سقوط آخر سجون القومية الاستبدادية


#سقوط آخر #سجون #القومية #الاستبدادية
#محمود_أبو_هلال
توطئة:
عندما نتحدث عن القومين هنا نقصد الأنظمة القومية، وليس عن الأفراد الذين ينتمون ويحبون العرب والعروبة فكلنا عرب وذاك لا خلاف عليه.
العروبة نبيلة والعربي ينخاز لعروبته، غير أن “القوميّة الاستبدادية” لم تفعل شيئا سوى تلويث العربية وتشويه العروبة.
وحتى إذا أتينا على الأشخاص الذين رفعوا راية القومية، فأنا أفرق بين قسمين من القوميين:
قسم المفكرين الذين أعملوا العقل، من أمثال قسطنطين زريق وعصمت سيف الدولة، وعبد العزيز الدوري، ومحمّد عمارة، وخير الدين حسيب.. هؤلاء وغيرهم من أعلام الفكر القومي أقرأ لهم وأجدني في كثير من كتاباتهم.. وكل عاقل يفيد من اختلاف العقول ومن تنوع المذاهب وتعدد الأفكار.
أما الفصيل الثاني فهم أبناء الانقلابات وعشاق الإستبداد من أمثال حمدين صباحي في مصر، الذي كان يترشح لبرلمان حسني مبارك على قوائم الاخوان المسلمين ويظفر بفضلهم على مقعد.. ولما تسلم الاخوان المسلمين الحكم سعى في وأد الثورة، من جملة الساعين، لأجل أن يذبح الإخوان المسلمين لا أكثر.
أن تكون عربيا، معتزا بعروبتك شيء عظيم، وهذا لا يعني ألا تحاول أن تُعمل عقلك ما استطعت وأن تسائل كل شيء ولا تسلم قبل النظر بشيء. التعصب أعمى، ونحن جميعا نحب أن نبصر، بعيدا عن الخنادق الإيديولوجية.

متلازمة القومية والانقلابات

كان لتغلغل القومية التركية في مفاصل سلطة الدولة العثمانية وظهور نزعات إقصائية ضد العرب عاملا مهما في تنامي القومية العربية والذي استغلته بريطانيا الكولونيالية وذلك بتشجيعهم على النأي بأنفسهم عن الدولة العثمانية وصناعة هويتهم القومية السياسية بعيدا عن الجامعة الإسلامية.
الربط بين العسكر والقومية جاء مع الجيل الأول من القوميين العرب الذين كانوا العمود الفقري في النظام الملكي في العراق فترة حكم الملك فيصل الأول، ومنهم ساطع الحصري المنظر القومي المعروف الذي عاش في العراق آنذاك وعُين على رأس وزارة التربية، كما نجد ضمنهم نوري السعيد، وجعفر العسكري، ورشيد عالي الكيلاني..الخ. هؤلاء تلقوا تعليمهم العسكري في إسطنبول في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وعملوا في الجيش العثماني وعاشوا عن قرب انقلاب 1908 ثم 1909. واستوردوا العقلية الانقلابية من الأتراك، ليقوموا بانقلاب في العراق سنة 1936 وهو أول انقلاب عسكري في البلاد العربية، ثم تتالت انقلاباتهم بعد ذلك، وهم الذين ربطوا رباطا مقدسا بين القومية والانقلابات والعسكر. وقد حدث هذا قبل أن يظهر حزب البعث، وقبل أن يصل عبد الناصر إلى السلطة.

متلازمة القومية والحاكم
بسقوط بشار الأسد في سوريا سقطت آخر ورقة من أطروحة سياسية في بلاد العرب اسمها القومية العربية السلطوية. وهي الأطروحة التي غذتها بريطانية في قلب النطاق العربي لتضمن انفصاله عن بعده الإسلامي.
هذه الأطروحة حين استولت على السياسة لم يعمل القائمون عليها على توحيد العرب بل انتهت إلى دويلات متناحرة، وظيفتها في تناحُرِها حتى تبقي على الجسم العربي معتلا يطوق دولة الكيان الصهيوني لا ليهددها ليسترد فلسطين، بل يحميها ويحتمي بها.
البعث بعثان متعاديان، بعث العراق وبعث سوريا، وكل منها في عداء مستحكم مع النظام “الوحدوي” الآخر. والناصرية غير البعث والقذافي ونظريته العلمية الثالثة غيرهما. فصار ذكر القومية مقرونا برئيس حكم عسكري ولا تضاف إلى مفكر أو مصلح أو عالم. فالقومية قوميات بعدد الزعماء، والزعماء في عرف القوميين العرب هم بالضرورة حكام، والحكام من العسكر، جاؤوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية لا رأي للشعب فيها ولا دور.
والآن، بعد حوالي تسعين عاما من تجربة الرهان على انقلابات العسكر، وما تبين خلال ذلك من فشل ذريع في الحكم، والشاهد على ذلك هو البلدان التي حكموها، إذ بقيت حيث تسلموها أو أدنى مكانة، تحت الاحتلال تقريبا، وهو ما يدعو في تقديري إلى مراجعة عميقة.
تغطوا وارتهنوا الفكرة القومية وشوهوها من أجل أن يستمروا في السلطة وجعلوها تساوي الدكتاتورية حتى لم يعد لهذه المقاربة مستقبل.
قومية عبد بالناصر غير قوميّة حافظ الأسد غير قومية القذافي. ولكل من هؤلاء الزعماء توابع في بلاد عربية أخرى، منهم الناصري والبعثي العراقي والبعثي السوري والقذافي. وجميع أولئك لديهم قاسم مشترك هو عداوة جماعة سياسية اسمها الإخوان المسلمون، تلك التي عانت الويلات في كل دويلة من تلك الدويلات.
اجتثت جماهير الثورة السورية نظام الأسد الذي مسخ كل شيء. حتى النظام الجمهوري مسخه بالتوريث، وحول الجمهورية إلى ملك وراثي عَضوض. ولم يكن السوريون وحدهم ضحايا نظام الأسد، فلقد كشفت الثورة بعد هروب بشار أنه كان يعتقل داخل سراديبه الدموية الفلسطيني واللبناني والأردني والسوداني والتركي وغيرهم. لقد حققوا الوحدة العربية في معتقلاتهم داخل سراديبهم المعتمة وامتنعوا عن تحقيقها فوق الأرض وتحت الشمس.

مقالات ذات صلة

متلازمة القومية والاستبداد
زعماء الأنظمة القومية العربية، كانوا أقرب لشخصيات بسيكوباتية لا يلذ لها الحكم ولا تسوغ السلطة إلا فوق الجماجم والدماء على وقع آهات المقهورين وأنين المعذبين. فهم جميعهم، لا يظهرون أي اهتمام بمشاعر الناس أو احتياجاتهم، ويستخدمون الكذب والتلاعب لتحقيق أهدافهم، وأهدافُهم كلها شخصية، إلى جانب ما يظهرون من سلوك عدواني وما يرتكبون من جرائم لم تعد تخفى على أحد. ومع كل ذلك فهم لا يشعرون بالندم أو الأسف على أفعالهم المؤذية. ولا يعرفون الاعتذار.
الدول القومية العربية كانت هي الجيل الجديد من الاحتلال، غير أن الاحتلال الأجنبي استُبدل به احتلال محلي. الاحتلالان جامعهما الاستبداد واحتلال المستبدين لا يقل ظلما وظلاما. وحكامها كانوا عقبة نموذجية حالت دون استرد الأمة مناعتها بعد أن ضربتها القوى الكولونيالية في مقتل.
القوميون العرب هم أكثر فصيل “سياسي” حكم في البلاد العربية. دول كثيرة في العالَم نشأت في مرحلة انقلاباتهم ومضت في تقدمها وصارت قبلة للصناعة والمال والأعمال ولاحترام الإنسان، وبقيت الدول التي حكمها عساكر القومية العربية في ذيل الأمم. الأمم الأخرى تناطح بمنجزاتها السحاب أما هؤلاء فمنغَمسون في حفر الأقبية لتذويب البشر.
نُظُم الحكم القومية العربية كانت متلازمة مع الاستبداد فلم تكن أكثر من نظم للإبادة الجماعية. لقد حكم هؤلاء باسم العروبة ولكنّهم أبادوا العرب بسلاح لا يحسنون مسك أداة سواه فما فعلوا غير القتل به.

الآن ما الذي بقي للقوميين العرب بعد أن سقط آخر “قلاع” الاستبداد التي كانوا يتحصنون بها لاجل البقاء؟ لم يكن لهم أكثر من الوشاية بالإخوان مهمّة، فلمن سيحملون وشاياتهم بعد أن دخل النور إلى سراديب السجون؟.
لقد جاءتهم الثورات العربية بحرية كان يمكن أن يستلهموا منها هوية سياسية يعتصمون بها. فأيدوها بداية ولما وصلت إلى نظام الأسد الاستبدادي رفسوها وارتدوا إلى ولائهم لأنظمة الانقلابات المجرمة، وأيدوا الانقلاب على الشعب.

متلازمة القومية ومعاداة “الاسلام السياسي”
انصاعت الأنظمة القومية لدعوة الغرب بإخراج الدين من معادلتهم السياسية. وفي غمرة الانبهار بأفكار الحداثة الغاوية راح يتداعى المثقَّفون المنتصرون.
الغرب الذي طالبهم بإبعاد الدين عن السياسه هو نفسه من جعل لليهود وطنا في فلسطين على أسس دينية تاريخية!.
لقد ربح الغرب المعركة ضد العرب بمساعدة القوميين حين أقنعهم بأن خلط الإسلام بالسياسة يولد الإرهاب آليا. ورمى جماعات الإسلام السياسي عن قوس واحدة. وعلم أتباعه أن خلطة الدين بالسياسة لا تكون إلا انفجارية تفجيرية، إرهابية. وفي هذا تزييف خطير نرى الأمة تعاني منه منذ أكثر من قرن من الزمان. وليس أدل على التزييف من جعل فلسطين وطنا قوميّا لليهود، واليهودية دين. صار من حقّ أي إنسان، يدين باليهودية في أية بقعة من بقاع الأرض، أن يكون له من وطن اليهود نصيب. بينما يمنع العرب من أن يخلطوا دينهم بالسياسة، وذلك من لعنات الحداثة.
الآن سقطت جميع تلك الأنظمة
ودخلت في حكم التاريخ الذي سيتولى أمرها ويكشف نقاط فروقها وقواعد نَظمِها. ولم يبق منها غير شعارات توحيدها فحولتها إلى مِزَق”.
لقد سقط آخر نظام كانوا يمجدونه وتبخر جيش كانوا ينعتونه بحامي الديار ولم يبقوا دون عمل طبعا، بل سيعودون لترديد اسطوانة مشاتمة الإخوان.
قوميوا الزمن الحداثي، أضاعوا القبلة والهوية. لقد شغلوا أنفسهم بملاحقة هوية لا تريد أن تكون لهم. لقد ولدت لهم الاستطاعة بالنص. وحين تركوه ليطلبوا الاستطاعة بمجلوبات الحداثة أضاعوا النص ولم يستطيعوا الحداثة.. فتاهو.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى