زيارة الأردن … مفاجآت لافروف في الكواليس

سواليف

بينما بدت اللعبة الدبلوماسية مكشوفة إلى حد كبير في العاصمة الأردنية أمس الاثنين، اجتمع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث بحثا الأزمة السورية وتحريك عملية السلام. وهو الاجتماع الذي سبق لقاء لافروف بنظيره الأردني أيمن الصفدي في عمان أمس.
وكان بدأ وزير الخارجية الروسي يعزف بحماس على أوتار الشراكة كلها ضد الإرهاب مع الأردن مُنتشيًا بالسيطرة على غالبية الإيقاعات في سوريا ونظيره الأردني يتعاطى بخجل دبلوماسي ملموس عندما يتعلق الأمر بهذه الشراكة مكثفا من خطابه المتعلق بالقضية الفلسطينية.
وخلال المؤتمر الصحافي وقبله وبعده ظهرت ملامح هذا الاتجاه حيث يعتبر لافروف أن ما تحقق بالشراكة مع الأردن في جنوب سوريا قصة نجاح عظيمة ويقابله الوزير أيمن الصفدي بتعليقات مكررة لها علاقة بالقضية الفلسطينية حيث لا يمكن هزيمة الإرهاب ما دام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
تكتيك الأردن لم يعد سراً فهو يرصد حجم التباعد بين قيادة روسيا وحكومة الليكود الإسرائيلية المتطرفة، ويبدو مهتماً جداً في «إقحام موسكو» أكثر في عملية السلام، خصوصًا أن الخطة التي يتقدم بها صديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعنوان الحل الإقليمي للصراع في الشرق الأوسط لا تبدو خطة يستطيع الأردن الاحتفال بها أو التصفيق لها. وتتحرك عمّان انطلاقاً من وعيها بأن موجة مكافحة الإرهاب الكونية ينبغي أن تستثمر لمعالجة سلمية سياسية للملف الفلسطيني.
ويعي صناع القرار في الأردن بل يتحدثون علناً في المجالس جميعها عن ضرورة الاستعانة بموسكو وتوريطها في التفاصيل باعتبار الطرف الأمريكي إما منحازا أو منقلبا على خيار الدولتين. «القدس العربي» سمعت مباشرة من الوزير الصفدي تقويمات تتحدث عن صعوبة تحقيق نتائج جذرية في المعركة ضد التطرف والإرهاب ما دام اليمين الإسرائيلي يحتفظ بالذهنية والعقلية نفسهما. وموسكو مفيدة جداً برأي الأردنيين استناداً إلى موقعها الجيوسياسي المتقدم في المنطقة بعد سيطرتها على الإيقاع السوري بتفويض أمريكي واضح.
من هنا يمكن القول سياسياً إن تركيز الأردن في حضرة لافروف على القضية الفلسطينية خطوة تكتيكية بالمقابل قد تساهم في تخفيف حدة الأضواء على عناصر الشراكة السياسية والأمنية المتنامية جداً مع روسيا، لأن موقف الإدارة الأمريكية تجاه هذا النمو الكبير في العلاقة بين حليفها الأردني وروسيا لازال غامضاً وحمّال أوجه.
لذلك تجنح الدبلوماسية الأردنية لعدم التعليق على تلك التصريحات القوية التي صدرت عن لافروف بعنوان الشراكة مع عمّان ولا عن تلك المفاجآت التي وقعها الوزير الروسي في كواليس الزيارة عشية وقوفه على المحطة الأردنية بصفته ممثل الطرف الأقوى في المعادلة السورية اليوم وبصفته – وهذا الأهم والأخطر – رجل المرحلة الذي ينبغي للأردنيين هندسة الأمور معه إذا أرادوا الحفاظ على مصالحهم في سوريا.
وهنا تبدو المؤسسة الأردنية مستسلمة للإيقاع الروسي لأنها لا تجد رعاية بديلة، فقد ترك الأمريكيون عسكريًا تمامًا جبهة الجنوب وقررت إسرائيل أن لا تتحدث مع الصديق الأردني في مسألة حدود الجولان وبقيت عمّان وحدها في مواجهة القاموس الذي يفرضه لافروف. المفارقة هنا أيضاً قوية، فالأردن عندما أراد إبعاد ما يسميه الصفدي الميليشيات الطائفية والقوات الأجنبية عن حدوده لم يجد إلا موسكو للتنفيذ.
والأردن عندما أراد البحث في إعادة تشغيل وفتح معبر نصيب مع سوريا وعندما أراد البحث في حصته المفترضة من مشروعات إعادة إعمار سوريا لم يجد في وجهه إلا أدوات ومفردات لافروف الذي تصرف بدوره وفقاً لسياسي أردني رفيع المستوى عندما زار عمّان قبل ساعات كما يتصرف جنرال روسي لا كدبلوماسي مخضرم. ويمكن تحليل وتفسير ذلك باستعراض نخبة مما يمكن وصفه بمفاجآت لافروف في عمّان:

