سلطنة عُمان مشاهد تستحق التأمل!
د. مفضي المومني
بداية أحر التعازي للشعب العُماني الشقيق برحيل السلطان قابوس بن سعيد صباح هذا اليوم، والذي حكم السلطنة منذ عام 1970م إلى 2020م، وخالص أمنياتنا للشعب العُماني بالخير والتطور والأمان وأن يسخر الله لعُمان من يقودها إلى كل خير، والسلطان قابوس بن سعيد صانع نهضة سلطنة عُمان حيث قفز بها لتصل إلى ما وصلت إليه الآن من تطور ونهضة داخلية، وسياسة خارجية حكيمة قادها رجل أفنى حياته في خدمتها، فقد أحدث طفرة نوعية في البنية التحتية للبلاد، وتقدما بارزا في مختلف القطاعات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية والصحية بما يوفر حياة كريمة للعُمانيين، وبسياسته امتلكت عُمان تجربة ديمقراطية حديثة قاد بها بلاده إلى علاقات متينة مع دول العالم كافة، السجل الاقتصادي للسلطان قابوس حافل بالإنجازات بدأها بـ”بشرى خير” للعمانيين منذ توليه السلطة بدخول السلطنة عصر التصدير التجاري للنفط، لأول مرة منذ اكتشافه عام 1968، وهو أول من أطلق خطة التنمية الخمسية عام 1975. سجل السلطان قابوس حافل بالإنجازات، فقد ابعد بلاده عن الصراعات وامتلكت السلطنة سياستها التي تخصها وتميزها، والتي ركزت على البناء للأنسان العُماني والتطور في شتى المجالات.
فسلطنة عُمان تملك تاريخاً قديماً لدولة مستمرة ،ظهرت (مجان) او (مزون) (الاسماء القديمة لعُمان) في النصوص السومرية من بلاد الرافدين ويُعتقد انها المنطقة من شمال عُمان وتشمل الإمارات العربية المتحدة اليوم ، كانت المنطقة مرتبطة بالنحاس والذي كان عنصراً مهما لحضارات بلاد الرافدين القديمة. اختفت مجان عقب سقوط سلالة أور الثالثة في العراق في العام 2000 ق.م سيطرت الإمبراطورية الأخمينية الفارسية على المنطقة بقيادة كورش الكبير في القرن السادس ق.م فيما كانت ظفار، مرتبطة بالممالك العربية الجنوبية القديمة ، كانت الإمامة الإباضية بالانتخاب في أول الأمر، ثم تحولت إلى النظام الوراثي ثلاث مرات في عهد بني نبهان واليعاربة والبوسعيديين. واستمر حكم أئمة الإباضية حتى الاحتلال البرتغالي لعُمان عام 1507 م الذي استمر حتى عام 1624 م، وهي الفترة التي سُميت بالعصور المظلمة في عُمان. ثم انتقل الحكم عام 1624 م إلى اليعاربة بعد أن تم لهم طردالمستعمر البرتغالي، وعادت عُمان للمذهب الإباضي مرة أخرى تحت قيادة الإمام ناصر بن مرشد الذي وحَّد الصفوف، واتجه لمقاومة البرتغاليين، واستفاد من تعاون الإنجليز والفرس ضد البرتغاليين. تميز حكم اليعاربة بامتلاك جيش قوي وأسطول ضخم، كما شيدوا القلاع والحصون، وأعادوا تعمير ما دمره المستعمر خلال فترات المقاومة.
تولى آل بوسعيد حكم عمان عام 1741 م ويعود تاريخ بوسعيد إلى أحمد بن سعيد، الذي عين مستشارًا لسيف بن سلطان، آخر من حكم عمان من اليعاربة، فلما رأى اضطراب الأمور في البلاد وضعف الحاكم سيف بن سلطان وتفتت البلاد في عهده، عمل على توحيد الصفوف، وقضى على القوات الفارسية الموجودة بالبلاد، وعلى إثر ذلك بويع إمامًا للبلاد، وتوالى الأئمة من آل بوسعيد حتى آل الأمر الآن للسلطان قابوس بن سعيد الذي شهدت عُمان في عهده كما اسلفت نهضة عمرانية واسعة. وكان استمرار آل بوسعيد في الحكم لمدة قرنين ونصف القرن قد قدم دفعة قوية لدعم الوحدة العمانية خاصة في مراحل محدودة بلغت ذروتها في عهد السيد سعيد بن سلطان (1804-1856) م)، ثم في عهد السلطان قابوس بن سعيد باني نهضة عمان الحديثة.(مقدمة تاريخية مقتبسة من موسوعة ويكيبيديا).
