زمن ما بعد انتهاء ليلة الحناء !

زمن ما بعد انتهاء ليلة الحناء !
د. علي المستريحي

انتهت فعالية الحناء بعد منتصف الليل بفحجتين بعد أن دبك من دبك وطبّل مَنْ طبّل وسحّج مَنْ سحّج .. وسكت معها زعيق الفرقة الموسيقية وصوت المغني أبو الليل “أسطورة الأغنية الشعبية وصاحب الحنجرة الذهبية” الصينية بنسختها المقلدة الرديئة .. ورحل الحاضرون، وقد حضروا أصلا وحصرا لتجنب “زعل” أبو زعل، والد العريس وعشيرته .. لكن الليلة لم تنتهِ بعد.

ثلة من الصبيان المراهقين من الفئة النيئة “النابولية” التي لم تنضج بعد يبدأ دورها. يتناول أكثرهم شغفا الميكروفون وقد تصبب من فرط الندى وعَرِقِ إنهاك ليلة طويلة، فيبدأ بإطلاق مواويله الممجوجة ليخترق صوتها كل مهجع بالقرية وسط سكون ليلي دامس. يتناوب الصبية الأدوار حتى يسكتهم آذان الفجر ورائحة عَرِقِ ليلة طويلة متعبة وقد تسلل لرأسها الدّوُار. هي فرصة تتاح لهم نهاية كل حفل حناء برضى أهل الفرح وضجر أهل القرية المكبوت مداراة لزعل والد العريس أبي زعل. فرصة للصبية الغامرين لتجربة احساسهم الوهمي أنهم يدخلون أبواب الشهرة من أوسع نوافذها، ليس طربا للعريس وأهله، بل فرحا واغتباطا بأنفسهم الغامرة، واستعدادا لما ينتظرهم في قادم الأيام، سائرون على خطى المغني أبو الليل صاحب الحنجرة الصينية المقلّدة! هي فرصة لهم لإثبات أنهم ينقذون القرية من ضجرها وتعبها وفقرها ولا يدركون أن الناس مغلوب على أمرها، وأن أصواتهم النشاز تصمّ آذانهم وتقظّ مضاجعَهم وتُقرِف عيشهم!

نحن الآن نعيش في زمن ما بعد انتهاء ليلة الحناء، وأصوات الصبية لا زالت تؤرقنا وتقرف عيشنا ولا زلنا نداري والد العريس أبي زعل إكراما له!

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى