سوريا والغطاء الانساني / وليد عبد الحي

سوريا والغطاء الانساني

رغم الاجترار المُمِل من كافة الأطراف لا سيما القوى الكبرى عن أن الحل في سوريا لن يكون الا سلميا، فإن كافة المؤشرات في الميدان تشير إلى أن هذه النزعة السلمية ليست أكثر من محاولة اضفاء موقف اخلاقي على مواقف الداعين لها.
من الصعب للغاية تحقيق تسوية سياسية في سوريا، فدرجة التناقض بين طرفي النزاع المحليين والاقليميين والدوليين لا تغري على التوهم بامكانية التوافق بينها، كما ان فوضى القرار لا سيما في طرف المعارضة السورية ووجود هوامش تباين بين الموقف التركي والموقف الايراني والسوري وبينهما وبين الموقف الروسي، ناهيك عن هوة واسعة بين الموقف الروسي ومن خلفه الصيني وبدرجة أقل الموقف الأوروبي(بعضه على اقل تقدير) وبين الموقف الامريكي ،كلها معطيات لا توفر مجالا للتسوية، نظرا لهذا التضارب في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية(لا سيما البترول والغاز في الميدان وفي المتوسط) والسياسية والاجتماعية.
كذلك فإن موازين القوى في مجملها تحول دون التسوية، فالطرف المعارض ومعه الامريكي وبعض الاقليمي يرى ان التفاوض لن يقود لنتائج مأمولة في ظل خلل التوازنات الميدانية لصالح المحور السوري الايراني الروسي، كما ان هذا المحور الروسي الايراني السوري لن يقبل بنتائج لا تعكس الواقع الميداني، وهو ما سيجعل الصراع مستمرا، فالطرف المعارض يريد تعديل الموازين لتتوازى مع مطالبه الطموحة ،بينما الحكومة السورية تريد حصادا مجزيا لما هو قائم في الميدان.
أمر آخر وهو الحدود الفاصلة بين ” الارهابي” و ” غير إلإرهابي” ، فالقائمة غير متفق عليها في تفاصيلها، لا سيما ان بعض التنظيمات تنام على اسم لتصحو على اسم آخر على أمل النجاة من القائمة السوداء، وهو ما يجعل رسم حدود ومناطق واستثناءات وقف اطلاق النار امرا شبه مستحيل،فالامر يمكن ان تفسده كله قذيفة واحدة.
فإذا اضفنا لذلك الخريطة المتداخلة في الجبهة الكردية بين قوى تنسق مع الحكومة السورية، وأخرى تنسق مع الولايات المتحدة وبعض قوى الاقليم ، تزداد الصورة قتامة.
يضاف لهذا كله الاختراقات الاسرائيلية بين الحين والآخر ، وهو أمر قد يجعل المشهد أكثر تعقيدا بل قد يوسع دائرة القتال ليصبح قتالا اقليميا بدلا من قتال محصور في جغرافية معينة.
كل هذا يجعل احتمال تنفيذ قرار مجلس الامن أمرا في غاية التعقيد، بل حتى لو جرى تنفيذه فهو طبقا لنص القرار محدود المدة(شهر) ، ليعاد النظر في تطبيقه، وهو ما يشير إلى توظيف ضمني لوقف اطلاق النار لتحسين المواقع القتالية وتنظيم الصفوف لجولات قتال أخرى لا أكثر ، أو خلق هوة بين تنظيمات المعارضة الموافقة وغير الموافقة على وقف اطلاق النار ، وهو تكتيك تفاوضي وارد..
إن المفاوضات في العلاقات الدولية ليست ” فن الجدل” وليست ثقافة سوق عكاظ للبحث عن الشاعر الافضل، التفاوض يعني في دلالاته الدقيقة هو ” فن توظيف وإدارة متغيرات القوة المادية والمعنوية المتاحة لتحقيق الهدف” ، وعليه لا تخرج الدعاية السياسية والنزعة الانسانية بعرض جثث الاطفال والنساء والدمار عن اعتبارها “أحد” أدوات التفاوض وتقديم الخصم بالصورة التي تؤثر على مواقفه، واصحاب الصياح الاعلى والصورة الاكثر تأثيرا يعكسون من حيث لا يدرون حقيقة التوازنات في الميدان، فالنزعة الإنسانية تظهر غالبا – في لحظة القتال- عند المهزوم أكثر منها عند المنتصر…والنزعة المسيحية المتأرجحة بين الخد الأيمن والأيسر تصلح للمعابد ولا تصلح ابدا للعراك السياسي أيا كان الموقف الاخلاقي لأطراف الصراع..فلن يكون الحل في سوريا الا عسكريا…ربما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى