سيسي في أمريكا! / عبد الرحمن يوسف

سيسي في أمريكا!
رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر، السيد عبد الفتاح “سيسي”، في نيويورك كعادته السنوية، يشارك في اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، يحاول بشتى الطرق اكتساب هيئة الرئيس “الشرعي”، لذلك يحرص على ارتقاء منصة الأمم المتحدة ليحصل على “اللقطة” التي يريدها، وليس ذلك بجديد على نظام احترف أسلوب الإدارة باللقطة.

تتحدث وسائل إعلامه عن “برنامجه” الحافل، سيحرص على “لقطة العلاقات المصرية الأمريكية الاستراتيجية”، ومن ضمنها لقطة الشخصيات الهامة (السياسية والفكرية)، وليس ذلك بصعب، فكثير من هذه الشخصيات معروض للبيع والإيجار عند شركات العلاقات العامة والتسويق السياسي الأمريكية، وبعض هذه الشخصيات سيسعده استغلال شهوة رئيس سفاح للظهور بهيئة الرجل المهم.

بعد ذلك لقطة المال والأعمال، من خلال مجموعة من اللقاءات مع قيادات كبرى الشركات الأمريكية، وصناديق الاستثمار، وبيوت المال، وكبار مسؤولي وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية وبعض أعضاء الكونجرس… كل ذلك لإثبات أن الأمور الاقتصادية في مصر “زي الفل”! وكل أو جل هؤلاء سيأخذون قطعة من الكعكة المصرية المتاحة لكل صاحب نفوذ.

بعد ذلك تأتي “لقطة الرؤساء”، فيلتقي مع عدد من رؤساء الدول والحكومات؛ والهدف الحقيقي من اللقاءات الحصول على مزيد من “اللقطات” الرئاسية لا أكثر.

* * *

أما المضحك المبكي في هذه الزيارة فهو أن السيد “سيسي” سيشارك في قمة نلسون مانديلا للسلام، والتي تأتي تزامنا مع الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الزعيم الأفريقي الراحل، بل إنه سيلقي كلمة بهذه المناسبة!

تطالبه آلاف التقارير الحقوقية من جميع المنظمات المحترمة في العالم بمراعاة “قواعد مانديلا” في التعامل مع الأبرياء الذين يحتجزهم في زنازين انفرادية أشبه بالقبور. هذا السفاح قتل الآلاف من شعبه، ويحتجز عشرات الألوف من المصريين في سجونه، ويصادر أموال آلاف المواطنين الشرفاء، ويشرد مئات الآلاف، ويفقر ملايين… ثم يقف أمام الكاميرات ليلقي كلمة في قمة نلسون مانديلا للسلام… هنيئا لك بهذه اللقطة يا “سيسي”!

* * *

في كلمته أمام الأمام المتحدة لن يتحدث إلا في موضوعه الأوحد، الإرهاب!

بشرنا وزير خارجيته أنه سيدعو خلال كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى مواجهة شاملة وحازمة للإرهاب، من خلال تعاون واتساق كامل بين كل دول العالم، وأنه سيقترح معاقبة الدول الداعمة للإرهاب!

لله في خلقه شؤون!

* * *

برغم كل هذه اللقطات ما زال السيد “سيسي” مرعوبا في قرارة نفسه، فهو يعلم أنه ليس أكثر من رئيس عصابة، يلبي ما تطلبه منه قوى الشر العالمية، لذلك لا يستطيع أن يتصرف ويتحرك بشكل طبيعي كباقي الرؤساء.

يحتاج “سيسي” إلى حاشية تحميه، لذلك يحاول فبركة لقطة التأييد الشعبي. وللأسف نرى المشهد المشين الذي تتكفل به الكنيسة المصرية، ونشاهد فيديوهات رجال الدين الأقباط الذين يحشدون المصريين الأقباط من أجل الذهاب إلى نيويورك لتأييد “سيسي”.

