سيناريوهات المواجهة السعودية مع حزب الله
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تتوالى الأحداث سراعاً بعد الاستقالة المفاجئة في توقيت مهم وحساس تقدم بها رئيس الوزراء اللبناني (سعد الحريري)، أعلنها من العاصمة السعودية “الرياض” وليس من بيروت تبعه سقوط صاروخ بالستي حوثي – إيراني تناثرت شظاياه عند مطار الملك خالد في الرياض، وهو الأمر الذي أعتبر بمثابة ردّ إيراني عاجل على استقالة الحريري.
استقالة الحريري فجّرت جُملة من التساؤلات الواسعة حول أسبابها وتوقيتها ومغزاها، في ظل التوتر السياسي غير المسبوق بين المملكة العربية السعودية ونظيرتها إيران التي نجحت في بناء شبكة الأمان كما تحب أن تسميها إيران، طبعاً وفي مقدمتها (حزب الله) في لبنان.
ما يجري طرح كثيراً من التساؤلات، وعما إذا كانتِ الأمور تتّجه نحو الحرب، على ضوء مؤشراتٍ عديدةٍ تشي بذلك ؟.
اللافت في الأمر أنّ الردّ الإيراني على استقالة الحريري وما تلاها من تطورات، جاء ت سريعةً للغاية، حيثُ أطلقت مجموعة من التصريحات التي تتحدى السعودية.. وغيرها على مهاجمة إيران، أو النيل من حزب الله، وتحدي صارخ بأنّ استهداف الحزب معناه تفجير المنطقة برمتها .
إسرائيل أيضاً دخلت على خط المواجهة، وطالبت بأهمية ردع حزب الله، واعتبارها عامل ضغط من المجتمع الدولي لكفّ يد إيران عن لبنان تماماً .
هذه التطورات تنذر أن المنطقة باتت على صفيح ساخن، وتشير أن بوصلة الأحداث تتجه نحو تغيرات سريعة ومتلاحقة قد لا يُحمد عقباها.
شكلت استقالة الحريري من رئاسة الحكومة صدمة بالنسبة لحزب الله اللبناني، رغم محاولات أمين الحزب (حسن نصرالله) بالأمس ترك تقدير خطورة الاستقالة إلى الظروف والمتغيرات؛ فالقضية الأساسية التي خلفتها الاستقالة تتمثل أنها رفعت الغطاء الإقليمي والدولي عن حزب الله، واستحالة تشكيل حكومة جديدة في ظلّ ما يعصف بلبنان من تحديات خطيرة .
وانسجاماً مع ما أعلنه الحريري عن استحالة موافقة (تيار المستقبل) الذي يترأسه في المشاركة في أي حكومة تضمُّ حزب الله، ورفض الحزب بالمقابل من ترشيح أي شخصية عدا (سعد الحريري)، إلى جانب اعتبار السعودية أية حكومة سيشارك فيها حزب الله سيتم اعتبارها حكومة حرب، ما يعني أنَّ لبنان سيكون أمام أزمة خطيرة .
بموازاة ذلك تتزايد الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية على إيران وحزب الله، إلى جانب تزايد احتمالية المواجهة العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، وإن كان (حسن نصرالله) قد استبعدها في هذا التوقيت بالذات .
تُراهن إيران على تورط السعودية في جملة من الأزمات المتشابكة “الأزمة السورية، واليمنية، والقطرية ….”،والتي من المستحيل حلّها، وتعتقدُ بصعوبة الإقدام على أيّة خطوات ضدّها وضد حزب الله، بل وصلتْ إلى حدّ اعتبار سياسات الرياض التصعيدية تأتي للفت الأنظار عما يجري داخل السعودية .
تعتقد إيران وحزب الله معاً، أن السعودية ستسعى إلى تفجير الأوضاع الداخلية في لبنان، والزج بالقوى السنية في أتون صراع مع حزب الله، وتفجير صراع سني – شيعي، للتعويض عن الفشل السعودي في مواجهة لبنان، وفي ساحات الأزمات الأخرى، ويُنتظر أن ترتفع الأصوات من الداخل اللبناني، وتطالب -مجدداً- بسحب أسلحة حزب الله، وانسحابه من الأزمات الإقليمية، التي ورّطت لبنان وأدخلته في دوامة من المشكلات والصراعات.
سيناريوهات الأزمة :
ما يجري اليوم وضع المنطقة عند مفترق طرق، وفتح الباب أمام لوضع (سيناريوهات) لما سيجري خلال الفترة المقبلة، وفي هذا الإطار:
-السيناريو الأول : يشير إلى أن إيران ستتجه إلى سياسة خلط الأوراق مستهدفة السعودية بشكل أساسيّ من خلال إثارة الفوضى مستغلة الحريق الإقليمي، ولن تقوم طهران -كالمعتاد- بهذه المهمة بنفسها؛ وإنما ستوكل هذه المهمة لوكلائها في المنطقة، كحزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي ….، ولا نستبعد استهداف السعودية من خلال البوابة العراقية .
-السيناريو الثاني: لا شكّ أن استقالة الحريري وتداعياتها تُمثل إعلان حرب على لبنان كما وصفها أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني (محسن رضائي) خاصة أنها جاءت من الرياض؛ ولهذا أعلنت إيران على لسان عدد من مسؤوليها أنها لن تقف موقف المتفرج إزاء هذا التطور الخطير، حيث اعتبر عضو مجلس الشورى الإيراني ورئيس لجنة الأمن القومي (علاء الدين بروجردي) أن الهجوم خير وسيلة للدفاع عن إيران ووكلائها، لكن يبقى الهجوم كما عودتنا إيران عليه من خلال وكلائها؛ لأن إيران دائماً كانت، ولا زالت تعتمد على هذه القاعدة الذهبية للدفاع عن نفسها، لهذا قد تلجأ إلى إعادة الكره مستهدفة المصالح السعودية في الخارج، واللجوء إلى سلاح الاغتيالات، أو محاولة توتير الأوضاع داخل البحرين، ودفع خلاياها النائمة لافتعال أعمال إرهابية هناك .
بموازاة ذلك فإن لدى السعودية خيارات عديدة لمواجهة حزب الله ، فهي تمتلك سلاحاً جوياً قوياً مع تجربة في ضرب الأهداف، من اف ” 16″ و”اف 15 “” وتورنادو” القادرة على الوصول إلى العمق اللبناني لضرب الأهداف والتزود بالوقود جواً، ولديها القدرة العملية لتنفيذ هجمات ضد مواقع حزب الله في جنوب سوريا من خلال المرور عبر الأجواء العراقية، أو حتى استخدام القواعد الجوية المصرية، ولدى أجهزة الاستخبارات السعودية كذلك القدرة على استهداف قادة حزب الله داخل لبنان وفي سوريا .
حتماً عندما تهدد السعودية حزب الله، بالتأكيد فإن في جعبتها الكثير الذي أعدته للمواجهة، وقطعاً سيتزامن أي تحرك سعودي من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة بشكل كامل، لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد حزب الله داخل لبنان وخارجه .