سوريا على أبواب ثورة جياع…والإرهاب لن ينقذ رقبة بشار
دعونا نعترف أن النظام السوري وشركاءه الإيرانيين والروس، وكل من خطط معه لحرف الثورة السورية عن مسارها، وخاصة جنرالات الجزائر أصحاب الباع الطويل في تصنيع الإرهاب الإسلامي، نجحوا في خداع الداخل السوري والعالم الخارجي. وتمكنوا ببراعة من تحويل واحدة من أعظم الثورات الشعبية في التاريخ الحديث إلى بؤرة إرهابية. ولا ننسى أن النظام قد وضع مخططات شيطنة الثورة قبل اندلاعها، بدليل أنه راح يطلق على المتظاهرين صفة “الإرهابيين” منذ اليوم الأول للثورة. وقد عمل منذ اللحظات الأولى على إلباس الثورة ثوباً دينياً كي يتمكن لاحقاً من شيطنتها ووصمها بالإرهاب، خاصة وأن العالم الحقير مستعد أن يلصق صفة الإرهاب بأي حركة إسلامية أو تصرف إسلامي، حتى لو كان مشروعاً ومحقاً مائة بالمائة.
لا يخفى على أحد أن معظم الحركات الإرهابية التي تعيث إرهاباً في سوريا والشرق الأوسط ترعرعت في سجون نظام الأسد؟ ألم نشاهد عميل المخابرات السورية الشهير “أبو القعقاع” الذي جندته المخابرات السورية أثناء التدخل الأمريكي في العراق وهو يدرب إرهابيين وانتحاريين ويرسلهم ضد القوات الأمريكية في العراق؟ وعندما انتهى دور “أبو القعقاع” أرسلت له مخابرات الأسد شخصاً أطلق النار عليه، ثم سجلوا الجريمة ضد مجهول؟.
كلنا يذكر ما كانت تردده المخابرات السورية عندما يسألونها عن علاقتها بالجهاديين؟ لقد كان ضباط الأمن الكبار في سوريا يقولون بشكل ساخر: “الجهاديون يريدون لقاء الحوريات في الجنة، ونحن نسهل لهم المهمة بإرسالهم لتنفيذ عمليات جهادية كي ينتقلوا بعدها إلى أحضان الحوريات.” ويقول أحد الخبراء السوريين الذين كانوا يترددون على فروع المخابرات السورية في دمشق وحلب إنه كان يرى بأم عينه عمليات تدريب الإرهابيين والتكفيريين والمتطرفين في السجون السورية. وقد كانت السجون التي يعيش فيها المتطرفون أشبه بفنادق. ويذكر هذا الخبير أنه شاهد ذات يوم عناصر من المخابرات السورية وهم يجلبون صناديق مليئة بالكتب إلى أحد “السجون الفنادق” التي يقيم فيها المتطرفون. وكانوا يقولون للمتطرفين إن هذه الكتب ممنوعة في سوريا، وقد صادرناها من بعض المكتبات. سنتركها لكم هنا كي تتسلوا بها. وكانت تلك الكتب كلها لكتاب متطرفين إرهابيين تكفيريين من الطراز الأول.
وكان نزلاء السجن من المتطرفين يلتهمون تلك الكتب من الجلدة إلى الجلدة. وبعد أن يقرأوها يبدأون بتكفير بعضهم البعض، مع العلم أنهم ذوو خلفية مذهبية واحدة. وقد لاحظنا كيف أطلق نظام المخابرات مئات المتطرفين والتكفيريين من سجونه في بداية الثورة كي يحرفوا الثورة عن مسارها، وكي يصورها في أعين السوريين والعالم بأنها ثورة إرهابيين وتكفيريين، وليست ثورة شعب.
ويبدو أن نظام الأسد استفاد كثيراً من قذارات النظام الجزائري حيث برع الجنرالات في تسعينات القرن الماضي في تصنيع الإرهابيين الإسلاميين ليستخدموهم في حملتهم ضد الثورة الشعبية في الجزائر في ذلك الوقت. ويذكر بعض الضباط الجزائريين الذين فضحوا “العشرية السوداء” في الجزائر بأن الجنرالات كانوا يستوردون من الصين حاويات كبيرة مليئة باللحى الإسلامية الاصطناعية كي يلبسها عملاؤهم وهم يعيثون فساداً وإرهاباً في ربوع البلاد. وقد نجحت خطة الجنرالات في تحويل حركة شعبية مشروعة إلى حركة إرهابية في نظر الجزائريين والعالم الخارجي، وتمكنوا بعدها من تثبيت سلطة العسكر وإعادة الشعب إلى بيت الطاعة دون أن يحققوا له أياً من مطالبه المحقة التي ثار من أجلها.
وها هو النظام السوري يلعب اللعبة القذرة نفسها، بدليل أن علاقاته لم تفتر أبداً مع نظام الجنرالات في الجزائر على مدى خمس سنوات من الثورة. وكما ساعد حافظ الأسد النظام الجزائري في قمع الثورة الشعبية في التسعينات، ها هم جنرالات الجزائر يردون الجميل لابنه القاصر بشار عن طريق تقديم خدماتهم الإرهابية في ضرب الثورات الشعبية وشيطنتها إسلامياً. ولا ننسى أن النظام الجزائري ظل يمد نظام الأسد منذ خمسة أعوام بالنفط رغم الحظر الدولي المفروض على النظام.
ولا شك أن زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الجزائر تأتي في إطار التنسيق المتبادل بين النظامين الجزائري والسوري في مجال تصنيع التكفيريين وتخويف العالم بهم. وقد أصبح التنسيق السوري الجزائري علنياً بعد أن بدأ العالم يبتلع الرواية السورية حول الإرهاب، وبعد أن نجح النظام في تسويق لعبته، خاصة بعد تعرض أوربا لعمليات إرهابية. لاحظوا الآن، لم يعد العالم يتحدث عن ثورة شعب في سوريا، ولا عن معاناة خمسة عشر مليوناً من اللاجئين والنازحين السوريين الذي شردهم الإرهاب الأسدي، بل أصبح كل همه محاربة الإرهاب. وهي طبعاً أسعد لحظات بشار الأسد وحلفائه الذين استطاعوا أن يلبسوا الثورة ثوباً إرهابياً، لا بل أصبح العالم يتوسل إليهم في المساعدة بمحاربة الإرهاب.
لكن لعبة الإرهاب القذرة قد تساعد نظام الأسد أن يناور قليلاً مع الغرب، لكن الإرهاب لا يمكن أن يعيد البنية التحتية للبلاد، ولا يستطيع أن يرأب الصدع الخطير بين مكونات الشعب السوري، ولا يستطيع أن يعيد إعمار سوريا، ولا يستطيع حتى أن يُخرج بشار الأسد من جحره. والأهم من كل ذلك لا يستطيع أن يُطعم السوريين خبزاً بعد أن انهار اقتصاد البلاد، وأصبح سعر الليرة السورية برخص التراب. وعلى نظام الأسد أن يعلم الآن أنه على أبواب ثورة جياع. والجائعون لن يقاتلونه فقط، بل سيأكلونه. وطابخ السم آكله.. صحتين.