إنه المشهد الطائفي البائس الكئيب الذي تعيشه مصر اليوم بفضل وجود سفاح على رأس السلطة، وبفضل وجود رجال دين لا يدركون عواقب ما يفعلون.

ومع ذلك، نرى بعض الكاذبين الذي يتحدثون عن الرئيس الذي قضى على خطر الدولة الدينية، وعن الدولة المدنية الحديثة التي جاءت بعد دولة الإخوان المسلمين!

يتحدث رأس الكنيسة الأرثوذوكسية في شعب الكنيسة في أمريكا عن ضرورة دعم الرئيس (وهو نشاط سياسي بحت) وكأنه عمل “ديني” بلا أي خجل، ويتحدث قساوسته بكل أريحية عن هذا الأمر وكيف يجلب رضى الرب، ثم يحاضروننا عن إدخال الدين في السياسة، وعن الدولة الدينية وأخطارها على مدنية الدولة!

(ملحوظة: أؤكد على أنني أتحدث عن رأس الكنيسة المصرية ومن معه من القساوسة الذين قبلوا الانخراط في هذه المهمة غير الشريفة، ولا أتحدث عن كل القساوسة، ولا أتحدث بالطبع عن إخوتنا الأقباط جميعهم… حيث إنه من الواضح بعد كل هذه الجهود أن الاستجابة محدودة جدا، بعد أن انكشفت حقيقة الرئيس الطائفي الذي يستغل الأقباط، إنه رئيس يستبد بكل المصريين… مسلمين وأقباط).

* * *

إن المشهد واضح كل الوضوح لكل ذي عينين… نحن أمام رئيس يدير سياسته الداخلية بالرصاص الحي، وبسجون من يدخلها مفقود، ومن يخرج منها مولود، ويدير سياسته الخارجية باللقطة، فينفذ ما يطلب منه مهما كان، حتى لو باع أرض بلاده وثرواتها لأعدائها.

كما أنه رئيس مكشوف أمام الداخل والخارج، فهو يستغل الطائفة المسيحية استغلالا مباشر للحصول على مظهر صاحب الشعبية، ولكي يفجر ملف الفتنة الطائفية في أي لحظة.

وهو رئيس مكشوف على المستوى الخارجي أيضا، وقد نشر ذلك بشكل صريح في كتاب “الخوف” للكاتب الأمريكي المعروف بوب وودورد، فهو قاتل “قذر”… أو كما قال عنه ترامب!

ولا حل للخلاص من هذا السفاح سوى توحيد فصائل الثورة، واستجابة عقلاء مؤسسات الدولة أيضا؛ لأن لحظة التخلص من هذا السكيوباتي قريبة، وسيكون من المؤسف حينها أن تكون المعارضة خارج إطار الفعل، وأن يترك الفعل للقوى الخارجية، وللعملاء المزروعين في كل مكان داخل أجهزة الدولة بفضل المخلوع مبارك، وبفضل العميل “سيسي”.

* * *

بقيت كلمة أخيرة: يتحدث دعاة الاصطفاف من زمن طويل عن توحيد قوى الثورة، وكيف أن الجميع متضرر من بقاء النظام الحالي، وعلى جميع المتضررين التوحد، على قاعدة “إن المصائب يجمعن المصابينا”.

وحين سجن ابنا الرئيس المخلوع مبارك الأسبوع الماضي، حاول بعض السفهاء استغلال ما حدث معهما لكي يظهروا دعوة الاصطفاف وكأنها تشمل كل متضرر من النظام، وكأنها يقصد بها أن يصطف أهل الحق مع أهل الباطل، وأن أمثال أبناء مبارك هم المقصودون بدعوات الاصطفاف.

ولهؤلاء نقول: لقد كنتم سفهاء، وستظلون سفهاء، واصطيادكم في الماء العكر دأبكم، ولا جديد في كل ما تفعلون.

دعوات الاصطفاف ليست لأمثال هؤلاء، ولا يقول ذلك إلا أصحاب المصالح الخاصة، أو أصحاب العقول المتحجرة.

موقع إلكتروني: www.arahman.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى