ساندويشة الدکتاتورية ما بين الرغيف والزيف
شبلي العجارمة
قام أحد الشبعانين بدعوة أحد الطفرانين إلی مأدبة العشاء، وحين قدم المعزب الشبعان مأدبة الطعام الشاسعة الواسعة والمترامية الأطرف من حدود السلطات العربية والإفرنجية المشکلة والملونة إلی بقاع المقبلات شرقاً وغرباً يتوسطها خروف حطت به رحال المنايا علی هذه الماٸدة، فکل مأکولٍ سيٶکل لا محالة ، فکما کانت بقايا عشب البقدونس بالأمس وجبة الخروف الطازجة الشهية الآن تجلس في منتصف فم الخروف وبين مشطي أسنانه تتدلی بلا أدنی خوف فقط لتٶدي واجب مراسم الزينة في نهاية عمر الخروف ، وما أن مضغ الضيف الطفران قطعة اللحم حتی انهمرت دموعه علی خده ، فقال له المعزب الشبعان ما يبکيك يا رجل ؟، فقال الطفران لقد تذکرت رحمة أخي ، فقال الشبعان له رحمة الله عليه وما کان سبب موته ؟، فقال الطفران من الجوع ، فقال المعزب الشبعان للطفران يا رجل طيب کان کلا خبز ، فقال الطفران وقد زاد بالبکاء ”هو لو لقی خبز ما کان مات“.
لا زال صوت المسٶول وصانع القرار يٶکد حتمية موتنا لحدود أن نقطع النينة والنفس ، وکأن الشبع والتخمة حقيقة والجوع مجرد نظرية أو إشاعة زاحفة يتم التحذير منها وعلی جميع المنابر المتاحة والفتوی بحرمة الحديث عن الجوعی وآلامهم وصوت أنينهم ولم يکتف بهذا فحسب بل بوصف هذه الدموع المنهمرة دموع تماسيحٍ ستغرق الوطن الحالم بالورد المستورد والخبز المبستر والماء المٶجر المسروق.
نحن في هذه البقعة بالتحديد وهنا أتحدث عن الأردن کوطن حقيقي وشرعي للأردنيين نعاني من حالة الانفصام المصدوع ما بين النظرية والتطبيق ، وما بين جس نبض الشارع واحتياجاته وغليانه وهيجانه وسبل طرح الحلول وإيجاد بداٸل لسياسات خطاب الإنشاء والعناوين الإملاٸية المفرغة من محتواها التي لم تبق للشعب الأردني ظهراً ولا وادٍ قد قطعت ،وکذلك ما بين سياسة الاستفزاز والتأکيد علی صدق الظنية والإشاعات بأن ما يشاع هو الأصح وأن القناعات بالنفي لا مکان لها في احتمالات إزهاق روح أمل وحلم الشعب .
حين نستمد حبر أقلامنا من دماء فقراٸنا وبسطاء شعبنا في وطننا نحن لا نکذب أو لسنا مجرد حالمين، وحين تکون أوراقنا هي صفحات من بطون الجوی الخاوية ورقاٸق جلدنا وصحاٸفنا من رقاع ظهورهم التي لا زالت تروي حکاية الظلم والاستبداد کفصل ثابت وباب من أبواب مصادرة الوطن من شعبه دون وجه حق فنحن هنا نتبرأ من مسٶوليتنا الکتابية وذمتنا القلمية وشرفنا المستنير والمطلع علی بعض التفاصيل المغيبة عن العامة.
لکن السٶال الذي يبحث في کل أبواب التأول والتأويل هو هل الوطن مسخر لشخص واحد أو مجموعة لا تتعدی أصابع راحة اليد وعلی الجميع تقديم القرابين لهذه النظرة الأحادية والحفاظ علی أنانيتها أم أن هذا الوطن هو لشعب اکتفی أن يبادل کل امتيازاته وحقوقه مقابل رغيف خبزه الحاف وأمنه الجسدي ؟.
إن استيراد النسخ من نظريات الغرب الجاهزة والشعوب التي اختارت کيف تحکمها النخب المبدعة لن يسمن جسد المواطن والمواطنة الهزيل ولن يغني خيبة الآمال من جوعها المزمن ، فهلاّ شبعنا من ساندويش الدکتاتورية الحشوة ما بين زيف الأمن وفزاعة الرغيف؟.