ثلاثة خيارات

قبل ساعات قليلة جداً من توقع لافروف في عمّان واستناداً إلى الخبير الأردني البارز في ملف الجنوب السوري صلاح ملكاوي قصفت طائرات روسية بعنف فصيلين رفضا التعاون مع موسكو في بادية جنوب سوريا، هما أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد العبدو. شروحات لافروف أيضاً تضمنت الحديث عن ثلاثة خيارات فقط أمام كل من يحمل السلاح اليوم ضد النظام الشرعي في سوريا: التوبة والانضمام للنظام في الحرب ضد داعش والنصرة والإرهاب أو الاستسلام وإلقاء السلاح واللجوء إلى الأردن تحديداً أو الموت.
قبل ذلك تحدث في المؤتمر الصحافي الوزير الروسي عن ثلاثة ملفات أساسية هي غموض وضع جبهة النصرة والشراكة الناجحة مع الأردن في خفض التوتر في الجنوب واعتبار من يوجد في سوريا من دون موافقة دمشق خارقاً للقانون وهي صيغة يقول الأردنيون إنها ستشمل مليشيات العراق وإيران ولبنان لاحقًا، مع أن لافروف في طريقه لإقناع الأردن بتخليصه قريباً من فصيل جيش خالد المبايع لداعش الموجود على بعد كيلومترين فقط من حدود الأردن.
في الكواليس سأل أحد دبلوماسيي السفارة الروسية معلمه لافروف عن أفضل الطرق لمواجهة مخاوف الأردن من تنمية الاتصالات السياسية والأمنية مع موسكو. وكان الجواب مفاجئاً حيث قال الوزير: لا تقلق في هذا الشأن .. الرئيس دونالد ترامب لا يبالي ولا يعترض على إعادة ترسيم علاقتنا ببلد مع مثل الأردن.
في السياق وفي غالبية مجالسه بداً واضحاً أن لافروف يقرأ خريطة جنوب سوريا ببنيتها الاجتماعية والعشائرية جيداً، فهو يحفظ أسماء بعض القرى وأسماء الفصائل العسكرية جميعها ويبدو مطلعاً على حسابات العشائر والبادية المحاذية للأردن. في الأثناء ركز لافروف في خطابه على ما سمّاه «الدجل والكذب الأمريكي في سوريا».
في التفاصيل وعلى الهامش تم عرض بيانات ومعلومات عن صواريخ مضادة للدروع والدبابات سلمت لداعش وعرضت معلومات عن أمريكيين «تاجروا» بالسلاح أو سرقوه ولم يتابعوا مصيره داخل سوريا وعن تخبط وفوضى في إدارة الجناح العملياتي للاستخبارات الأمريكية شمال وجنوب سوريا. «أسلحتهم كانت تنتقل من دون انضباط» .. شرْح لافروف والكثير من المعدات القتالية وأجهزة الاتصالات الفائقة عسكرياً حصلت عليها تنظيمات الإرهاب بدلًا من الجيش السوري الحُر.
المفارقة كانت عندما وصف لافروف الجيش السوري الحُر بأنه ينقسم إلى جزءين؛ الأول: مخلص ووفي في قتاله للنظام السوري والثاني: يضم عشرات اللصوص وتجار الثورة والسلاح.
وفاجأ لافروف أيضاً الأردنيين بتحديد مستوى التغيير تحديداً في الملف السوري مطالباً بـ»الاطمئنان» لأن السعودية ترسل برقيات لا تقول فيها فقط إنها توقفت عن إسقاط الرئيس بشار الأسد بل تلمح إلى أنها انقلبت تماماً في موقفها وقد وصلت لمستوى إمكان التواصل مع النظام السوري وألمح لافروف هنا إلى انتصار اللهجة الواقعية في المعادلة السعودية ممثلة بتيار عادل الجبير وزير الخارجية وهو تيار مدعوم من الإدارة الأمريكية الحالية.
من جهة أخرى بحث العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ولافروف، أمس الإثنين، الأزمة السورية وعملية السلام المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أكثر من ثلاث سنوات. جاء ذلك خلال اجتماع في قصر الحسينية بالعاصمة الأردنية عمان، ضمن زيارة رسمية يجريها لافروف للمملكة، قادما من السعودية.
وقال الديوان الملكي الأردني، في بيان، إنه جرى خلال الاجتماع «استعراض العلاقات الاستراتيجية الأردنية الروسية، والتطورات الإقليمية الراهنة».
وركز اللقاء «على الأوضاع في سوريا (جارة الأردن)، والتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وأهمية اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، الذي تم التوصل له بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية».
وتناول الجانبان الجهود المستهدفة لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإيجاد حلول سياسية للأزمات التي تمر بها المنطقة، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها، وفق الديوان الملكي.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى