلك القطرات المباركة سيل الدماء التي اريقت من اجساد ابطالنا الذين قضو نحبهم في سبيل ان لا ينجرف الاردن نحو الهاوية كما حصل لبقية بلداننا العربية، واستحضرت ايضا حجم الاموال التي ابتلعتها بطون اولئك الخونة الذين استأمناهم على اموالنا وانفسنا والتي كانت بحجم المياه التي راحت هباء منثورا، وفوق ذلك دمرت مصادر رزقنا وحصدت العديد من الارواح البريئة.
إن المتأمل لهذه السيول الجارفة لا يرى فقط كميات كبيرة من المياه تسيل، فحين نمعن النظر اليها نرى حجم الفساد وحجم اللامبالاة بممتلكات هذا الوطن المسكين، الذي يتلقفه الكثير من حيتان هذا البلد، فأتسائل قائلا: مالذي اوصلنا الى هذا الحال، فلا أرى من سبب الا اننا نستحق كل هذا، لاننا سكتنا جميعا عن غطرسة الفاسدين، ولا احمل أيا منهم مسؤولية هذا الدمار، لانهم بطبيعة الحال لصوص، واللص لا يترك فرصة للنهب والسلب الا ويستغلها ان لم يجد من يوقفه ويعاقبه، فاليوم جرت السيول جارفة شوارع مدننا مخلفة وراءها بعض الاخبار التي عبئت وقت فضائيات شاشاتنا، فغدا سيتوقف هطول المطر وستتوقف الفضائيات باحثة عن اخبار جديدة، وسيتكرر هذا المشهد مرات ومرات دون حدوث اي تغيير، والى ذلك الوقت سيظل الفاسد والجشع يحلب خيرات بلدنا وسيظل يعلق اسباب هذه الكوارث على شماعة بعض الانهيارات الترابية التي ادت الى اغلاق مناهل الصرف الصحي.
أيها الناس، لقد بلغ السيل الزبا، وآن الاوان كي نقول من وراء كل هذه الفواجع التي تصيبنا يوما بعد يوم، فأنا اعرفهم وانتم كذلك، فاكسروا حاجز الصمت، فنحن الشعب الباقي، وهم الزائلون، فاصرخوا وهبو في وجه كل من يعتدي ويستبيح بممتلكات الوطن، فالسيل اخره الانحصار، والحياة آخرها الموت، فلا تخافو في الحق لومة لائم.
صدقت
نستحق ما جرى لنا لاننا سكتنا عن قول الحق
قال صلى الله عليه وسلم اذا رأيت امتي تخشى ان تقول للظالم يا ظالم فقد توِدّع منهم