سجناء سابقون في “تدمر” يروون قصص تعذيبهم (1)

سواليف

ينفض الضابط السابق في جهاز المخابرات العامة السوري بمنطقة حوران، أبو منصور (57 عاما) عن ذاكرته غبار الزمن، ويعيد شريط ذكرياته إلى ثمانينيات القرن الماضي، ليروي قصصا مروعة عايشها داخل سجن تدمر خلال فترة سجنه التي امتدت 10 سنوات ونصف.

كيف تحول عضو المخابرات إلى سجين النظام؟

بدأت قصة أبو منصور (اسم وهمي) عام 1982 في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعدما وقعت معه حادثة خلال الخدمة الإلزامية التي كان يؤديها بالمخابرات، فغيرت حياته رأسا على عقب. ففي شتاء إحدى الليالي؛ ترأس أبو منصور قافلة مكونة من ثلاث حافلات تقل 51 معتقلا سياسيا من فرع كفر سوسة بدمشق إلى سجن تدمر الصحراوي، وفي الطريق لاحظ وجود “غالون” بنزين داخل كل حافلة رغم أنها تعمل على “الديزل”، فقاده الفضول إلى سؤال السائق عن سبب وجود البنزين، ليتفاجأ بقيام السائق بإعطائه أعواد ثقاب طالبا منه الانتظار لحين الحصول على التعليمات من الضابط الأكبر، ويدعى “ع. ث”.

وتابع أبو منصور الذي يقيم الآن في العاصمة عمان: “اجتمع بنا الضابط ثلجي، وطلب منا حرفيا إحراق السجناء المكبلين أحياء داخل الحافلات في حال حصلت حادثة للقافلة بالطريق، أو في حال تعرضها لهجوم”.. لم يرق ذلك لأبي منصور الذي استذكر “الشعارات الزائفة” لحزب البعث السوري، من “حرية” و”كرامة”، كما يقول.

وتوجه ضابط المخابرات السابق إلى رئيسه في العمل، اللواء “ن. ن”، شاكيا ما حصل معه لعله يجد آذانا صاغية، ليطمئنه الأخير بأن “هذه الإجراءات احترازية فقط، ومن الأفضل حرق هؤلاء المساجين على أن يهربوا ويشكلوا خطرا على المجتمع”.

وبعد هذا الحوار؛ بات أبو منصور يشعر بأنه مراقب ويضيّق عليه، إلى أن ألقت السلطات السورية القبض عليه بتهمة التعاطف مع المساجين في 9 كانون الثاني/ يناير 1982، ليدخل سجن تدمر فيما بعد سجينا، وليس سجانا.

اليوم الأول في سجن تدمر

رُحِّل أبو منصور بعد شهر من التحقيق في فرع كفر سوسة؛ إلى سجن تدمر في شباط/ فبراير 1982 برفقة 30 معتقلا، بواسطة سيارة “اللحمة” عديمة التهوية، ليشهد عذابا مضاعفا -كما يقول- كونه أحد الإداريين الأمنيين، فـ”عند الوصول إلى السجن؛ بدأت حفلة من الجلد بالسياط”، ثم قيد إلى “الدولاب” وهو عبارة عن عجل سيارة يوضع داخله السجين وترفع قدماه وهو عارِ، ويقوم عدد من الجنود بضربه.

وقال أبو منصور: “انهال العساكر وسجناء جنائيون مجرمون علي بالضرب؛ باستخدام كرباج مصنع خصيصا في كوبا، حتى تمزق لحمي، وفقدت الوعي ثلاث مرات، وفي كل مرة كانوا يسكبون علي الماء البارد، ويعاودون تعذيبي من جديد”.

وأضاف أن “حفلة التعذيب” للمعتقلين الثلاثين، استمرت ما يقارب الخمس ساعات، ليتم اقتيادهم بعد ذلك إلى المهاجع التي جلها من المعتقلين الإسلاميين.

للمهاجع قصة أخرى

وحول ظروف الاعتقال؛ قال أبو منصور: “يفترش كل معتقل ما مساحته الشبر ونصف من أرض المهجع الذي يبلغ في أحسن الأحوال 15 مترا طولا، وخمسة أمتار عرضا، حيث ينام 200 معتقل متراصين؛ كل أربعة على بطانية طولها متران”.

وأوضح أنه “في كل سقف مهجع فتحة كبيرة يقف عليها جندي، يتفنن في تعذيب المساجين أثناء النوم، فتارة يسكب عليهم المياه الباردة التي تزيد من قسوتها برودة الطقس، وتارة أخرى يجبر المساجين على الوقوف على قدم واحدة لساعات طويلة”.

وتابع: “كان السجانون يتفقدون المهاجع يوميا، ويقوم صفان من العساكر الذين يحملون جذوع أشجار بضرب المساجين على جميع أنحاء الجسم، ويستهدفون العمود الفقري بالتحديد، وهذا ينطبق أيضا على لحظة خروج المساجين إلى ساحة التنفيس، التي يتعرض فيها بعض السجناء للتعذيب؛ من خلال ما يسمى (المظلة) حيث يقوم سجانون بحمل المعتقل من يديه وقدميه، وأرجحته ورميه على الساحة الأسفلتيه، وفي إحدى المرات كسرت رقبة معتقل واستشهد على الفور”.

و”كل يوم هو عذاب بكل تفاصيله”، كما يقول أبو منصور الذي لفت إلى أن “السجناء يخضعون لحلاقة أسبوعية يشرف عليها سجناء السخرة من المجرمين الذين يقومون بتمزيق وجه السجين بموس الحلاقة الوحيد المخصص لكل السجناء، فتجد الدماء تملأ أماكن الاستحمام بعد أن تمزق وجوه وأجساد السجناء بأسياط أو أنابيب الجلادين الحديدية أيضا أثناء خروجهم إلى الحمام البارد، ومن المعتقلين من استشهد أو فقد عينه بسبب الضرب”.

وبعد سنوات؛ أفرج عن أبي منصور، وذلك عقب محاكمة صورية، “قضت أيضا بإعدام مئات المعتقلين، ودفنوا في صحراء وادي عويضة القريبة من السجن” كما يقول.

* تم التحفظ على أسماء المعتقلين السابقين ومقابلاتهم المصورة، بناء على طلبهم، تخوفا على عائلاتهم في الداخل السوري.

عربي 21

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى