بسم لله الرحمن الرحيم
سوف نبقى هنا… #شيرين_أبو_عاقلة
دوسلدورف/أحمد سليمان العمري
منذ الفترة ما قبل رمضان وحتى الآن ونحن نفيق في كلّ يوم على فاجعة تنكيل أو اعتقال أو قتل في فلسطين؛ تُدينها الأنظمة العربية باليمين وتشجب تلك التي تقاوم الغزاة وتدافع عن الأرض والعرض بالشمال؛ تسعى خطابياً وشكلياً لإيقاف الانتهاكات الإسرائيلية وتوطّد العلاقات التطبيعية والإتفاقيات الاقتصادية والعسكرية على أرض الواقع.
أمّا اليوم فقد استقبلنا مصاب الأمّة بإغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بشكل إجرامي بشع ومستهدف، تماما كتلك الطرق التي يمارسها الإحتلال في فلسطين ليلا نهارا.
أستشهدت أبو عاقلة متأثّرة بجراح خطيرة، إثر إصابتها في الرأس خلال تغطيتها اقتحام قوات إسرائيلية لمخيم جنين صباح الأربعاء، واللافت للنظر أنّها كانت ترتدي الزي الصحافي وخوذة والرصاصة أصابتها في المنطقة التي لا تغطيها الخوذة، ممّا يعني بالضرورة أنّها كانت هدف قناص محترف وليس رصاصة طائشة من مسلّحين فلسطينيين كما زعم “نفتالي بينيت” وغيره من قادة الإحتلال، والتي ناقضها تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “أفيف كوخافي” الذي لم ينف ولم يحدّد مصدر إطلاق النار عليها، بما في ذلك نفي القطعية التي تحدّث بها “بينيت” وبعض المسؤولين الإسرائيليين، إضافة إلى ذلك شهادة المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “بتسيلم” أن الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي واستشهد به نفتالي بينيت متهماً بذلك مسلّحين فلسطينيين بقتل مراسلة الجزيرة، هو بحدّ ذاته شهادة تُدين جيش الإحتلال، حيث تبيّن أنّ موقع المسلّحين الفلسطينيين يبعد أكثر من 300 متر عن المكان الذي أصيبت فيه أبو عاقلة، وهو في مخيم جنين المزدحم بالمباني المتلاصقة، ولا يمكن للخيال تصوّر رصاصة تجوب المنعطفات وتصيب الراحلة.
هذا كما أفاد مصوّر وكالة الأنباء الفرنسية عن إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي، وشاهد جثّة الصحافية ملقاة على الأرض، حسب صحيفة “شبيجل” الألمانية.
هذه الشهادة كافية لإدانة قوات الإحتلال، إن لم تُستثنَ من التحقيق، ولا استبعد ذلك.
اعدام أبو عاقلة الجريئة المقدامة الغادة الشهيدة يتجاوز كلّ المعايير الأخلاقية العالمية، وهذا ليس بالجديد، فالاحتلال يستهدف العمل الصحافي لإخفاء الجرائم التي يرتكبها بحقّ الفلسطينيين. إسرائيل لم تتجاوز هذا الحدّ من العدوانية إلّا من تواطؤ الأنظمة العربية حوله.
الإعدام الميداني الذي قام به الإحتلال بحقّ صحافية الجزيرة ليس كأي إعدام أو اغتيال تمارسه إسرائيل بشكل يومي، حتى آل عند البعض إلى وجع واحد معهود يتكرّر.
في ظل التعتيم الإعلامي الذي تقوم به المؤسّسة الإعلامية العالمية، ومؤسف أن تشاركه العربية ذلك، إلّا ما رحم ربي، تقوم الجزيرة بتغطية غير مسبوقة، بحيث أصبحت عالمياً مرجعية لكثير الأخبار العالمية وتحديداً المحتوى الفلسطيني.
العمل الصحافي الذي قامت به شيرين أبو عاقلة في فلسطين منذ عام 1997م الذي يتجاوز ربع القرن يعتبر أكثر من تغطية مراسلة لصحيفة، فقد تجاوز العمل النضالي الشجاع، فصورها ما زالت خالدة في الضمير أثناء تغطيتها الإجتياح ليصل الإنتهاك الإسرائيلي والقتل إلى العالم.
التلفاز خير شاهد حي على البسالة والإقدام التي كانت تتحلّي بهمها الفقيدة، ولقد انتشر فيديو لسيدة فلسطينية من مخيم جنين وهي تستحضر مواقف شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها انتفاضة الأقصى عام 2002م حيث قالت: “أبو عاقلة شهدت اقتحام المخيم من أول يوم لآخر يوم، وريقها ناشف، لم تجد ماء لتشرب”، وأردفت السّيدة أنّ الشهيدة كانت تبحث معها أيام الاجتياح عن أبنائها في ظل القصف الإسرائيلي.
تسارعت الدعاوي العالمية لإجراء تحقيق سريع في مقتل أبو عاقلة، أمّا عربيا فقد دانت جامعة الدول العربية بأشد العبارات الجريمة البشعة، وعالمياً بدأتها الحكومة الألمانية حيث قالت المتحدّثة بإسم وزارة الخارجية اليوم الأربعاء 11 مايو/أيار أن التقارير بشأن مقتل أبو عاقلة صادمة للغاية، وأن حماية الصحفيين هي جزء أساسي من دولة القانون ويشمل ذلك التأكيد على عمل ممثلي وسائل الإعلام، بحيث يكونوا قادرين على تغطية الصراعات، وأكّدت نهاية على محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، كما وشارك ذات الإدانة الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيب بوريل”، ودعت أيضاً الولايات المتحدة الى إجراء تحقيق شفاف حول مقتل الصحافية الأمريكية الفلسطينية.
كلّ هذه الإدانات العالمية والعربية لا معنى لها، فالغرب مجبر على رفض هذه الجريمة البشعة، لكنّه لن يتّخذ أي إجراء ضد دولة الإحتلال، وواقعنا المرير خير دليل.
ليس للإحتلال من رادع غير المقاومة، لذلك يستطيع الأخير أن يقدّم أي سيناريو والسلطة والأنظمة العالمية والعربية ستشكره، لأنّها بذلك سترفع عن نفسها الحرج بالمطالبة بفتح تحقيق يدين إسرائيل، حتى لو شكلياً.
سينتهي الأمر عربياً وعالمياً بالشجب الكاذب والاستنكار الذي يستخفّ بالشعوب العربية الحرّة.
الحقيقة أنّ شيرين أبو عاقلة أدّت واجبها ببسالة ومهنية، وتجاوزت العمل التقليدي لترتق شهيدة فداء القضية، وهي بداية ونهاية فلسطينية، وهذه أقدارهم.
أنهي مقالتي المقتضبة بكلماتها:
“لن أنسى أبداً حجم الدمار ولا الشعور بأنّ الموت كان أحياناً على مسافة قريبة؛ ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع، لكنّني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم، أنا شيرين أبو عاقلة.
رحم الله شهيدة الوطن.
ahmad.omari11@yahoo.de