زُرتُ سلطنة عُمان عدة مرات، وفي كل مرة تبهرني مشاهد تعكس عراقة السلطنة وطيب اهلها، وأعرض بعضاً مما شاهدت واترك للقارئ أن يتأمل ويتمنى ان نتمثل مثل هذه المشاهدات:
– تبهرك طيبة الشعب العُماني وحسن معشره ودماثة الاخلاق والهدوء الذي يصاحب العُمانيين وشخصياتهم ويميزهم، حتى انك لا تستطيع سماع اصواتهم وهم يتحادثون حتى لو كانوا بمجموعات، وايضا إحترامهم للآخرين بشكل ملفت، والتواضع الجم بغض النظر عن مناصبهم، واحاديثهم الدافئة التي تعكس طبيعتهم دون تزلف او تكلف او تنميق ممجوج، وهذا ما خبرتهُ بنفسي وانقله بأمانة.
– سمعتُ عن بعض قضايا الفساد في السلطنة وكيف تم التعامل معها وكيف يتم إقالة وابعاد ومحاكمة من تثبت إدانته بسلاسة ودون تطبيل وتزمير وبهرجات إعلامية او إغتيال للشخصيات ومن تلك القضايا التي سمعتها، أنه تم بناء فندق خمس نجوم بشكل مخالف بتواطؤ من مسؤل كبير ورجل اعمال وعند اكتشاف الفساد كان البناء قد اكتمل وجُهز فقامت اجهزة الدولة بهدمه كاملاً مع إبقاء الركام لمدة شهر ليرى الناس ويتعض كل من تسول له نفسه بالفساد وتم محاكمة الفاسدين واستعادة اموال الدولة.
– النظام في كل شئ عنوان تراه حيث ذهبت، نظام السير، نظام في المؤسسات العامة والخاصة وإحترام منقطع النظير من كل كبير وصغير .
– مهما بلغت اقامتك نادراً ما ترى رجال الشرطة في شوارع العاصمة مسقط أو شرطة السير، والامور تسير بانسيابية واحترام للقانون والنظام بشكل ذاتي، ويظهروا فقط إذا حصل حادث او شيء غير طبيعي.
– النظافة التامة للشوارع ولن ترى مشاهدات مزعجة لإشخاص يلقون نفاياتهم حيثما وكيفما اتفق.
– التزام كامل بعدم التدخين في الاماكن العامة ووسائط النقل.
– مهما تجولت بسيارتك في العاصمة مسقط فلن تسمع صوت (زوامير) السيارات، مهما حصل ومهما كان الازدحام بحركة السير إن وجد.
– الطابع المعماري الوطني للسلطنه تراه في البنايات حكومية وخاصة، وكذلك الجسور مما يعطي منظراً جمالياً يعكس حضارة السلطنة.
– في بدايات الربيع العربي حدثت بعض التحركات ببعض المناطق تعاملت معها السلطات بمنتهى الحكمة حيث تم زيادة الرواتب بشكل مُجز وكذلك توظيف العاطلين عن العمل، وانتهى الطابق وذهب كل الى عمله بكل بساطة ولم تفتح الحكومة مجالاً لمقتنصي الفرص والمتربصين لزعزعة الأمن والسلم الإجتماعي في السلطنة.
– تقيُد العمانيين بلباسهم الوطني حيثما كانوا واعتزازهم به وجه حضاري آخر، وانعكاس لاحترام الانسان العُماني لثقافته.
– إهتمام الحكومة في تمكين وتطوير العنصر البشري وتلاحظ ذلك من الموازنات الضخمة للتدريب والتطوير في جميع مؤسسات السلطنة الحكومية والخاصة.
– ومن المعلومات المهمة ، أن عُمان تحتل مكانة متقدمة بين الدول العربية الأقل فساداً إداريا ومالياً ، وتحتل مراتب متقدمة في مؤشرات الشفافية، عُمان في عهد السلطان قابوس وإدارته للبلاد شَهِدت تقدماً ونهضةً نوعيةً، سواء اتفقت أو اختلفت مع نظامها السياسي!.
هذه بعض من المشاهدات، ليس من الصعب ان تلاحظها وانت تزور السلطنة، وتحدثك نفسك اين البعض لا بل الاغلبية منا من هذه المشاهد، وفي نفسي سؤال، أننا في الاردن تحضرنا قبل غيرنا من الدول العربية ومتقدمين في التعليم على غيرنا، لكن نصاب بالضجر والاحباط من الكثير من السلوكات والممارسات التي تحيط بنا حيث ذهبنا،وتحدثني نفسي لماذا كل هذه الفوضى في حياتنا، فالقوانين موجودة والعادات والتقاليد الحميدة نشربها مع حليبنا، لكننا في الممارسة نتحلل من كل هذا!… أمنيتي لسلطنة عُمان وشعبها دوام التقدم والإزدهار وأن يديم الأمن والأمان على شعبها، وأن ييسر الله لعُمان من يقودها إلى كل خير، ولأردننا وأمتنا العربية نتمنى كل الخير…حمى الله الاردن.