سأخبر الله بكل شيء..

مقال الثلاثاء 3-5-2016
سأخبر الله بكل شيء..
على سرير الطوارئ ..قالها،والدمًُ مطرٌ يهدر على جبهته ويمتزج بدمع العينين، قالها بعفوية الطفولة ، ببراءته المقتولة: ” سأخبر الله بكل شيء”، “سأخبر الله بكل شيء”.. لكنه لم يكمل شهقة البكاء..لقد قطفت شهقة الموت ذاك النداء..
**
كان يرددها دائماً..لمن يؤذيه في البيت، لم يدلق خطأ إبريق الزيت ، لمن يستبيح ألعابه ، لثلة أصحابه… “سأخبر أبي بكل شيء”..فيدارونه ويخشونه..ويعطونه ما يريد…فالاختلاف بينهم مجرّد “لعبة”…كان يحتمي بصوت أبيه ، ينام على ركبتيه ،يلامس خدّه ، يقاسمه المخدّة، و”يخبره بكل شيء” … لكن قبل موعد حضوره اليومي ، مات الأب بشظية ، ومات الأشقاء والأصحاب ، وهدم الحي والبيت…وبقيت أنا الوحيد الذي ينزف على سرير الموت…من سأخبر بعد اليوم؟..وكل الذين سأخبرهم ماتوا، أمي وأبي وحلب …سأخبر الله بكل شيء… وسأشكو إليه العرب…
***
سأخبره أن بيتنا الصغير في آخر الحي كانت تحرسه “جنينة” مُشجّرة ،سأخبره أن دالية العنب ، والخوخ والدرّاق،والتوتة المُعمّرة …مثلنا لا تستطيع ان تركض بساقها الراسخ في الأرض ..فاقتلعتها البراميل المتفجرة، سأخبره أن أمام دارنا كانت أرجوحتي ، كانت تُؤرجح الريح لحظة غفوتي ، كنتُ ألهو بها عند الضحى وقبل الغروب ، لا أعرف إن جاء من بعدي “يسعفها “أو ربما هناك الآن من “يركبها” أو ربما ماتت مثل أختي تحت قوالب الطوب…سأخبر الله بكل شيء…سأخبره أن يحضر لي ألعابي ، وأن يدلّني في أي زاوية من الجنة صار يسكن أصحابي..سأخبره أنني لم أكمل بكائي على سرير الطوارىء لحظة الوفاة ،ربما لم يفهم الأطباء ما الذي كان يؤلمني…سأخبره أن الذي كان يؤلمني موت الجميع أمام عيوني…
سأخبر الله أن العروبة.. محض “أكذوبة”، وأن حقوق الانسان …”خطابات مكتوبة”.. سأخبره أن الدموع التي تذرف علينا وتبدو غزيرة ، يذرف أضعافها عندما يموت البطل في الحلقة الأخيرة ، سأخبره أنهم يرخّصون دمنا ليرفعوا أثمان نفطهم ، وأنهم يقسون على وجعنا ليتجلى بعض عطفهم…لا تصدّقهم يا الله….فبرامج الهواة ، أهم بكثير من أرواح المئات ، وان الهدم السريع الذي رأيته، سببه “تنافس” البُناة… سأخبره أيضاَ أن المعمّرين من أطفال بلدي صارت لا تزيد أعمارهم عن دورة الرئاسة ، الدم والدمع والأعناق المدلاة ، الجثث الموزّعة هي بعض من لعبة السياسة ،كي يبقى أو لا يبقى يسكبون جرار الدم “الأنقى” …
سأخبره بكل أدب ،أن يعجّل الينا الغضب …فكلّما سعّر نيرون النار على حلب…صاح المستعربون سلمت يدا أبي لهب…ثم أمام الشعوب المتعاطفة ، يشجبون ،يندّوون، يتسابقون في الخطب العاصفة…
سأخبر الله بكل شيء..سأخبره … أنني متّ قبل أن أتمّ في الحي لــَعِبي…فهل أستطيع ان أسلّي وحدتي ، أبني بيتاً من الرمل وأصنع أبوين من القصبِ..سأخبره…أن شعبي الآن بلا وطنٍ…هل تُهدي – يا الله- الجنّة وطناً لشعبي؟؟…

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. وهناك .. عند الميزان العدل . سنلتقي جميعا … هناك فقط ستهدأ روحك وتجف دموعك وتصمت صرخاتك وصرخات كل المظلومين
    وكفى بالله شهيدا … وكفى بالله حسيبا

  2. هو قال الحل .. بينه و بينهم رب العالمين .. حسبي الله على كل من يموّل لهدف في نفسه و كل من يخطط في ليل اسود لقتل أخيه و كل من يذكي نار الفتنه و الطائفيه و على كل دكتاتور يمسك بالكرسي باسنانه و مخالبه .. حسبي الله على جهلة العرب من الحفاه و العراه و غيرهم ممن يعتقدون ان المال هو اساس النفوذ و هم …….. جهله عاجزين لا يستطيعون ان يردوا عن انفسهم اسخف جيوش العالم .. حسبي الله على امريكا و روسيا و كل أنظمة و ملل الكفر و الاستعمار .. حسبي الله على كل متطرف حاقد على الانسانيه .. حبسي الله و نعم الوكيل

  3. اخي ابو عبدالله ” سأخبر الله أن العروبة.. محض “أكذوبة” “” … زعلتني منك … طولت كثير لتستنتج هالحكي .. عقود مرت وراحت والامة تحمل الفشل تلو الفشل بأسم العروبة …
    “” إنا كنا أذل قوم, فأعزنا الله بالإسلام, فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به, أذلنا الله !! كلام ابن الخطاب رضي الله عنه “”

  4. * حال العَرَب *
    هالكون ، ، ضاق بهالعَرَب ، ، كيف الخَلاص يكون *
    ومِن وين ، ، ييجينا الفَرَج ، ، في عَصِر كُلُه جنون *
    بكل الأمم ، ، عَمّ الرَخا ، ، وإبن العَرَب مَهيون *
    ما عاد يِنفَع ، ، للعَرَب ، ، إلا عَقِل مَجنون *
    * رباعيات الضرغام * فاخر الضرغام حياصات *

  5. قطعت جهيزة قول كل خطيب…العنقاء و alnoman احسنو القول…من يتشدق بالعروبه والاسلام عليه أن يصمت… وأن يدمل راسه وكل جسمه في الارض…فالصمت ابلغ انباء من الكتب… في حده الحد بين الجد واللعب. مع الاعتذار من الشاعر.

  6. سلمت يمناك استاذ احمد فقد قلت ما في نفوسنا جميعاً بعد ان ماتت العروبة في قلوب الكبار . رحم الله شهداء سوريا وجعلهم من أهل الجنة ان شاء الله

  7. (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم لأجل تشخص فيه الأبصار )

  8. للاسف يا سيدتي اصبح الجميع عبدا للماكنه الاعلاميه ……, العام الماضي تم تأليف هذه الروايه علي لسان طفله يمنيه ادعوا ان الحوثيون قصفوا بيتها في عدن, واليوم يعيدون الروايه الكاذبه مع تغيير المكان والممثل, لكن الروايه والكذه واحده.
    انا استغرب من كاتب احترمه واجله ان ينجر لمثل هذه الخدع الاعلاميه الموجهه.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى