#سوريا بين #نيران_ثلاثة
م. #انس_معابرة
لم يعدْ يخفى على أحدٍ الآن حجم الدمار الذي تعرضتْ له الشقيقتان الجمهورية العربية السورية وجمهورية تركيا بسبب الزلازل التي تتوالى على المنطقة، خاصة وأنَّ حجم الدمار الكبير تزامن مع فصل الشتاء وهطول الأمطار والثلوج، بالإضافة الى الأجواء شديدة البرودة.
تكشف لنا المحنة دائماً عن حقيقة الناس والدول من حولنا، فكانت محنة إخواننا في تركيا وسوريا إختباراً للمشاعر العربية والمسلمة، كما كانت إختباراً للضمير العالمي الغائب المنحاز.
صحيح أن شدة الزلزال ومركزه في تركيا، ولكن تأثيره على سوريا كان أكبر بكثير، ولكم أن تتخيلوا بلداً يخوض حرباً أهلية لعقد من الزمان، تتصارع فيه القوى والطوائف المختلفة، وتتسابق الدول على قصفه وإستهداف أجراء منه، تدمرت البنية التحتية خلال تلك الحرب، وتوقفت عجلة التقدم والتطور، وغابت الأنظمة والقوانين عن أرض الواقع، وبُنيت المساكن والمنازل على عجل دون مراعاة لقواعد البناء والمواصفات العالمية الضرورية لصمودها في حال الكوارث.
ومما زاد الأمور تعقيداً في سوريا هو الإرتفاع الشديد في نسبة النفاق العالمي، وغياب ضميرهم أيضاً، فتسابقت الدول الى مد يد العون الى إخوانهم وأصدقاءهم في تركيا، على الرغم من قوة الدولة هناك، وإمتلاكها للقدرات البشرية والمعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ وإعادة الإعمار لاحقاً، بينما تخلفتْ تلك الدول عن مساعدة إخوانهم في سوريا، شركاء الدين واللغة والتاريخ والعراقة.
إن المنكوبين في سوريا اليوم يعيشون بين نيران ثلاثة، فلم تكف طائرات النظام عن إستهداف مناطق المعارضة في الشمال السوري، وغدت تلك المناطق خرِبة مدمّرة، قضت فيها تلك الغارات على البنية التحتية، والمحاصيل الزراعية، والثروة الحيوانية، بالإضافة الى الأرواح البشرية طبعاً.
وجاء الزلزال لينهي ما عجز النظام عن القيام به، فتكفل بالمباني التي ما زالت صامدة، وأضحى عشرات الآلاف اليوم دون منزل أو مأوى.
كما ترزح تلك المناطق الآن تحت أكوام من الثلج والأمطار الغزيرة والبرد الشديد، فهم لم يجدوا الأمان في المنازل التي تنهار نتيجة قصف النظام لها، أو تلك التي تنهار بتأثير من الزلازل والهزات الارتدادية، وينتظرهم في الخارج بردٌ قارسٌ يجمِّد الأبدان والقلوب.
وتزامن كل هذا مع نقص في الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بعميات الإنقاذ للعالقين تحت أكوام المباني المنهارة، وإزالة الأنقاض، خصوصاً بعد أن تخلى النظام السوري عنهم لسنوات طويلة، ولم يمد لهم يد العون حتى في ظروف شديدة الصعوبة كتلك التي يمرون بها اليوم.
ولم يختلفْ موقف إخوانهم العرب كثيراً عن موقف النظام السوري إلا من رحم الله، فالبعض قد يلتمس العذر في عدم أمان تلك المناطق لإرسال فرق الإغاثة والأطباء اليها، والبعض الآخر يشتكي من ضعف البنية التحتية وغياب الطرقات المعبّدة والمطارات لتأمين المساعدات الغذائية والطبية اللازمة.
وكان لهذا الزلزال دورٌ كبيرٌ في توضيح إنحيازية العالم وعدم نزاهته، من خلال التشدّق بالكلمات، وإقتصار دورهم على الدعم المعنوي وتقديم العزاء فقط، دون التدخل في الدعم المادي، وتقديم الدعم اللوجستي لتخفيف آثار الزلزال المدمِّر.
كما كان هذا الزلزال منبهاً ضرورياً الى المؤسسات الدولية ومنظمة الصحة العالمية، التي تكتفي دائماً بالشجب والإستنكار، ولا تتخذ خطوات ملموسة على أرض الواقع لدعم الدول المنكوبة.
لا بد من مراجعة المؤسسات الدولية لأولوياتها وبرامجها وقوانينها الداخلية، ولا بد من التأكيد على نزاهة تلك المؤسسات في تعاملها مع الدول، وعدم انحيازها الى دول بعينها في حال حدوث كوارث لديها، بينما تتجاهل المصائب والكوارث التي تحدث في دول أخرى.
ينص ميثاق الأمم المتحدة على المساوة بين البشر، مهما كان جنسهم أو جنسيتهم أو لونهم، وبالتالي فإن الإنسان في سوريا أو تركيا يجب أن يكون له نفس مكانة وأهمية الإنسان في أيّ من الدول المتقدمة.