سفط راحه ما بكفي ( طرفة حقيقية )

سفط راحه ما بكفي ( طرفة حقيقية )
د. حسام العودات
من باكورة الندى يغادرون فراش الحصير , رزقهم على خطى السراب وحصادهم عقير , حديد ورمل قد صار كارهم , لا يبالي ببرد كانون ولا صيف السعير , كان ذاك قدرهم , فالليالي موحشات , والديون ضواري تنهش كالبرسيم الغض أوراق الدنانير .
ذهبوا لورشة قبل عقود الى قرية ما زالت تدرّس الدين في بيوت الرقيم , ليبنوا مسجدا بعيدا عن منازل الأهالي بعد الحصير عن الحرير .
مضى نهارهم بطول صبرنا على البطالة وجنون الطفر , فلا ماء ولا ثريد , وكأنّ طاعونا قد أهلك من في القرية من شجر وبشر وحجر , فلا كأس من الشاي , ولا خبز الكراديش من ماء وشعير .
خارت قواهم , وإذا بفتى قد أقبل كمولود بعد عشرة من الإناث , أو بعد دهر من العقم والعقاقير .
صاحوا به أن ينجدهم برشفة ماء وحبات تمر بعد أن عز في البطن الرغيف , وهم من الهاوية على حد الشفير .
تعالت الأعذار في حنجرة الفتى , فاقترحوا عليه أن يشتري لهم سفطا من راحة الحلقوم , عسى أن يشتد ساعدهم قبل أن تدركهم ظلمة الليل العسير .
أعجبتهم فراسة الفتى حين قال لهم أنه لن يكفيهم الا أربعة من ألأسفاط , وأعطوه مالا يكفي للمزيد من الحلوى التي ما نخرت يوما ضروس البائسين .
ذهب الفتى وطال الانتظار , ولم يعد الى يومنا هذا , وما زالت مئذنة مسجدهم شاهدا على خيبة الرجاء في أحشاء الكادحين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى